مقالات

تنبؤ القرآن بعجز البشر عن معارضته بمثله

لقد تحدى القرآن في مواضع عديدة من آيات سوره تحدّياً يثير روح المنافسة على أشدها في نفوس من يتحداهم ، وتحققت نبوءة القرآن ولا تزال متحققة حيث انقرضت طبقة المخاطبين ومضت أجيال من عرب وأعجام ، وكلهم اعترفوا بالعجز عن المعارضة مع كثرة من تتطاول أعناقهم إلى هدم بناء الدين ، وإبطال معجزة الإسلام الخالدة.

إنّ المتأخرين من الناقدين لا يعييهم في العادة أن يستدركوا على السابقين إمّا نقصاً يعالجوه بالكمال أو كمالاً يعالجونه بما هو أكمل منه ، وإذا فرضنا أنّ واحداً قد عجز عن هذا ، فمن البعيد أن تعجز عنه جماعة ، وإذا عجزت جماعة فمن البعيد أن تعجز اُمّة ، وإذا عجزت اُمّة ، فمن البعيد أن يعجز جيل ، وإذا عجز جيل فمن البعيد أن تعجز أجيال ، فكيف يصدر إذن مثل هذا التحدّي عن رجل يعرف ما يقول فضلاً عن رجل عظيم ، فضلاً عن محمد أفضل المرسلين؟ وهل يمكن أن يفسر هذا التحدّي الجريء الطويل العريض ، إلاّ بأنّه استمداد من وحي السماء واستناد إلى من يملك السمع والأبصار ، وحديث عن من بيده ملكوت كل شيء ، وهو يجير ولا يجار عليه (1)

وقد نص بذلك التحدّي في موارد من آيات سوره.

منها قوله سبحانه :

{ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ( البقرة : 23 ـ 24).

أخبر القرآن في بداية أمر النبي بمكة عن عجز البشر عن مباراة القرآن ومعارضته إلى يوم القيامة ، وأنّ الناس لا يسعهم الاتيان بمثل هذا القرآن ، مهما تظاهروا وتناصروا وحتى اليوم تنقضي على هذا التحدي والتنبؤ قرون وهو صادق في وعده وعهده وسيبقى التحدّي قائماً مادام القرآن ، ويستمر عجز البشر عن مجابهة هذا التحدي.

قال الطبرسي : « ولن » في قوله : ( وَلَن تَفْعَلُوا ) تنفي على التأبيد في المستقبل وفيه دلالة على صحة نبوّة نبيّنا (صلى الله عليه واله وسلم )  لأنّه يتضمن الإخبار عن حالهم في مستقبل الأوقات بأنّهم لا يأتون بمثله ، فوافق المخبر عنه الخبر (2)

ويليها في التنبؤ بعجز البشر والجن عن معارضة القرآن ، قوله سبحانه :

{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } ( الإسراء ـ 88 ).

وقد بلغ في تحدّيه إلى أن اكتفى من المتحدّي بإتيان عشر سور مثله ، بل سورة واحدة من سوره.

قال سبحانه : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ( هود ـ 13).

وقال سبحانه : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( يونس ـ 38 ).

ترى في هذه الآيات من التنبّؤ الواثق بعجز الانس والجن عن معارضة القرآن ولكن المستقبل كما يقال « غيب » لا يملكه النبي ولا الوصي ولا أي شخص سواهما غير أنّ النبي صار صادقاً في تنبّؤه هذا ، ولا يزال صادقاً في الحال فعلى أي مصدر اعتمد هو في هذا التحدي الطويل العريض ، غير الإيحاء إليه الذي لم يزل يصدر عنه في اخباره وتشريعه ؟

_____________________

1- مناهل العرفان ج 2 ص 268.

2- مجمع البيان ج 1 ص 63.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى