أدب وشعر

علامات العالم المستحيل ..للشاعر الكبير عبدالله البردوني

قيل لابد، أن يطيل الغيابا
قيل ينأى، كي يستزيد اقترابا

قيل عنوان نبعه، كل جرحٍ 
قيل يستوطن الظنون الكذابا

قيل أدناه عاصفٌ قبل عامٍ
وثناه غيمٌ، فأغضى وحابى

* * *

وهنا شكّلّ الحصى مقلتيه 
مقلةً حيةً، وأخرى غرابا

وعلى وجنتيه، يمتد وكرٌ 
يستضيف الذباب فيه الذبابا

فوقه يفسق الدجى بالمراعي
تحته تسحب النمال الهضابا

يعشب القحط في حشاه رمالاً 
ويباري فيه اليباب اليبابا

* * *

قيل أودى، قيل استحال نواةً
قيل كهفاً، أمسى لكهفين بابا

قيل أغفا هناك، يجتر حزناً 
مثلما يذكر النجيع الحرابا..

قيل من جوف حارةٍ، سوف يرقى
قيل من لاهنا، يجيء انصبابا

قيل يأتي من تحت شعث الروابي 
قيل تنوي الربى إليه الذهابا

قد يناديه كل صقع فيأبى
وبلا دعوةٍ، يكون الجوابا

* * *

قالت الشمس: ذات يومٍ سيهمي
قالت الريح: شاهدته سرابا

قال شيخ الحمام أبصار قلبي 
تجتليه، عيني تراه ارتيابا

فأجاب الغراب: يبيض لوني 
قبل أن يبتدي، يحث الركابا

قال سرب القطا: أظن الثريا 
أوشكت أن تحل عنه النقابا

وادعى المنحنى بأن خطاه:
أصبحت من رنو عينيه، قابا..

هل تعي يا قطا ضجيجاً خليطاً؟ 
ربما استنبحت خطاه الكلابا؟

عنه ينبي هذا النباح الموشى
بأغانٍ يشحدن ظفراً ونابا

فأجاب القطا: حكت عنه أمي
مثلما يمضغ الخجول العتابا

أخبرت أنه أتى قبل عشرٍ
وتولى، ومادرت كيف ذابا

هل أحست إذ ذاك من أين وافى؟
لا، ولاخمنت إلى أين آبا..

ربما ظن أنه كان فجاً.. 
وانثنى كي يطيب، والآن طابا

* * *

والذي لايراه قال: رآه 
والذي شمه يقيناً تغابى

قيل ينهل من عيون الأماني
قيل يسري تحت السطوح انسرابا

قيل من ظنه سيرنو إليه 
يملك الحالم الغيوب اغتصابا

قيل من أصدق العلامات عنه 
صخرةٌ كالقطار تعلو شهابا..

قيل بل أنجم تحول كؤوساً 
ورؤساً لا تستقل الرقابا

قيل بل نم عنه، وقتٌ تجزا
ساعداً مديةً، ووجهاً ضبابا

قيل أهدى علامةٍ عنه طفل: 
يحتذي غابةً، ويطوي العبابا

عبهري، سفرجلي المحيا 
مقلتاه، تعنقدان الرغابا

وله لحيةٌ وتسعون ثدياً 
وفم، يمسخ الأفاعي قبابا

* * *

قيل تنشق بذرةٌ عنه يوماً
قيل تدمي البروق عنه السحابا

ربما كان تحت حزن الدوالي
وقريباً يجتاز، ذاك الحجابا

* * *

قيل من أبعد الغرابات يدنو
يعجن الضوء والندى والترابا

يغزل البيد برتقالاً وورداً
يحمل البحر، في يديه كتابا..

يدخل العشب، يركض فيها
يستحيل الهبا غصوناً كعابا..

* * *

قيل يغشى بيوت (صنعا) صباحاً 
قيل يغشى ليلاً (أديس أبابا)

قيل فجراً يزف (بيروت) أخرى
وإلى (تل ابيب) يحدو الخرابا..

قيل يمحو مجاعة (الهند) صيفاً
قيل يستهل هنداً شبابا

قيل من خارج التقاويم يأتي
من وراء الحساب، يلغي الحسابا

يبدع العالم الصديق، وينسى
ثانياً، ثالثاً، نعاجاً، ذئاباً..

طاوياً، كل من دعوهم، رؤوساً
دافناً، كل من تسموا ذنابا..

* * *
وسيبدو عاماً، أشذ صبيٍ 
أو يسمى: أحنى عجوزٍ تصابى

ثم يبدو غير التي لقبوها 
ثورةً، غير ما دعوه انقلابا..

ويرى من وضوحه كوليدٍ 
يرتدي عريه الطفولي ثيابا

قيل هذا، وتارةً عكس هذا 
ليت شعري: أذاك، أم ذا أصابا..؟

عبدالله البردوني ..

(مايو1981)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى