مقالات
«عيد الغدير» هدية الله للمسلمين وفرصة لتوحدهم
عيد الغدير هو أفضل الأعياد لانه اليوم الذي اكمل الله به دينه وأتم نعمته على المسلمين واستخلف عليهم وليه أميراً وهو ليس عيداً يختص بالشيعة فقط بل هو عيد لكل المسلمين فقد وحّد رسول الله(ص) المسلمين في ذلك اليوم وجعله عيداً لهم والاحتفال بهذا العيد هو شكر لله واقتداء برسول الله(ص) وحباً لأمير المؤمنين(ع) علي بن أبي طالب.
الإمامة امتداد طبيعي للنبوة
قبل الخوض في حادثة الغدير لا بد من الاشارة الى مسألة في غاية الاهمية في حياة الامة الاسلامية الا وهي مسألة الإمامة وهذه المسألة هي من الضروريات لحاجة الناس الى امام يرجعون اليه بعد النبي(ص) وهي الامتداد الطبيعي للنبوة حيث تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في حفظ الدين والدفاع عنه إضافة الى مسؤوليتها تجاه المسلمين في تطبيق الشريعة الاسلامية التي جاء بها النبي(ص) فهي اذن في الصميم من حياة الامة.
ونظراً للدور الهام الذي يمثله الإمام كان لا بد له ان يحمل صفات ومؤهلات تجعله في مقام الذروة من الكمال البشري فيكون للمسلمين قدوة بعد نبيهم(ص) ولما كان الاسلام هو الدين الذي تكفلت قوانينه ببناء مجتمع مزدهر فقد كان من الضروري ان يعين قائداً للامة بعد نبيها يرجع اليه المسلمون في اخذ الاحكام وحلول المشكلات الفكرية والاجتماعية والسياسية ولو رجعنا الى القرآن الكريم، نجد أن اختيار الامام يكون من قبل الله عز وجل (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) لان هذا المنصب لا يكون باختيار الناس فيكون اختيار الشخص لمن يرشحة نابعاً عن اهوائه أو قرابته أو مصلحته الشخصية وتشب المنازعات والخصومات التي تتحول تدريجياً الى حروب ومعارك طاحنة ودسائس واغتيالات ومكر وخديعة بين المرشحين تجر على الامة الويل والخراب كما جرى في عهد السلطتين الاموية والعباسية، ولا نريد الخوض في هذه الحوادث فكتب التاريخ مشحونة بها فقط أردنا أن ننوه الى اهمية هذا الدور في حياة الامة.
لقد كفى الله سبحانه وتعالى المسلمين اختيار إمام لهم جامعاً للفضائل مطهراً من الرجس منزهاً عن الخطأ والظلم ليكون قدوة للناس وهادياً للأمة وقد اختار سبحانه وتعالى علي بن ابي طالب(ع) ليكون إماماً وقائداً وخليفة للمسلمين بعد رسول الله(ص) بنص القرآن الكريم أما الآيات الكريمة التي نزلت بحق أمير المؤمنين(ع) فهي كثيرة لا يسع المجال لذكرها والتي دلت على مواقفه الخالدة مع رسول الله(ص) ولكن نشير الى واحدة من هذه الآيات والتي تتعلق بمسألة الولاية له(ع) على المسلمين من بعد رسول الله(ص) حيث يقول سبحانه وتعالى (انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ونترك شرح هذه الآية لشهرتها فمن شاء فليراجع تفسيرها وسبب نزولها من التفاسير المعتبرة.
علي أجدر الناس بأمرة المؤمنين
لقد حمل علي(ع) من الخصال والصفات ما لم تتهيأ لافذاذ الرجال ولو طالعنا الدعوة الاسلامية من اولها وحتى وفاة الرسول(ص) نجد انه لم يكن لاحد من الصحابة على جلالتهم ما لعلي من الفضل والسبق الى الفضائل فهو اول من اسلم وهو اول من صلى وهو اول مجيب لله ولرسوله في الحرب والسلم واحب الخلق الى الله ورسوله واحبهما اليه أطل علي(ع) على هذه الدنيا من الكعبة المشرفة وشع نوره منها فكرم الله وجهه عن عبادة الاصنام فلم يعبد صنماً قط وعندما بدأت الدعوة الاسلامية كان علي(ع) اول مجيب لها وقد ذكرنا حديث النبي(ص) فيه يوم الدار عندما لم يستجب لرسوله الله(ص) احد من اهله وعشيرته سوى علي(ع) وكان(ع) مع النبي(ص) يلازمه ملازمة الفصيل لامه كما عبر هو (ع) عن ذلك وعندما هاجر الرسول(ص) وقاه علي(ع) بنفسه عندما بات على فراشه(ص) فنزلت فيه(ع) هذه الآية المباركة (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) وكان(ع) بطل المسلمين في معاركهم كلها وبدون منازع ففي بدر كان عدد قتلى المشركين سبعين رجلاً قتل علي(ع) وحده نصفهم وقتل النصف الأخر باقي المسلمين وفي احد كانت الدماء على كتفيه كاكباد الابل وسيفه في يده كالصاعقة لا يدنو منه فارس الا مزقه ولا كتيبه الا فرقها وقد نص اكثر المؤرخين على انه لم يثبت مع النبي(ص) في احرج ساعات المحنة سوى علي ونفر قليل من المهاجرين والانصار.
الحادثة والحديث
وخرج رسول الله(ص) الى الحج في سنة عشر واذن في الناس بذلك فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته التي يطلق عليها حجة الوداع وحجة البلاغ واخرج(ص) معه نساءه كلهن وسار معه اهل بيته وعامة المهاجرين والانصار فلما قضى(ص) مناسكه انصرف راجعاً الى المدينة ومعه من كان من المجموع وفي منتصف الطريق بين مكة والمدينة في منطقة غدير خم التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين توقف(ص) وأمر أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تاخر عنهم في ذلك المكان حتى اذا نودي للصلاة -صلاة الظهر- صلى(ص) بالناس وكان ذلك اليوم قائضاً يضع الرجل بعض ردائه على راسه وبعضه تحت قدميه من شدة الحر وظلل لرسوله الله(ص) بثوب على شجرة فما قضى(ص) صلاته قام خطيباً وسط الناس واسمع الجميع رافعاً صوته فقال(ص) (الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونومن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا، ومن سيئات اعمالنا، الذي لا هادي لمن اضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله اما بعد ايها الناس إني أوشك أن أدعى فاجيب وأني مسؤول، وانتم مسؤولون، فماذا انتم قائلون؟) قالوا: نشهد انك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً. فقال(ص) (الستم تشهدون ان لا اله الا الله، وان محمد عبده ورسوله وان جنته حق وناره حق، وان الموت حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور؟) قالوا بلى نشهد بذلك. فقال(ص) (فاني فرط على الحوض وانتم واردون عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين) فنادى مناد وما الثقلان يا رسول الله؟ فقال(ص) (الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تضلوا، والآخر الاصغر عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا) ثم اخذ(ص) بيد علي(ع) فرفعها وعرفه القوم اجمعون وقال(ص) (ايها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟) قالوا: الله ورسوله اعلم، قال(ص) (ان الله مولاي، وانا مولى المؤمنين، انما اولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واحب من احبه، وابغض من ابغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار، ثم لم يتفرقوا حتى نزل جبرائيل(ع) بهذه الآية (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فقال(ص) (الله اكبر على اكمال الدين، واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي.
عيد الغدير فرصة للتوحد
لو رجعنا الى المصادر التاريخية نجد أن رسول الله(ص) هو أول من أمر باتخاذ هذا اليوم عيداً فقد ورد انه(ص) علم المسلمين كيف يهنئون علياً(ع) بأمرة المؤمنين عندما قال لهم في ذلك اليوم (معاشر الناس قولوا: أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا، وميثاقاً بالسنتنا، وصفقة بأيدينا، ونؤديه الى اولادنا واهالينا، لا نبغي بذلك بدلا، وانت الشهيد علينا وكفى بالله شهيدا قولوا ما قلت لكم وسلموا على علي(ع) بأمرة المؤمنين فقاموا بأجمعهم وسلموا على علي(ع) بأمرة المؤمنين وقد ورد عن الامام الصادق(ع) ان رسول الله(ص) أوصى علياً(ع) بان يتخذ ذلك اليوم عيداً وكذلك كانت الانبياء تفعل وكانوا يوصون اوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً ووردت روايات عن الأئمة(ع) انه افضل الاعياد ولا غرابة في ذلك فان اليوم الذي اكمل الله به دينه واتم نعمته على المسلمين واستخلف عليهم وليه أمير المؤمنين لحقيق بأن يكون أعظم الاعياد ان عيد الغدير الاغر ليس عيداً يختص بالشيعة فقط بل هو عيد لكل المسلمين.
لقد وحد رسول الله(ص) المسلمين في ذلك اليوم وجعله عيداً لهم والاحتفال بهذا العيد هو شكر لله واقتداء برسول الله(ص) وحباً لأمير المؤمنين(ع) علي بن أبي طالب ولا نخال ان مسلماً بغض النظر عن مذهبه لا يشكر الله ولا يقتدي برسوله ولا يحب علي بن أبي طالب(ع)، فهذا العيد هو هدية من الله لتجدد الامة الاسلامية اصالتها وايمانها بالله وحبها لرسوله واهل بيته فتتوحد بهذا العيد وتحتفل به سنة وشيعة.