فصلُ المقال في الدّيسكو الحلال
محمّد خير موسى | موقع عربي21
لستُ أستغرب أن تقولَ هيئة كبار العلماء عن ديسكو جدة بأنّ وليّ الأمر هو أحرص النّاس على تطبيق الشريعة الإسلاميّة؛ ولذلك أصدر تعليماته الصّارمة بمنع الخمور في الدّيسكو الأوّل في المملكة، وعلى هذا فهو ديسكو على سنّة الله ورسوله وبفهم سلف الأمّة.
كما أنني لن أستغربَ أن يخطب السّديس على منبر المسجد الحرام مبيّنًا بسجعه الموغل في التكلّف أنّ الرجل المُلهَم محمد بن سلمان قد نفثَ الله في روعه أنّ هذا الدّيسكو سيكون فتحًا مبينًا للدعوة إلى الله تعالى باستقطاب الشباب التّائه بغية معرفة ميولهم واستهدافهم بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلى المسلمين أن لا يأخذوا بظواهر الأمور بل بحقائقها التي لا يعلم كنهَها إلَّا الملهَمون من الرّجال وعلى رأسهم وليّ العهد المُفدّى.
ولن أستغربَ أبدًا أن يبادر عائض القرني إلى إصدار كتابٍ ينقش على زاويته ”أكثر الكتب مبيعا في العالم” عنوانه “فصلُ المقال في الدّيسكو الحلال”، يذود فيه عن حمى الإسلام الذي يتبنّاه بعد اعتذاره عن إسلام الصّحوة، والذي سمّاه الإسلام على نهج وليّ العهد محمّد بن سلمان.
ومن الطّبيعيّ ألا أستغربَ أن يظهر المغامسي على الشّاشة ليعصرَ مآقيه ويسكب العبرات خشوعًا وهو يتحدّث عن “الملاهي الليليّة” في عصر الإسلام الأوّل، وكيف حرص الإسلام على تلبية حاجات الإنسان، ولن يألُو جهدًا في استحضار دليل سماح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم للقادمين من الحبشة بالرّقص في المسجد للتّدليل على مشروعيّة الدّيسكو الجديد.
وأمَّا الجاميّة المدخليّة فسيجنّدون أقلامهم وألسنتهم للتأكيد على أنَّ الإنكار على وليّ الأمر حرامٌ تصريحًا أو تلميحًا، حتّى لو مارس الزنى على الهواء مباشرة نصف ساعةٍ كلّ يوم، كما سيؤكّدون على حرمة غيبة وليّ الأمر أمام الأطفال داخل الأسرة حتّى لا ينشأ الأبناء وفي قلوبهم شيء غير الحبّ لحماة الدّين والعرض ولاة الأمر من آل سعود.
لكنني سأستغربُ بشدّة من استغرابِ البعض واستهجانِهم افتتاح الدّيسكو الحلال في سعودية ابن سلمان؛ وسأستغرب بشدة سؤالهم الذي ينمّ عن التفاجؤ ”معقووول؛ معقول أن يصلَ الأمر إلى هذا الحدّ؟!!”
نعم إنَّه معقولٌ للغاية أن يكون ما هو قادمٌ على المملكة بيدَي ابن سلمان وجنوده من آل الشّيخ والقحطاني أشدّ وأنكى، وأعظم وأفدح.
ما دامَ أهل الحكم يمتطونَ أرباب اللحى، وما دام الدّينُ ألعوبةً في أيدي هؤلاء الذين يسرحون ويمرحون في ساحة الشّريعة عقب اعتقال العلماء والدّعاة فمن الطبيعيّ أن يغدو الديسكو حلالًا وكلّ ما فيه مستمدَّا من روح الشريعة؛ شريعة ابن سلمان طبعًا.
الملهى الليليّ “وايت” الذي يفتتح أبوابه في جدّة عقب بيروت ودبيّ سيكون حلالًا تمامًا مثل علبة السّردين المكتوب عليها “ذبح على الطريقة الإسلاميّة”.
هو ديسكو حلال فقط لأنَّه لا يقدّم الخمور في البار، وهذا كافٍ عند هيئة التّرفيه لإقناع الجمهور بأنَّ هذا الدّيسكو مطابق للمواصفات الشرعيّة.
ديسكو جدّة حلال رغم أنّه يفتح أبوابه من العاشرة ليلًا حتّى الثّالثة فجرًا، ولا يسمح بدخوله إلَّا إذا كان مع الشّاب فتاة تصاحبه، وهذا الشّرط تمّ تخريجه شرعيًّا بأنَّه “مخصّص للعائلات” فهل تريدون أكثر من هذا الحرص على تطبيق الشّريعة؟!
وهو ديسكو حلال رغم افتتاحه في شهر شوّال ـ وهو من أشهر الحجّ ـ على مسافةٍ لا تزيد على خمسةٍ وثمانين كيلو متر من مكّة المكرّمة والمسجد الحرام لتعلو أنغام الدّي جي في ربوع الحرم.
وهو ديسكو حلال رغم أنَّ الشّباب والشّابات سيتراقصون بهستيريّةٍ على أغنيات شاكيرا ومادونا ونانسي عجرم وهيفاء وهبي.
إنَّ الإصرار الفجّ على سلخ المجتمع السّعودي عن هويّته بهذه الطّريقة العنيفة، وإلباس ذلك ثوب الشّريعة ينذر بكوارث على البنية المجتمعيّة وعلى الارتباط بالهويّة الإسلاميّة لشريحة الشباب برمّتها في المجتمع السّعودي.
إنَّ الديسكو الحلال لا يترعرعُ إلَّا في رحاب الحكم الحرام، والفتوى الحرام، والعمائم الحرام، ولئن لم ينته المترفون والملبّسون عن إعلان فجورهم وتلبيسهم وتحريفهم للحقّ عن مواضعه؛ فسيكون خرابًا لا يستثني أحدًا ولو رافضًا يلوذ بالصّمت العميل.