الحلقة: الثانية عشر
بقلم/ منير عوض
السؤال الذي يطرح نفسه الآن والكلام في جعل الله لإبراهيم عليه السلام إماما هو :
هل يفهم من قوله تعالى:(إني جاعلك للناس إماما) أن إبراهيم عليه السلام لم يكن قبل ابتلاء الله له بهذه الكلمات وإتمامه لهن إماما؟
هل كان عليه اجتياز ذلك الامتحان الإلهي لاستحقاق الإمامة ليكون أهلا لها وجديرا بها؟
تساؤل كهذا يستدعي طرح أسئلة أخرى من شأنها أن تقربنا من الإجابة المرجوة التي لا شك فيها ولا ريب:
هل كان الرسل والأنبياء قبل بعثة الله لهم ليسوا رسلا ولا أنبياء ؟
محمد هل كان قبل نزول الوحي عليه ليس رسولا ؟
لم يكن الأنبياء والرسل إلا أنبياء ورسلا لله مذ خلق الله لهم، بل حتى وهم في عالم الغيب وقبل مجيئهم إلى الدنيا بيد أنهم لا يمارسون دورهم في هداية الناس إلا بإذن من الله .
كذا محمد كان نبيا ورسولا ولم يظهر فيه النبي ولم يتجلَّ منه الرسول إلا بأمر من الله في الوقت الذي حدده الله كما يقول الله تعالى:
( يا أيها المدثر قم فأنذر )
كما أن نبي الله عيسى تكلم في المهد بنبوته ويحيى ـ أيضا ـ عليهما السلام.
وكذلك سائر الأئمة لم يقوموا بدورهم في إمامة الناس إلا بأمر من الله كما يصرح الله بهذا في قوله تعالى:
( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ).
ويمكن النظر إلى الإمامة من هذه الزاوية فالإمام إمام عند الله كذلك ولم يخلقه الله إلا إماما ولكن أمر إظهار إمامته بيد الله وحده متى ما شاء وشاءت حكمته.
فالإمام متحقق بهذا المقام مذ كان في عالم الذر وقبل أن يأتي إلى الدنيا وللناس في أعناقهم عليه لهم بيعة توجب السمع والطاعة له فقد عرفه الله لهم وعرفهم به هناك فهو في عالم الثبوت في عالم الحقائق المطلقة إمام ولم يتبق بولادته إلا أن يتحقق في عالم الإثبات بحقيقته تلك بعد حصوله على الأمر الإلهي.
إذا قلنا أنه بعد الابتلاء غدا إماما فهذا يعني أن بمقدور أي شخص أن يكون إماما وإذا قلنا أن الأمر هذا يستلزم العصمة وهو من حق المعصومين وحدهم فإن بمقدور أي شخص معصوم من من أنبياء أو أوصياء أن يكون إماما متى ما تمكن من اجتياز الامتحان الإلهي؟
فلماذا إذن الكثير من الأنبياء والأوصياء لم يكونوا أئمة هل يعني هذا أنهم لم ينجحوا في امتحان الله لهم في هذا الصدد ولم يستطيعوا تجاوز الابتلاء الإلهي ليصلوا لما وصل إليه إبراهيم والمصطفون من ذرية إبراهيم ؟
تساؤلات كثيرة ربما توصلنا إلى القول ودون أدنى شك بأن لكلٍّ مقامه المعروف ودرجته المعلومة عند الله فكلٌّ خُلق لمنزلة حددها الله له مسبقا.
والإمامة(الحجة) تكون في :
ـ الرسل الأنبياء: كما في إبراهيم وموسى وسواهم .
ـ الأنبياء: كما في إسماعيل وإسحاق وغيرهم.
ـ الأوصياء: من مثل الأئمة الاثني عشر من أوصياء محمد صلوات الله عليهم جميعا.
أوصياء منهم من أصبح نبيا ومنهم من أصبح رسولا ومنهم من كان إماما فقط.
وتحقق إبراهيم بجميعها فكان وصيا ونبيا ومرسلا وإماما فالله يختار للرسل والأنبياء أوصياء ومن الأوصياء يختار من بعضهم ممن أراد أنبياء ومن الأنبياء ممن أراد رسلا ومن الرسل ممن أراد أئمة وكذا ممن أراد من الأوصياء أئمة وهم آل محمد خصهم بهذه المنزلة دون سواهم.