بقلم: منير عوض
1 ـ الأدلة العقلية على وجوب الإمامة:
وتحت هذا العنوان وبعد أن تعرفنا على مفهوم الإمامة والألفاظ المرتبطة به سيدور حديثنا ـ في هذه الحلقة ـ حول وجوب الإمامة وأدلتها العقلية وسنحاول وبشكل مختصر الإجابة على التساؤلات التالية:
1ـ هل يقضي العقل بوجوب وجود الإمام ؟
2ـ الإمام هل يجب أن يكون تنصيبه من قبل الله ؟
3ـ إن كان التنصيب من الحق واجبا فما المانع من أن يكون هذا التنصيب من قبل الخلق ؟
4ـ إن كان المنصب من قبل الله رسولا أو نبيا فماذا عن المستخلف بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه و آله هل ينبغي أن يكون منصبا أيضا من قبل الله خليفة لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه و آله ؟
أما وجوب وجود إمام فإن العقل أولا يفترض ذلك وانطلاقا من التسليم بهذه الحقيقة وانقيادا لها نجد أن جميع الأمم وكل شعوب الأرض وفي جميع الأزمنة كان على رأس كل منها قائد لها تسير خلفه تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه وسواء كانت هي من تنصبه أو كان مفروضا عليها فإن هذا يدل بما لا يترك مجالا للشك على أن الناس يحتاجون بفطرتهم إلى وجود قائد وإمام يلتفون حوله فلم يختلفوا في ضرورة وجوده وانحصر خلافهم فقط في طريقة التعيين.
إن كل بيت ، وكل قبيلة ، وكل تجمع للناس يقتضي وجود أب أو زعيم أو حاكم يحتكم الناس إليه ويحكمونه في شؤون حياتهم.
يترتب على ما سبق من ضرورة وجود إمام كضرورة عقلية لا يختلف عليها اثنان ذوا عقل التساؤل عن الجهة المخولة بتنصيب الإمام فمن حق من ترى اختيار الإمام ؟؟
حول هذه النقطة دار الخلاف والاختلاف ليس فقط بين علماء ومتكلمي هذه الأمة من سائر الفرق وإنما أيضا بين علماء وأحبار الأمم السابقة فقد طالت نقاشاتهم وحواراتهم حول هذه القضية.
فما الذي يجعل التنصيب للإمام من حق الله وحده دون أن يكون للخلق في هذا الأمر نصيب؟
يمكن الإجابة على التساؤل هذا بالنظر إلى التالي:
1ـ هذا الإمام سيكون خليفة لمن أليس لله إذن من حق الله وحده تعيينه لأنه سيكون خليفة لله ولو كان خليفة للناس لكان من حقهم هم تعيينه.
2ـ إن الإمام هذا سيكون من مهامه بيان تشريعات الله وتوضيح أحكامه للعباد وهذا التشريعات والأحكام هي من عند الله؛ ومن حق الله أن يتخير من عباده من هو قادر على القيام بهذا الأمر، فللناس حق اختيار من يقودهم في أمور الدنيا على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أما اختيار من يمثل الله ويكون خليفة له فهذا الشأن شأن الله وحده.
والسؤال الآن :
لماذا لم يسند الله أمر تنصيب الإمام إلى الناس، ويمنحهم حق اختيار من يرتضونه منهم؟
1ـ لو حصل هذا وأسند أمر اختيار الإمام للناس لاختلفوا ولما اتفقوا أبدا على إمام واحد وهذا هو ما يشهد به التاريخ الإنساني ـ ليس فقط التاريخ الإسلامي ـ ففي كل زمن يرفض فيه الناس من يعينه الله إماما لهم يكون الاختلاف وتحصل الفوضى وتستعر الحروب فكل مجموعة من الناس ترى أن الأحق هو فلان وليس لأنه هو الأحق ولكن لأن المصالح والأهواء والعواطف تكون هي الغالبة مما سيضر بهم في الدنيا والآخرة وسيكون سببا في شقائهم وما كان الله ليقبل بهذا وليس من أجل هذا خلقهم كما يقول تعالى:
( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ([1])
فالله لم يخلق السماوات والأرضين إلا من أجل هذا الخليفة ومن يتبعونه.
ولذا حينما قال الله:
(إني جاعل في الأرض خليفة)([2])
كان تعليق الملائكة :
(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)([3])
وهذا الواقع فعلا وهو ما سيتحقق حتما في حال ترك الله الناس دون خليفة له وإمام لهم يعينه هو
لذا كان جواب الله عليهم ( إني أعلم ما لا تعلمون )([4]) من أن الناس إذا اتبعوا خليفة الله في الأرض فإنهم بهذا لن يفسدوا فيها ولن يسفكوا دماء بعضهم البعض.
2ـ من المؤكد أن الناس جاهلون بمصالحهم الدنيوية والأخروية وتحقق هذه المصالح لا يكون إلا على يد إمام ينصبه الله ويتولى أمر تعليمه وتبصيره بما فيه مصلحة العباد في الدارين.
3ـ لا يعلم الناس من الناس إلا بظواهرهم ووفق هذا يكون حكمهم على بعضهم البعض ولذا فإنهم وباستمرار سيخطئون في اختيار إمام لهم لعدم إمكانية علمهم بالأنفع منهم والأقدر على القيام بهذه المهام أما الله فوحده العالم بالخفايا والنوايا ولا يمكن لأحد خداعه أو إخفاء حقيقته عنه.
4ـ حينما انصرف الناس عن هذه الحقيقة ولم يقبلوا بتنصيب الله وحكم الله وقعوا في الفوضى ولم يستطيعوا عبر التاريخ البشري الخروج من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم بأنفسهم فيه ولم يهتدوا إلى طريقة متفق عليها بينهم لتنصيب الإمام من قبلهم هم فنجدهم يختلفون ويقتتلون بسبب هذا الأمر ونظرة واحدة في كتب التاريخ تعطينا صورة كاملة للعواقب الوخيمة الناجمة عن هذا الانحراف وهو ما نجده بعد وفاة النبي صلوات الله عليه وآله من اضطراب واختلاف وفتن وحروب استمرت ولازالت إلى اليوم بسبب عدم القبول بالإمامة الإلهية.
وأما التساؤل الأخير حول الخليفة للنبي:
هل ينبغي أن يكون منصبا من قبل الله ؟
إن هذا السؤال يضعنا أمام خيارات ثلاثة:
1ـ أن لا يكون النبي صلوات الله عليه وآله قد نص على خليفة له تاركا الأمر للناس يتخيرون من بعده خليفة له من أرادوه وارتضوه.
2ـ أن ينص النبي على خليفته ويحدده للناس وبناء على هذا يكون لدينا احتمالان:
أ ـ أن يكون نص النبي على خليفته بأمر من الله فالنبي هو واسطة للتنصيب الإلهي هذا فهو مبلغ عن ربه لا أكثر.
ب ـ أن يكون هذا النص باختيار من النبي وبتنصيب منه هو من تلقاء ذاته لا بأمر من ربه.
وقد بدأنا في الخيار الأول من نفي نص النبي على خليفة له لكون في نفي النفي هذا ـ
حال تحققه ـ إثبات للخيار الثاني من نص النبي على خليفة له.
فلنقف قليلا عند الخيار الأول لنرى ما مدى تقبل العقل السليم له من عدم تقبله.
فهل يعقل أن يترك النبي أمته دون أن يحدد له خليفة يستخلفه ويأمّنه عليهم ويأمّنهم عليه وعلى وجوب طاعته!
قطعا لا.
و يؤكد صحة هذه الإجابة ما يلي:
1ـ الوصية مما ندب إليه الكتاب والسنة حيث يقول تعالى:
( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية..)([5])
ووردت عن الرسول أحاديث كثيرة يحث فيها على كتابة الوصاية قبل الوفاة .
فالنبي أرحم بالأمة من الأب بأبنائه.
2ـ سيرة النبي صلى الله عليه وآله أنه إذا غاب كان يستخلف على المدينة وغيرها ولو كانت غيبته لفترة قصيرة فكيف لا يستخلف على أمته في غيبة الوفاة من يحفظ الدين والبلاد والعباد !
أما القول الأخر بأن الأمر هذا لم يكن إلا من تلقاء ذات النبي فهو من اختار خليفة له فليس من المعقول القبول بهذا الرأي مع وجود آيات كثيرة في القرآن الكريم تنص على أن كل ما يصدر عن النبي هو صادر حقيقة عن الله:
(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيّ يوحي)([6])
أليس كل ما يصدر من قول عن النبي وحي من الله له في كل شأن من الشؤون صغيرها وكبيرها؟
أليس هذا ما تدل عليه الآيات السابقة؟
و لو أن النبي تقول على الله وادعى عليه ادعاء واحدا لما أبقاه الله حيا ولقطع وتينه كما يقول تعالى:
( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين )([7])
فلو افترضنا تجاوزا أن النبي هو من اختارا خليفة له فإن هذا الاختيار لن يكون قطعا إلا بأمر من الله وبوحي منه أوحاه إلى نبيه.
[1] سورة هود، الآية: (119).
[2] سورة البقرة، الآية: (30).
[3] سورة البقرة، الآية: (30).
[4] سورة البقرة، الآية: (30).
[5] سورة البقرة، الآية: (180).
[6] سورة النجم، الآية: (3).
[7]سورة الحاقة، الآية: (44).