مقالات

مشروعية الاحتفال بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم

اقرأ في هذا المقال
  • هذا وكل مؤمن مطالب بالفرح به صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )
  • فعذراً يا سيدي يا رسول الله من أمتك هذه التي مازالت مختلفة في احترامك وتعظيمك

عدنان الجنيد

إن حقاً على جميع العقلاء أن يفرحوا بيوم ميلاده ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأن يُسرُّوا ويبتهجوا بذلك اليوم الذي تدفق فيه النور والهدى والعلم إلى هذا العالم أجمع, لأنه ولد فيه رسول الرحمة للعالمين ونبي الهدى والنور للخلق أجمعين ,وإمام الأنبياء والمرسلين ,فأعظم بذلك اليوم وأكرم به وأنعم…

هذا وكل مؤمن مطالب بالفرح به صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )

“بفضل الله”: أي بنعمه المتواترة عليهم . “وبرحمته”: أي المهداة إليهم وهو سيدنا رسول الله- – صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى:(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ]

وجاء في الحديث : «إنما أنا رحمة مهداة» رواه الطبراني والبيهقي..

وما من نعمة أنعمها الله علينا ،إلا والمصطفى كان السبب في وصولها إلينا ..كذلك

الاحتفال بمولده- صلى الله عليه وآله وسلم- يعد نوعاً من أنواع التعظيم والتكريم له صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعظيمه قال تعالى:(لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ) [الفتح :9]..

بل أعطى صفة الفلاح لمن عظم ووقر سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى : (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) [سورة الأعراف157]..

وكلمة(عزروه) تعني التكريم والتعظيم وسيأتي بيانها -لاحقاً- وتعظيمه- صلى الله عليه وآله وسلم- كما يكون في حياته كذلك يكون بعد وفاته إلى قيام الساعة فالاحتفالات والمهرجانات في يوم ميلاد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وإلقاء الخطب والقصائد تعد مصداقاً لقوله تعالى:(وعزروه) ومصداقاً- أيضاً- لقوله تعالى:( ورفعنا لك ذكرك) [سورة الانشراح: 7 ]..

فالاحتفالات النبوية سواء في يوم ميلاده أو بعثته أو معراجه أو هجرته أو أو …. هي نوع من رفع الذكر المذكور في الآية الآنفة الذكر

هذا ومازال المسلمون قديماً وحديثاً يحتفلون بيوم مولده – صلى الله عليه وآله وسلم- ويفرحون ويبتهجون ويطعمون الطعام ، ويدخلون السرور على سائر الأنام ، حباً له عليه وآله الصلاة والسلام ،حتى قام كبار علماء أهل السنة وغيرهم بتأليف كتبٍ مخصوصةٍ في المولد وحثوا على فعله وإثابة فاعله وأجر عامله كما في كتبهم مثل كتاب (العروس)للحافظ ابن الجوزي ,و(حسن المقصد في عمل المولد )للإمام السيوطي ,و(الفخر العلوي في المولد النبوي )للإمام السخاوي ,و(إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم )للإمام ابن حجر الهيتمي ,و(التنوير في مولد البشير النذير)للحافظ ابن دحية ,و(المورد الهني في المولد السني)للحافظ عبدالرحيم العراقي وغيرها من الكتب التي يطول ذكرها وهكذا ظل المسلمون بما فيهم العلماء الأعلام والأئمة الكرام يحتفلون بمولد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا ولم ينكر أحد عليهم ذلك ، إلاَّ لَّما جاء هؤلاء التكفيريون ومن سار على نهجهم هكذا بدأوا ينكرون على المسلمين بما فيهم العلماء العاملين ، والأولياء الصالحين ، والأقطاب العارفين ، والجهابذة المخلصين … أنكروا عليهم احتفالاتهم بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- بحجة أنها بدعة لم تكن في الزمن السابق (زمن الصحابة والتابعين) بل ووصل بهم الأمر إلى أن بدَّعوا وكفروا كل من يحتفل بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا جهل منهم بمقاصد الشريعة وأصولها ، فهم لم يسبروا غورها ، ولم يدركوا سرها ولم يعرفوا عظمة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- في القرآن وأن محبته والتفاني فيه من كمال الإيمان ، واحترامه وتعظيمه من أعلى مراتب الإحسان ، فكيف يكون ذلك بدعة ضلالة واحترامه وتعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- من الأمور المطلوبة شرعاً ؟! ولكي تعرف خطأهم ذلك لابد أن نوضح معنى البدعة.

البدعة:« الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء٬ ومنه قيل ركِيَّةُ بديع أي جديدة الحفر» والبديع المبدع ٬وأبدع الشيء بدعاً وبدعاً: أنشاه على غير مثال سابق٬ فهو بديع وفي التنزيل العزيز:(بديع السموات والأرض)[ البقرة : 117] أي مُنشأهما على غير مثال سابق٬ وأبدَعَ أبدأ٬ والبدع: بالكسر الأمر الذي يكون أولاً يقال: ما كان فلان بدْعاً في هذا الأمر وفي التنزيل العزيز:(قل ماكنت بدعاً من الرسل) [الأحقاف : 9] قيل معناه مبدعاً لم يتقدمني رسول٬ وقيل مبدعاً فيما أقوله…»

وقال الراغب في [مفردات غريب القرآن ]:« إذا استعمل- أي الإبداع- في الله تعالى فهوا إيجاد الشيء بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان وليس ذلك إلا لله٬ والبديع يقال للمُبدع- ثم ذكر الآية-…»

ويقال: بدَّعه تبديعاً: نسبه إلى البدعة

فالبدعة: ما استحدث في الدين وغيره ٬ قال الراغب: والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستنَّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة»

وقال الفيروزآبادي في [القاموس المحيط ] : البدعة« الحدث في الدين بعد الإكمال..»

وقال صاحب كشف الارتياب: ” البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين ولا يحتاج تحريمها إلى دليل خاص لحكم العقل بعدم جواز الزيادة على أحكام الله تعالى ولا التنقيص منها لاختصاص ذلك به تعالى وبأنبيائه الذين لا يصدرون إلا عن أمره…» اهـ

والخلاصة من هذا كله أن البدعة: استحداث أمر ما يرفضه الذوق٬ ويستنكره العرف ولا يقبله العقل وليس له أصل في الشريعة ولا يدخل في أي أمر عمومي…

ولذلك جاء في الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» أي من أحدث أمراً لا يندرج تحت شريعتنا وليس له أصل ولا يدخل في أي لفظ عام فهو مردود

هذا ولتعلم بأن البدعة لا تكون بدعة إلا إذا فُعِلتْ بعنوان أنها من الدين ٬أما إذا كانت في غير الشرع فلا مانع منها لضرورة ذلك كالابتكار والابتداع في العادات والتقاليد وفي الأمور الحياتية والمعاشية و و… فالاحتفال بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- ليس من هذا أو ذاك بل هو يدخل في عموم وجوب تعظيمه واحترامه – صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى :(لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) قال القاضي عياض قي كتابه الشفاء مانصه :«قال ابن عباس : تعزروه تجلوه ، وقال المبرَّد : تعزروه تبالغوا في تعظيمه »

قلت : ولكى يتبين لك المعنى الذي ذكرناه لابد أن أعطيك مثالاً ثم أردفه بتفصيل كلامي السابق وإليك ذلك: إن الشارع الحكيم حثَّ على الصدقة وعلى إعانة الفقراء والمساكين كما جاءت الآيات الكريمات والأحاديث النبوية صادعةً بذلك ولكنه- أي الشارع- لم يخبرنا بالكيفية ولا بالأسلوب في ذلك بل تركها لاختيار المكلف لهذا المصداق أو ذاك ، فبعض المكلفين يساعدون الفقراء بإيجاد فرص العمل لهم ، والبعض الأخر يُعينوهم بصرف رواتب شهرية لهم ، والبعض يُعطونهم الفلوس أو يساعدوهم بتوفير كل ما يحتاجون إليه من طعام وثياب وهكذا ….

فكل ما فعله المكلفون من هذا الخير وإن اختلفت مصاديقه يؤجرون عليه ولأنهم امتثلوا الأمر الذي جاء على العموم ولا يمكن أن نقول بأنهم ابتدعوا في الدين وجاءوا ببدعة ضلالة لم يفعلها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أو أحدثوا في الدين ما ليس منه !! لماذا ؟

لأنهم امتثلوا الأمر الذي جاء على العموم وما فعلوه كله يندرج تحت عموم الآيات والأحاديث التي تحث على الصدقة وإعانة الفقراء والمساكين ولهذا قال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- :«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ..»

وجاء هذا النص- في صحيح مسلم- بعد خطبته – صلى الله عليه وآله وسلم- والتي فيها حثهم على الصدقة وذلك لما رأي أولئك القوم الحفاة العراة … وبعد خطبته – صلى الله عليه وآله وسلم- قال:- راوي الحديث- فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها .. ثم تتابع الناس حتى رأيت كَومَين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- يتهلل كأنه مُذهبة فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- :«من سن في الإسلام … الحديث »

فهكذا كل من سن أي أنشأ طريقة حسنة مثل ذلك الرجل الأنصاري أو اتخذ طريقة مُثلى فيها نفع للناس وتكون مندرجة تحت أي أمر عمومي من الشارع فإنه يؤجر فاعلها وله أجر عاملها ولا حظ جاءت اللفظة نكرة(سنة) وذلك لتشمل كل طريقة خيريه سواء طريقة ذلك الرجل في أسلوبه في الصدقة أو غيره في أي أمر ما (في الصدقة أو غيرها ) وسواء كانت حسية أو معنوية.

كذلك جاءت الآيات والأحاديث تحثنا وتأمرنا بمحبة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- وتعظيمه وتوقيره واحترامه ولكن لم تأتِ كيفية مخصوصة أو أسلوب محدد يبين لنا كيفية تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- فبإمكان المكلف أن يختار ما شاء من المصاديق التي تنطبق عليها تلك العناوين ولا يكون ذلك بدعة ولا إدخالاً لما ليس من الدين في الدين . فيمكن تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- بإقامة الذكريات له والتي منها الاحتفال بيوم مولده – صلى الله عليه وآله وسلم- ويمكن تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- بالكتابة والتأليف عن شمائله الحميدة وصفاته المجيدة ٬ويمكن تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- بالإكثار من الصلاة عليه ليلاً ونهاراً ٬ويمكن تعظيمه بالتكلم عن حقائقه العظيمة ومعارفه الفخيمة وبغير ذلك من مصاديق التعظيم والتبجيل هذا ومن يحضر الاحتفالات النبوية لسوف يجد فيها أنواع التعظيم والتبجيل له – صلى الله عليه وآله وسلم- لأن الموالد التي تقام في زوايا الصوفية أو في الأربطة الدينية أو في المساجد أو في أي مجلس من مجالس العلم هي عبارة عن اجتماع على مجموعة رحمات وبركات ٬وخيرات ومبرات وذلك لأن ليلة المولد الشريف تشتمل على :تلاوة آيات من القرآن الكريم«كسورتي ياسين وتبارك» ثم محاضرات حول عظمة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وكيفية التفاني في محبته

كما أنها تشتمل على ذكر محاسن سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- الخَلقْية والخُلُقية – وعلى الصلوات والتسليمات على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- ٬كما وأنها تشتمل على القصائد والمدائح النبوية المحببة إلى سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- والتي تجذب القلوب وتقربها إلى حضرة علاَّم الغيوب كما وأنها تشتمل على الدعوات والابتهالات إلى الله تعالى …- أيضاً- وتشتمل على قصة المولد الشريف والذي كله يحكي عن إكرام الله تعالى وعنايته برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وكيف تولاه الله وحفظه…

إن كل واحدة من المشتملات٬ هي مشروعة مطلوبة ٬وقربة محبوبة٬ حث الشارع عليها ورغب في أجرها وفضلها ..

فبالله عليك أين البدعة أو الشرك في هذا كما يزعم التكفيريون ؟!

لقد جندوا أنفسهم كما في خطبهم وكتبهم ومناشيرهم وو…في محاربة الذين يحتفلون بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- ويكيلون لهم أنواعاً من السب والشتم والتكفير والتبديع٬ وكأن الاحتفال بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- أصبح جريمة كبرى ورزية عظمى ومنكراً لا يُسْكتُ عليه وكأنه لم يبقَ فساد في الأرض إلا إقامة الموالد فإن لله وإن إليه راجعون ..

هذا وما كنت لأُضِيع ساعة من عمري للكتابة في مثل هذا الموضوع وذلك لأن لزوم احترامه وتعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم- أظهر من الشمس٬ وأبين من الأمس..

ولأن الفطرة والإنسانية تأمرنا بمحبة واحترام كل من أحسن إلينا أو أسدى إلينا معروفا فكيف بمن أنقذنا الله به من الجحيم٬ وجاءنا بالقرآن الكريم ٬ وأخرجنا من الضلالة٬ ودلنا على طريق الهداية ألا وهو السيد الأكرم والحبيب الأعظم سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- .

فعذراً يا سيدي يا رسول الله من أمتك هذه التي مازالت مختلفة في احترامك وتعظيمك٬ ومرتابة في تنزيهك وتكريمك…( لقد قدست السابقين من العلماء و المحدثين ولم تقدسك وأنت حبيب رب العالمين)… لم تبكِ عليك بكاء يشفيها ولم تتفانَ فيك فناءً يبقيها٬ فأغثها يا سيدي من تقليدها الأعمى٬ وارفعها إلى المقام الأسمى٬ فعساها تنظر إليك بنظرة القرآن الكريم الذي قال فيك:[وإنك لعلى خلق عظيم] فنظرة منك تحييها ٬ وقطرة من حُميَّا كأسك ترويها.

صلاة الله وسلامه عليك وعلى آلك الكرام ومن سار على نهجك كما يرام .

🔅من ارشيف 2009م اختصرناه

#المركز_الاعلامي_لملتقى_التصوف

ⓣ.me/islamsofi

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى