مقالات

انتخاب الامام

تعدّ الطريقة التي يتمّ فيها انتخاب الإمام من أقدم المسائل التي أثارت جدلا ً في الأوساط الإسلامية، و هي المسألة التي انشعب عندها الصرح الإسلامي الى فرقتين شيعة و سنّة.

فالعقيدة الإمامية تري ان مسألة الأمامة غاية في الحساسية و الأهمية و انّه ليس من حق الإرادة البشرية التدخّل في ذلک؛ وأن الله عزوجل هو وحده له الحقّ في انتخاب الامام من خلال رسوله (صلي الله عليه و اله و سلم).

وان من صفات الامام العصمة عن الذنب و الخطأ والنسيان و الغفلة وکلّ مايعتور التفکير والسلوک البشري من شوائب.
ومن صفاته ان يکون عالما ً بالشريعة علما ً شموليا ً محيطا ً بأحکامها و دقائقها، و قد بحثنا ذلک فيما مضي.
وفي ضوء العقيدة الإمامية يکون انتخاب الامام حقّا ً لمن کان عالما ً عين العلم و ليس أحدسوي الله عزوجل، لأنّه وحده الذي يعرف الأعماق و هو وحده علام الغيوب محيط بما خلق.
فمن أين للناس ذلک العلم الذي يحيط بسريرة الإمام و يعرف منزلته المشامخة؛ الناس لايرون سوي ظاهر من القول و الفعل و ما أکثر الذين يظهرون بوجه لمّاع برّاق ظاهره الصلاح و باطنه من قبله الفساد.
و ما أکثر المتقدّسين الذين اذا رأيتهم حسبتهم ملائکة و لکّنهم ينطووئ علي نفوس أين منها الشياطين! يتذرعون بالزهد ويتوسلون بالدين من أجل تحقيق أهدافهم و مآربهم.
واذن فاننا أمام ثلاث طرق يتمّ بموجبها معرفة الإمام:

  • اختياره من لدن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) لأنّه علي ارتباط بالغيب و لاينطق عن الهوي إن هو إلّا وحي يوحي.
  • أو من ثبتت إمامته من قبل فيختار الإمام الذي يليه.
  • أو الإتيان بمعجزة و عمل خارق من شأنه إثبات إمامته و عصمته.

أما آراء أهل السنّة في انتخاب الخليفة فهي تجعل ذلک حقّاً للاُمّة اضافة الي طرق اخري 1.
الإجتماع: و هي إحدي الطرق التي يتم من خلالها تعيين و انتخاب فرد ما للخلافة و يکون الخليفة واجب الطاعة و دليلهم في ذلک ماحصل بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فقد اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة و اتجهت الأبصار الي أبي بکر فرأوه أصلح الصحابة للخلافة فبايعوه، و إذن فإجماع الصحابة يضفي الشرعية على انتخاب فرد ما.
وهنايرد إشکال حول مسألة الإجتماع لأن منطق الحقائق يقول ان المسلمين لم يجمعوا علي بيعة أبي بکر وانتخابه للخلافة، فهناک فريق من الصحابة ناهض البيعة وامتنع عن المبايعة؛ وإذن فالإجماع منتف هنا.
و يفرّ البعض من مواجهة هذا الإشکال من خلال القول بأنّه لاضرورة لحضور المسلمين جميعاً ًمن أجل حصول الإجماع، بل ان أهل الحلّ و العقد خبراء في ذلک ينوبون المسلمين في هذه المهمة، و لقد حصل ذلک في بيعة أبي بکر.
وتمادي آخرون بقولهم لو أن شخصا واحدا ً من أولئک بايع فردا ً للخلافة توجب علي الجميع الإقتداء به، لأن عمر لما بايع أبابکر بايع سائر المسلمين اقتداء ًبه.
ويعترض الشيعة الإمامية علي الطريقة التي تمّ من خلالها انتخاب أبي بکر للخلافة وانّها تفتقد الي الشرعية للأسباب التالية:
أولاً: ضرورة توفّر العصمة في الإمام إذ يتوجب علي الامام أن يکون معصوما ً من الخطأ منزها ً عن الذنب، عالما ً بالشريعة محيطا ً بأحکامها، واذن فاختيار مثل هکذا فرد لا يتمّ إلّا ممن هو عالم بظاهره و باطنه و هو الله عزوجل و ان لا دخل للامة في مسألة الاختيار و ان الذي يصطفي للرسالة يصطفي للإمامة.
ثانياً: ان طريقة انتخاب أبي بکر لا تترجم حالة الإجماع أبداً و لا تعبّر عن إرادة عامة للمسلمين، فلقد اقتصر اجتماع السقيفة علي أفراد معدودين، إضافة الي ما رافقه من ملابسات عديدة؛ حتي لقد فوجيء فريق کبير من الصحابة بنتائج الاجتماع، بل و امتنع بعض من شارک في مداولات الاجتماع عن البيعة.
و إذن فهناک قطّاع هام من الصحابة رفض البيعة لأبي بکر و في طليعتهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، العباس بن عبد المطلب، سلمان الفارسي، المقداد، أبوذر الغفاري، عبدالله بن عباس، سعدبن عبادة، أبوسفيان، الحباب بن المنذر، الزبير، الفضل بن عباس، قيس بن أسعد، اسامة بن زيد، خالد بن سعيد، بريدة الأسلمي، عمار بن ياسر، خزيمة بن ثابت، أبو أيوب الأنصاري، عمرو بن سعيد، عبدالله بن مسعود، عثمان بن حنيف، أبّي بن کعب و آخرون؛ فأين هو الإجماع يا تري؟
ثالثاً: ان إجماعا ً کهذا لا يهض کدليل لي حجّيته، لأن بيعة فرد واحد أو أکثر لا يلزم الآخرين بالبيعة؟ فما هو وجه الإلزام عند بيعة أهل الحل و العقد لغيرهم؟ وما هو موقفهم غير التسليم مضطرين.
يقول بعضهم بشرعية هذا الطريق وصحّة الطريقة لأن الخليفة الأوّل تم انتخابه بها؛ وهذا استدلال علي شرعية الطريقة من خلال ما وقع لا صحّة ما وقع من خلال شرعية الطريقة. ما هو الدليل يا تري علي حجّية هکذا إجماع؟! و کيف يمکن الاستدلال علي حجية موقف عدّة من الصحابة غيرالمعصومين علي غيرهم؟!
رابعاً: ان التأمل في سيرة سيّدنا محمّد (صلى الله عليه و آله و سلم) يکشف عن حرص الرسول البالغ و اهتمامه الفائق بأمن الدولة الإسلامية و مستقبل المجتمع الإسلامي و سلامة الإسلام؛ فلقد کان صلوات الله عليه و کلّما فتحت مدينة جعل عليها والياً لإدارتها، فإذا أرسل سرّية أو دورية عيّن قائدا ً أو قادة علي التعاقب تحسّباً لاستشهاد القائد، فإذا غادر المدينة عيّن حاکما ً عليها لحين عودته، فکيف به يترک امته و دولته الفتية دون خليفة؟؟ وکيف لنا ان نتصور سيّدنا محمّداً (صلى الله عليه و آله و سلم) مع حکمته السياسية وسيرته المضيئة المشرقة يترك الاُمّة في مهب العاصفة دون خليفة يقودها عبر المنعطفات الحادة الدقيقة؟!
أتکون عائشة أکثر إدراکا ً من سيّدنا محمّد (صلى الله عليه و آله و سلم) عندما تخاطب والدها في اخريات خلافته قائلة: لا تدع اُمّة محمّد بلا راع؟!
ولوکان الأمر موکولا ً للاُمّة أفلا يتوجب علي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الذي بيّن دقائق الشريعة و تفاصيلها آن يوضّح ذلک حتي لا تحدث فرقة و اختلاف بين المسلمين؟!

الشورى

وهو الطريق الثاني لدي أهل السنة في شرعية انتخاب الخليفة حيث يجتمع کبار الزعماء والخبراء لترشيح فرد للخلافة ويستشهدون في ذلک علي الطريقة التي اُنتخب فيها عثمان للخلافة فقد جعل عمر الخلافة في سنة نفر لينتخبوا من بينهم خليفة و هم علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان و سعد بن أبي و قاص و عبد الرحمن بن عوف و الزبير بن العوام و طلحة.
وقال للمقدادبن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيتي حتي يختاروا رجلاً.
وقال لأبي طلحة الأنصاري: اختر خمسين رجلا ً من الأنصار واستحث هؤلاء الرهط حتي يختاروا رجلا ً.
وقال لصهيب: صلّ بالناس ثلاثة أيام و أدخل هؤلاء الرهط بيتاً وقم علي رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة و أبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف و ان اتفق أربعة و أبي اثنان فاضرب رأسيهما، و ان رضي ثلاثة رجلاً و ثلاثة رجلا ً فحکّموا  عبدالله بن عمر، فإن لم يرضوا بحکم عبدالله بن عمر فکونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف و اقتلوا الباقين2.
وبهذه الطريقة بم انتخاب الخليفة الثالث!!
ويعترض الشيعة اإمامية أيضا ً علي شرعية هذه الطريقة و يستندون في ذلک الي جهل أمثال طلحة و الزبير وسعدبن أبي و قاص انتخاب الخليفة الحقّ الذي يتمتع بمواصفات الامام التي مرّ ذکرها في بحوث سابقة.
وإذا کانت مسألة تعيين الخليفة حقا ً لجميع المسلمين، فکيف يخول عمر لنفسه الحق في ترشيح ستة أشخاص للخلافة و يحرم الآخرين، و کيف يصح حصر القرار في ستة أفراد في مسألة مصيرية مثل الخلافة؟!
انّهم يتمسکون بالآية الکريمة﴿ … وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ … ﴾ 3، و لکن الآية تشمل المؤمنين جميعاً ًوتسمهم بهذا الميسم العام فلاتنحصر في ستة نفر، و إذا کانت الآية تدلّ على الشورى والاستشارة فلماذا لم يستشر عمر أحدا ً عندما شکل ذلک المجلس؟ ولماذا لم يستشر أبوبکر أحداً ًعندما استخلف عمر؟!

الاستخلاف

هي الطريقة الثالثة في تعيين الخليفة لدي أهل السنة و يستمدّون شرعيتها من استخلاف أبي بکر لعمر، إذا لم يتعرض من المسلمين أحد علي هذه الخطوة و يتعرض الامامية علي هذه الطريقة بقولهم انّه لا حق لغير المعصوم في انتخال الخليفة، و إلا فما هو امتيازه عن الآخرين ليکون له الحقّ في تقرير مصير الخلافة؟! إضافة الى ان التاريخ سجّل اعتراض بعض الصحابة على موقف أبي بکر وامتعاضهم عن استخلافه لعمر.
و في کل الأحوال يستمد أهل السنة نظرياتهم من خلال ما قام به بعض الصحابة في صدر الاسلام في معالجة موضوع الخلافة.

تخرصات مغرضة

کتب أحدهم قائلاً: ان المؤسسة الشيعية تصرّ علي ان انتخاب الخليفة يتمّ من قبل الله، و نحن نسأل هنا: ماهو الدليل علي هذا؟ ان القرآن هو کتاب الاسلام، فهل هناک آية تشير إلي ذلک؟ بالطبع لا توجد آية و توجد بدل کتاب مواقف زعماء الإسلام الذين اجتمعوا بعد وفاة رجل العرب فانتخبوا أبا بکر للخلافة ليأتي عمر بعد وفاته ثم بعقبه عثمان و بعد قتل عثمان جاء علي أليس في هذا دليل على ضعف رأيهم (العقيدة الامامية).
يدعي الملالي: ان الخليفة يجب أن يکون معصوما ً عن الذنب أعلم الناس و أعلاهم شأناً، و تحديد هذا يکون من قِبل الله.اننا نتساءل: من أين لکم بأن رأيکم حق، ولو کان حقّاً ًما تقولون لقامه مؤسس الإسلام لا ما تنسجه أحلامکم»4.
اننا نحيل القراء الکرام علي بحوثنا السابقة ليکتشفوا بأنفسهم تفاهة هذه التخرصات المغرضة، بعد أن يتأملوا في الخليفة القرآنية لمسألة الإمامة و حساسيتها.
ان الکاتب يتبجح فيتمشدق بعدم وجود آية في القرآن حول آراء الامامية في هذا المضمار.
ولکن لايخقي علي کلّ ذي علم بأن القرآن الکريم ينفرّد باسلوب خاص يطرح فيه عموميات المسائل و القضايا فهناك حشد من العبادات و القضايا و الأخلاقية و المعاملات لم ترد لها تفاصيل في القرآن و تکفلت السنّة بتوضيحها وبيانها، و لايمکن الاکتفاء بالقرآن الکريم في معرفة الشريعة و إلّا أضحي لها شکل آخر.
ولو تضمن القرآن موضوع الامامة بشکل سافر لأصبح عرضة لغارات لمغيرين و لأصبح في مهبّ عواصف التحريف و لتربص له الذين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عندما أراد ان يکتب لهم کتاباً لن يضلوا بعده انّه ليهجر فنسيوا الهذيان لسيّد ولد آدم وهو الذي قال الله عزوجل عنه:﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ 5
ولهمّ به الذين قالوا في سعدبن عبادة: اقتلوا سعدا ً قتله الله. فکيف يسکت هؤلاء عن القرآن وهم يرون بعض آياته تصدح بإمامة من لا يريدون و تهدد في کلّ لحظة زعاماتهم و نفوذهم بالزوال؟ ألن يقولوا بعد حذفها يکفينا هذا القسم من القرآن لا حاجة لنا بالباقي ولقد قال أحدهم في مناسبة مشابهة: حسبنا کتاب الله6. من أجل هذا وغيره لم ترد تفاصيل عن هذا الموضوع بشکل صريح في کتاب الله.7.

  • 1. يستلهم أهل السنة مجمل آرائهم من خلال اضفاء  الشرعية الکاملة علي کلّ الحوادث التي أعقبت و فاة النبي (ص) والطريقة التي حسمت بموجبها مسألة الخلافة بالرغم من حدّة التناقضات التي حصلت فيها – المترجم..
  • 2. الکامل في التاريخ: ج3ص66- 67.
  • 3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 38، الصفحة: 487.
  • 4. «داوري» – أحمد کسروي ص21- 22.
  • 5. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 3 و 4، الصفحة: 526.
  • 6. شرح ابن أبي الحديد: ج2ص25.
  • 7. الموقع الرسمي لسماحة آية الله ابراهيم الأميني.
  • المصدر: مركز الإشعاع الإسلامي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى