مقالات

تنزيه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم عما ذهب إليه المفسرون لآية التحريم

(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)
وكيف يُدرِكُ في الدنيا حقيقته ، قومٌ نيامٌ تسلُّوا عَنهُ بالحُلُم .
تنزيه النبي الكريم عما ذهب إليه المفسرون لآية التحريم .
▪عدنان الجنيد
ذهب بعض المفسرين(1)
عند تفسيره للآية :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[التحريم : 1] إلى القول : ” إن هذه زلة منه – صلى الله عليه وآله وسلم – لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله ، لأن الله عز وجل إنما أحل ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله ، فإذا حرم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة ” إهـ .
وبقية المفسرين(2) يرون أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – تعرض بفعله ذلك إلى لوم الله وإنكاره عليه وعتابه إياه ، معتمدين بذلك على روايات أسباب النزول..
وبهذا أخذ أعداء الإسلام يطعنون في جناب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنه يحرم ما أحله الله ، وأن أفعاله مناقضة للتشريع ، ويهدفون بكل هذا إلى التشكيك بالتشريع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..
قلت : إن روايات أسباب النزول – المذكورة آنفا – ليس فيها أي دليل على أن الله تعالى أنكر على نبيه ، فضلاً عن أنه شرع لنفسه الحرمة فيما شرع الله له فيه الحليَّة.
وإليك روايات أسباب النزول التي اعتمد عليها المفسرون في تفسيرهم (3)للآية :
“اختلفوا في سبب نزول صدر هذه السورة ، فقيل نزلت في شأن مارية وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد حرمها ، فنزل قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك…) الآية
روى أبو عبدالرحمن النسائي بسنده عن ثابت عن أنس ، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كانت له أمَة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها، فأنزل الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ..) إلى آخر الآية..
وروى ابن جرير – بسنده – أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه – وهي بيت حفصة – فقالت : أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي؟ فجعلها عليه حراماً – إلى قوله – فأنزل الله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم…)الآية..
وعن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) في المرأة التي وهبت نفسها للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم..

  • وبعد هذه الروايات التي ذكرها ابن كثير قال : إن الصحيح كان في تحريمه العسل ،كما قال البخاري(4) – بسنده – عن عائشة قالت :كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير(5) إني أجد منك ريح مغافير ، فلما قلنا له ذلك
    ، قال: “لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا” (تبتغي مرضاة أزواجك)..
    وذكر مسلم (6) في روايته بأن التي شرب عندها العسل هي حفصة ،وأن المتظاهرات هن عائشة وسودة وصفية ، ونحن هنا ذكرنا مضمون رواية مسلم ولم نذكرها كاملة لطولها..
    فلاحظ هنا في تناقض الروايات:
    -فالروايات السابقة تقول : إن الذي حرمه رسول الله على نفسه إنما هو أمَتهُ مارية..
    -بينما الروايات التي بعدها تقول : إن الذي حرمه رسول الله على نفسه إنما هو العسل..
    ثم تناقضت الروايات في بيت من شرب العسل !!
    -فرواية تقول في بيت زينب بنت جحش -ورواية أخرى تقول في بيت حفصة..
    ثم – أيضا – تتناقض الروايات في المتظاهرات ، فرواية تقول هما حفصة وعائشة ، ورواية أخرى تقول هن عائشة وسودة وحفصة..
    وكذلك التناقض في أسباب نزول آية التحريم، فهناك رواية تقول :نزلت في المرأة التي وهبت نفسها للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وروايات أخرى تقول : في عائشة وحفصة..
    إذاً هذا التناقض والخبط يدل على ضعف الروايات وعدم الاعتماد عليها في تفسير آيات التحريم..
    لكن لو نظرنا لآيات صدر سورة التحريم دون الاعتماد على أسباب النزول، لوجدنا أنها تدل على أن اللاتي تظاهرن عليه هما اثنتان ،وذلك لقوله تعالى (وإن تظاهرا عليه ) ، جاءت اللفظة بالتثنية ، ويعضده رواية ابن عباس التي أخرجها الشيخان(7) ، واتفق عليها المفسرون وهي : أن ابن عباس سأل عمر عن المرأتين اللتين قال الله – تعالى – فيهما : ( إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )
    فقال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس : هما حفصة وعائشة..’
    وعلى كل حال فجميع روايات أسباب نزول آية التحريم ليس فيها أي دليل إلى ماذهب إليه المفسرون في نسبتهم العتاب أو الخطأ والزلة لرسول الله – صلى عليه وآله وسلم – أو أنه حرم – التحريم الشرعي – ماأحله الله، كما فهم ذلك الزمخشري..
    بل هي تذكر أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وطئ أمَتَهُ في بيت حفصة ، أو شرب العسل في بيت زينب بنت جحش ، فعلمن أزواجه فعاتبنه ، فأرضاهن بالامتناع عن أمته ، أو عن شرب العسل ، فنزلت صدر سورة التحريم التي فيها المعاتبة الشديدة لأزواجه – ناهيك عن تهديده لهن – كما سيأتي توضيح ذلك – فأين العتاب والإنكار على رسول الله ؟!..
    إن الآية :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ …)
    ليس فيها عتاب ، ولا كانت منه – صلى الله عليه وآله وسلم – زلة -كما قال الزمخشري – ولم يحرم ما أحل الله،
    بل فيها تعظيم لجنابه – صلى الله عليه وآله وسلم – ومزيد عنايته تعالى به ..
  • بيان معنى قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
    قبل أن نبين معنى هذه الآية
    لابد من تمهيد حتى يتجلى لك فهم هذه الآية الكريمة
    فأقول :
    إن من يمعن النظر في آيات القرآن الكريم فسوف يجد أن فيه آيات كريمات فيها إشارات عظيمة ودلالات فخيمة على رعاية الله وعنايته الخاصة بنبيه – صلى الله عليه وآله وسلم -والتي تدل على مكانته وقربه من ربه..
    ولقد بلغت مراعاة الحق وعنايته بنبيه ورأفته له حتى في أموره البيتيه ، لاحظ في سورة الأحزاب في قوله :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)[الأحزاب : 28] لما رأى الحق جل وعلا مايتعرض نبيه من أذية أزواجه له بالمطالبة سواء بالنفقات أو بالتوسع بأمور الدنيا،
    أمره الله -تعالى -أن يخيرهن بالعيش معه والصبر ، أو بالمفارقة إن كن يردن التوسع بالحياة الدنيا..
    فانظر إلى هذه المراعاة الإلهية لنبيه ومصطفاه ، فهو – تعالى – لايريد أن يُمس نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – بأدنى شيء من أذية أو مضايقة..
    ولاحظ – أيضا – قوله تعالى :
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ…)[الأحزاب : 53] كيف يأمر الله تعالى المؤمنين بأن لايدخلوا بيوت النبي إلا بالإذن لهم بالدخول إذا مادعوا لحضور طعام يتناولونه..
    فالنهى فى الآية الكريمة مخصوص بالذين يدخلون بيوت النبي من غير دعوة ،وكذلك الذين يدخلون بدعوة لكنهم يظلون منتظرين للطعام حتى ينضج ودون حاجة للانتظار،
    لأن ذلك كان يؤذي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو لكمال أخلاقه يستحي أن يصرّح لهم بذلك..
    فهكذا الحق يغار على حبيبه الأكرم ويراعيه حتى في خواطره صلوات الله عليه وآله.
    وهكذا تجد في كثير من الآيات كيف راعى الحق حبيبه وأمر عباده بالتأدب معه وعدم مؤاذاته أو إغضابه كما في سورة الحجرات وغيرها
    إذا فهمت ذلك سوف تفهم المراعاة الإلهية والرأفة الربانية التي تجلت بها آية التحريم ( ياايها النبي لما تحرم مااحل الله لك…)
    وذلك أن بعض أزواجه ضيقن عليه فعاتبته لأنه وطئ أمَته مارية في بيتها فلما رأى غيرتها وأن ذلك يشق عليها أراد أن يرضيها فحرم على نفسه أمَتَه بأن سيمتنع عن وطئها، أو على شرب العسل – كما في الرواية الأخرى – من أجل إرضائها
    وبهذا يكون شق على نفسه ومنعها من المباح فغار الحق عليه من أن يصاب بأي مشقة على نفسه فأنزل الآية تنبيها له – صلى الله عليه وآله وسلم –
    (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

ابتدأت الآية بمناداته بلفظ ” النبى ” وذلك تشريفا وتعظيما لمكانته لديه وإشعارا بأنه الذى نُبئَ بأسرار التحليل والتحريم الإلهى ،
فلا يعقل أن يبدأ الله بتعظيمه وتشريفه ثم يأتي بما فيه انكار إو لوم عليه بل ماسيأتي بعد هذا التشريف والتعظيم ما يدل على مكانته ومزيد عناية الله به وغيرته عليه
(لما تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)
سؤال عن العلة..
لما تمنع نفسك وتشق عليها مما أباحه الله لك
والمراد بتحريمه ما أحل الله له ، امتناعه منه ، وحظره إياه على نفسه….
وليس المراد من التحريم هنا التحريم الشرعي لأنه يستحيل عليه – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يحرم شيئا – بمعنى التحريم الشرعي – أحله الله ولكنه شدد على نفسه من أجل إرضاء أزواجه..
” لأن من اعتقد هذا التحريم هو تحريم ماأحله الله بعينه فقد كفر فكيف يضاف إلى رسول الله مثل هذا “(8)

( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك)َ
استفهام كأنه يقول أفعلت ذلك إبتغاء مرضاتك !!
وفعله ذلك لكمال اخلاقه وحسن معاشرته
وهذ – ايضا – عذر له – صلى الله عليه وسلم – فيما فعله فهو لسمو اخلاقه وشدة حيائه وعظمة رحمته امتنع عن المباح كي يرضي بعض ازواجه امتثالا لقول ربه (وعاشروهن بالمعروف ) وغيرها من الآيات التي تأمرنا بحسن معاشرة الازواج والاحسان إليهن وجبر خواطرهن..
لكن الحق جل وعلا رأفة بنبيه واكراما لحبيبه لا يريد منه أن يشق على نفسه ويمتنع عن شيئ فيه متعة له ولأن الأولى هن اللواتي يجب عليهن أن يسعين في مرضاته..
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) عفا عنك بمشقتك على نفسك الدالة على كمال أخلاقك ، فهو رحيم بك ، وغيور عليك

  • أمور هامة تؤكد صحة ماذهبنا إليه من معنى آية التحريم :
    أولاً :
    إن الله تعالى ما خاطبه بلفظ النبوة الدال على التشريف والتعظيم إلا لأمر سيذكره عنه يدل على سمو أخلاقه وشدة حيائه في إرضاء أزواجه ، حيث منع نفسه عن مباح ، ومعلوم أن الامتناع عن أي شيء مباح دون الاعتقاد بحرمته شرعاً لايعد ذنباً ولا خطأً، بل يحمد عليه ، سيما إذا كان الامتناع رياضةً للنفس ، أو زهداً ، أو لأمر آخر فيه رضاء الله ..
    ونحن نعلم أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد ترك بعض المباحات زهداً ، وكذلك من بعده الأئمة من آل البيت – عليهم السلام – والأولياء والصالحون منعوا عن أنفسهم الكثير من المباحات ، وكان ذلك كمالاً في حقهم …
    ثانياً :إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لمّا وطئ أمَتَهُ مارية في بيت حفصة ، وعلمت حفصة وشق عليها ذلك، أراد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يرضيها امتثالاً لقوله تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )[النساء : 19]،
    فأخبرها أنه سيمتنع عن وطء أمَتِهِ إرضاءً لها ، ثم أمرها بكتمان الخبر ، لكنها أفشت سره – صلى الله عليه وآله وسلم – هذا مع أنه ليس واجباً عليه أن يرضيها ، فله أن يطأ أمّتَهُ في أي بيت من بيوت أزواجه ، فالكل بيوته – صلى الله عليه وآله وسلم – ولكنه – صلى الله عليه وآله وسلم – كامل في أخلاقه ، وفي معاشرته ومداراته لأزواجه .
    ثالثاً: ليس صحيحاً قولهم : إن آية التحريم فيها عتاب وإنكار له – صلى الله عليه وآله وسلم – فضلاً عن وقوعه في الخطأ أو في زلة ، لأن آية التحريم ابتدأت بندائه بالتشريف والتعظيم ، وهذا ينافي وجود معاتبة أو وقوعه – صلى الله عليه وآله وسلم – في خطأ،
    لأنه لايعقل أن الحق -سبحانه وتعالى- يناديه بلفظ التشريف والإجلال والتعظيم ، ثم يعاتبه وينكر عليه!!..
    رابعاً: إن آيات صدر سورة التحريم تشير إلى أن هناك أمراً حدث في بيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وبسبب هذا الحدث قمن بعض نسائه بمعاتبته، وتظاهرن عليه ، ولم يخبرنا الله عز وجل عمَّا هو الشيء الذي حرمه على نفسه من أجل إرضائهن ، ولا عن الشيء الذي أسرَّه إلى بعض أزواجه ..
    وكل المفسرين اعتمدوا على روايات أسباب النزول التي ذكرت ما حرمه النبي على نفسه …..
    وإذا كان هذا الحدث هو سر خاص وأفشت بعض أزواجه سره – صلى الله عليه وآله وسلم – ونزلت الآيات فيها إنكاراً على بعض أزواجه اللواتي أفشين السر ، وفيها مافيها من التشديد والتهديد بفعلهن ذلك ، فكان الأولى بالرواة والمفسرين ألَّا يكونوا ممن يزيد في نشر هذا السر أدباً مع الله ومع رسوله الكريم ، ونحن ماذكرنا رواياتهم التي ذكروها في أسباب نزول الآية إلا لكي نثبت أنها عليهم لا لهم .
    خامساً: إن العتاب – في الحقيقة- متوجه إلى بعض أزواجه ، ويؤيده قوله خطاباً لهما : (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ …)[التحريم : 4] لأنهن أفشين سره ، فقد قال تعالى :
    (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا….)[التحريم : 3] والمراد ببعض أزواجه : حفصة – رضى الله عنها -أسرها النبي بحديث وأمرها بكتمانه ،لكنها أفشت الحديث وأشاعته (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) أي أخبرت به عائشة،
    لكن الله – تعالى – أطلع نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – على ما أشاعته حفصة من إفشاء سره.(وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)
    فلما أشاعت حفصة ما أسرها به ، اغتمَّ – صلى الله عليه وآله وسلم – وتأذى من ذلك
    ولهذا هددهن الله بأنواع التهديدات لأنهما أفشتا سره وتظاهرتا عليه وآذتاه بذلك..
  • التهديد الإول :
    قوله(إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)
    أمرهما بالتوبة – وهما عائشة وحفصة –
    لأن قلبيهما مالا عن مايجب عليهما تجاه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –
    من كتمان سره ، وتوفير الراحة له ، وعدم إزعاجه بأي شيء يحزنه أو يغمه أو يؤذيه..
    وأما إن أصرتا على التعاون في إيذائه وعدم مراعاة الأدب معه وحفظ سره:
    (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)
    قال بعض العلماء : “وفى هذه الآية الكريمة أقوى ألوان النصر والتأييد للرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وأسمى ما يتصوره الإنسان من تكريم الله – تعالى – لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ..ومن غيرته – عز وجل – عليه ، ومن دفاعه عنه صلى الله عليه وآله وسلم..
    وفيها تعريض بأن من يحاول إغضاب الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – فإنه لا يكون من صالح المؤمنين “
  • التهديد الثاني :
    قوله تعالى (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)
    وفي هذه الآية تحذير للزوجتين ، فقد خوفهما الحق بحالة تشق على النساء غاية المشقة، وهو الطلاق، الذي هو أكبر شيء عليهن، والاستبدال بمن هن خير منهما…
  • التهديد الثالث : وهو تعريض لزوجي النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قوله تعالى :
    (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ
    ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)
    فكما أن زوجتي نبيّي الله نوح ولوط بسبب خيانتهما بإفشاء سر زوجيهما ،لم ينفعهما ارتباطهما واتصالهما بأنبياء الله، ولم يَدْفَعا ولم يمْنعاهما من الله شيء وكان مصيرهما النار..
    وكذلك أنتما إذا استمريتما بإيذائه وإغضابه وإفشاء سره ولم تتوبا من فعلكما ذلك، فسوف يكون النار هو مصيركما..
    إذاً مما سبق اتضح وتبين لكل ذي لب وإنصاف أن آيات صدر سورة التحريم نزلت عتاباً شديداً لبعض أزواج رسول الله ، وأما آية التحريم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ..) إنما هي تعظيم له – صلى الله عليه وآله وسلم – وإظهار لمزيد عناية الله ورأفته ولطفه بحبيبه صلوات الله عليه وآله…
    ……………….
    الهامش
  • (1) هذا ماقاله الزمخشري في كشافه [564/4] بنصه وفصه…
  • (2) انظر أي تفسير شئت
  • (3) انظر – على سبيل المثال – تفسير ابن كثير [4 / 387-389] فقد نقلنا عنه روايات أسباب النزول وتصرفنا في اختصارها ، وانظر بقية التفاسير فقد ذكروا أسباب نزول الآية
  • (4)أخرجه البخاري في صحيحه برقم (4628) – كتاب التفسير – سورة الطلاق
  • (5) هو صمغ حلو له رائحة كريهة
  • (6) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (3752) – كتاب الطلاق – باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق
  • (7) البخاري في صحيحه برقم (4895) – كتاب النكاح – باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها ، ومسلم في صحيحه برقم (3768)- كتاب الطلاق – باب الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن
  • (8) ذكره الرازي في تفسيره الكبير [ المجلد العاشر ص 569] الطبعة الثالثة

المركزالاعلامي لملتقى التصوف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى