مقالات

تحالف مع نفسك اللوامة لتهزم نفسك الأمارة بالسوء

  كنت تقف شامخاً على أرضٍ مستقرة, مطمئناً بدينك واثقاً من نفسك متسلحاً بقدراتك و مواهبك موقناً بأنك أنت الثابت الذي لا تهزه ريح و لا تميله عواصف. وها أنت الآن تسير نحو هاويةٍ مجهولةِ القرار, يقتادك شيءٌ لا تدرك ماهيته, لكنك تدري أنه غيّب عقلك و سلب تفكيرك و استعبد روحك. يصور لك غباؤك المغرور و غرورك الغبي بأنك تسعى نحو جنتك, و ما هو إلا زيفٌ و دخان ينقشع بفناء تلك اللحظات الكاذبة. يتغلب عليك شعورٌ بأن ذلك الشيء أقوى من أن تتحداه. يقودك  لتتمرغ في تراب الذل و تنغمس منكسراً في وحل المهانة. يرديك إلى الهاوية فينطلق من أسفلها خُطافٌ يدنيك إلى أذرعةٍ أخطبوطية تعتصر روحَك, تحاول الافلات من حفرة الهلاك تلك مستغيثاً بأصحابك و تلك اليد التي اقتادتك و لا مجيب, فكيف ينقذك من أرداك في أسفل سافلين. و فجأة يتجدد الأمل بذلك الصوت الذي يناديك “ارجع معي فهناك من ينتظرك ولا تطع أمر من غيب عقلك”. يمد يديه فينتشلك من تلك الهاوية و يخلصك من ذلك الخُطاف و تلك الأذرع. 

تلتفت فترى بجانبك وجهاً معاتباً لا تميز رضاه من غضبه, ولكنه يربت على كتفك و يأخذ بيمينك قائلاً: “هلم معي فأنا من ناداك لينتشلك”. ثم تلتفت خلفك فترى وجهًا مبتسمًا و ذراعين يمتدان نحوك و لسان حالهما يقول: “تعالَ فأنا أنتظرك”. و على حين غرة يجذبك ثالثٌ تعلو محياه ابتسامة الماكرين. تنزع يديك ثم تصمتُ و تسألهم من أنتم؟ فيجيبوك نحن الثلاثة أنت. تتعجب, فيبادرك الأول بالقول أنا نفسك اللوامة فلا تعجب إنْ اختلط في ناظريك الرضى و الغضب فذلك عتب المحب و أما ذلك المبتسم فتلك نفسك المطمئنة التي تنتظرك لتعود بك إلى تلك الأرض الثابتة التي كنت تقف عليها فتنعم بدنياك و تفوز بآخرتك. و أما هذا الماكر الذي تراه أمامك فهي نفسك الامارة بالسوء التي زيفت نتانة الشهوات لتصورها لك زينة الحياة و ثمارها اليانعة.    تحاورك نفسك اللوامة:  أيها الانسان اعلم أنك في جهادٍ دائم و حرب ٍ ضروس ٍ تدور رحاها, تخوضها متحدياً نفسك الأمارة بالسوء. نفسك التي تنساق وراء الشهوات و تنزع إلى ارضاء الهوى فترضخ صاغراً لما تلذه و تشتهيه حتى وإن كان سماً زعافاً يغتال ضميرك و يدنس فطرتك السوية. نفسٌ سيئةٌ مسيئة تقودك لتلقيك في وحل المحرمات و تعفر وجهك بتراب الذل و الانكسار لملذاتك الدنيئة, فتنتهك من أجلها حرمة دينك و وطنك و أهلك و حتى ذاتك. فما جوابك حين تُسأل: “يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ” كيف و بماذا ستنطق ” يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”    أمَا آن الأوان أيها الذليل الذي اقتاده ذلك الهوى أن تفيق من غفلتك و تنزع عن معصمك قيد العبودية الذي ظننته سوار الحرية. طهر روحك من دنس الانقياد لنفسك الأمارة بالسوء لتجد نفسُك المطمئنةُ مستقراً طاهراً لها فتريك الحق حقاً فتتبعه و تريك الباطل باطلاً فتنأى بنفسك عنه. و لن تنتصر في حربك تلك إلا إذا عقدت اتفاقية شراكة مع نفسك اللوامة لتكون حليفاً وفياً تعتمد عليه إذا اختبرتك الأيام في سرائك و ضرائك. تحالف معها لتقودك إلى مسالك الخير و تأخذ بيديك بعيداً عن مهالك الشر و أهله. تتحدان لتنتصر على شيطانك و نفسك الأمارة بالسوء معداً العُدة لمقارعتها متسلحا بإيمانك و رقابتك الذاتية لهمساتك و كلماتك و نظراتك فتستحي أعظم الحياء من أن تجعل الله أهون الناظرين إليك, أم نسيت أن العزيز الجبار يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور. “وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.

المصدر : موقع بيت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى