مقالات

مدينة جبلة

عاصمة الدولة الصليحية

تعد مدينة جبلة اليمنية الواقعة غرب مركز محافظة إب بحوالي سبعة كيلومترات من المآثر التاريخية التي يقصدها السياح من داخل اليمن وخارجه، لما لها من دلالة تاريخية ارتبطت بأهم مرحلة من مراحل ازدهار الحضارة الإسلامية في اليمن كما تشهد على ذلك المآثر التاريخية التي مازالت شاخصة حتى اليوم تجذب السائح إليها.

جبلة، سميت بهذا الاسم حسب ما تذكره المصادر التاريخية نسبة إلى رجل برع في الصناعات الحرفية القديمة التي كان يمارسها في تلك المدينة قبل أن تتحول إلى أشهر مدن اليمن منذ منتصف القرن الخامس الهجري عندما اتخذها مؤسس الدولة الصليحية عبدالله بن محمد الصليحي عاصمة لدولته ابتداء من العام 458 هجرية التي دامت أكثر من 90 عاما،

تمكن خلالها أمراء الدولة الصليحية من تحويلها إلى مركز حضري وديني وعلمي خاصة في عهد الملكة أروى بنت احمد التي أنشئت في عهدها أهم المعالم التاريخية. وتتميز جبلة بالجمع بين المعالم التاريخية والموقع الجغرافي، فهي تقع في منطقة خصبة مشهورة بكثرة أمطارها ووديانها وجبالها المكسوة بالخضرة في منطقة معتدلة

مما أضفى عليها نسمة عليلة وأريجا فواحا وكانت تسمى مدينة النهرين لأنها تقع بين نهرين كبيرين، إلا أنهما قد نضبا بسبب الجفاف الذي اجتاح البلاد في العقدين الأخيرين ولا يعود تدفق المياه فيهما سوى في موسم الأمطار الذي تكون المدينة خلالها في أحسن منظر وأبهى حلة تستهوي الزوار من كل مكان.

إلى جانب كل تلك المميزات الطبيعية الجمالية لهذه المدينة التي تحيط بها المدرجات والمروج الخضراء، تبدو بيوتها الشاهقة ومآذنها الشامخة شاهدة على تأريخ يشد حنين الزائر إليه وهو يستحضر كل عبق لحظاته الغابرة حيث تنتصب من المآثر التاريخية التي تغري الزائر على التأمل بها كثيرا،

ليس فقط لما هي عليه من جماليات، بل لأن جلها وأهمها يعود إلى عهد السيدة اروي بنت احمد، المرأة التي وحدت اليمن وحكمته خلال الفترة بين عامي 1085 و1138 ميلادية، وبها تجسدت شخصية المرأة اليمنية والعربية كحاكمة تفوقت على غيرها ممن حكموا اليمن وسادت بحكمها سياسيا ولم تسد مذهبيا،

مما جعل منها رمزا للحاكم المتسامح. واستطاعت خلال فترة حكمها أن تشيد الكثير من المساجد ودور العلم وأنشأت السواقي الممتدة على عشرات الكيلومترات مثل ساقية الجند التي كانت تمتد على مسافة أكثر من ثلاثين كيلومترا تتخللها مرتفعات.

ومن المعالم التي مازالت شاخصة وشاهدة على الحضارة والسعة التي وصلتها عاصمة الدولة الصليحية، شوارع المدينة المعبدة بالحجارة وبيوتها ومآذنها المزخرفة. ويعد مسجد السيدة اروى بما يحتويه من زخارف ونقوش إسلامية بديعة واحدا من المعالم التي يقصدها زائر المدينة.

كما أن قصرها الشاهق والواسع الذي مازال بعض معالمه قائما، يعد من العجائب الذي تحدثت عنه الكتب والمؤلفات. وتناقل الناس الروايات عنه انه كان مكونا من 360 غرفة بعدد أيام السنة. ويقول مرشد سياحي، إن مسبحة السيدة ملكة الدولة الصليحية هي الأكبر في العالم .

ويشير إلى مسبحة تمتد حوالي 6 أمتار ليستدرك بقوله، إنها نسخة مقلدة تحاكي المسبحة الأصل فيما تحكي الأواني المستطرقة التي يعرضها المتحف حيث يكشف مدى ما وصلت إليه العلوم والتطبيب في الدولة الصليحية. والمتحف الذي أقامه احد الأهالي بمبادرته الخاصة يضم الكثير من الأدوات والنماذج التي كانت مستخدمة في زمن الملكة أروى،

مثل أدوات تحضير الأدوية والحدادة والنجارة وعدت الحرب والأكل والزراعة ومختلف المهن التي انتشرت في عهد الدولة الصليحية وما وصلت إليه من تطور إلى جانب عدد من المخطوطات التي تحكي رؤيتها لتسيير أمور رعاياها والمبادئ التي ارتكزت عليها سياستها وعدالتها والشروحات

التي توضح طرق التدريس والمناهج التي كانت تدرس في عصر الملكة، وكل ذلك كان مصحوبا بتعليقات تبرز تاريخ الملكة والأدوار التي قامت بها طيلة 55 عاما من حكمها لليمن بما في ذلك رؤيتها لمسألة الحكم وحياتها الخاصة.

إجمالا، فالتاريخ الحافل بكل مآثر الحقبة التي عاشت فيها السيدة أروى بنت احمد والنهضة العمرانية والعلمية والثقافية التي عرفتها هذه المدينة خلال فترة حكم الدولة الصليحية عامة وفترة حكم السيدة أروى بنت احمد، أعطت للمكان وكل ما فيه قيمة تاريخية وحضارية حرية بالتأمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى