مقياس معرفة الفضيلة
قال تعالى : {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود : 31] .
أن أصحاب الثروة والقوة وعبيد الدنيا المادييّن يرون جميع الأشياء من خلال نافذتهم المادية .. فهم يتصورون أنّ الإِحترام والشخصيّة هما ثمرة وجود الثروة والمقام والحيثيات فحسب ، فلا ينبغي التعجب من أن يكون المؤمنون الصادقون الذين خلت أيديهم من المال والثروة في قاموسهم «أراذل» وينظرون إِليهم بعين الإِحتقار والإِزدراء.
ولم تكن هذه المسألة منحصرة في نوح وقومه ، إِذ كانوا يصفون المؤمنين المستضعفين حوله ـ ولا سيما الشباب الوعي منهم ـ بأنّ عقولهم خالية وأفكارهم قاصرة ، وكأنّهم لا قيمة لهم. فالتاريخ يكشف أن هذا المنطق كان موجوداً في عصر الأنبياء الآخرين وعلى الأخصّ في زمن نبي الإِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين الأوائل .
كما نرى الآن مثل هذا المنطق في عصرنا وزماننا ، فالمستكبرون الذين يمثلون فراعنة العصر ـ إِعتماداً على سلطانهم وقدراتهم وقواهم الشيطانية ـ يتهمون «المؤمنين» بمثل هذا الإِتهام .. فكأنّما يعيد التاريخ نفسه وصوره على أيدي هؤلاء ومخالفيهم ..
ولكن حين يتطهر المحيط الفاسد بثورة إِلهية .. فهذه المعايير التي تقاس بها الشخصيّة والعناوين الموهومة الأُخرى تُلقى في مزابل التاريخ ، وتحل محلّها المعايير الإِنسانية الأصيلة .. المعايير المتولدة من صميم حياة الإِنسان والتي تكون لبنات تحتية للبناء الفوقاني للمجتمع السليم الحرّ ، حيث يستلهم منها قِيَمهُ ، كالإِيمان والعلم الإِيثار والمعرفة والعفو والتسامح والتقوى والشهامة والشجاعة والتجربة والذكاء والإِدارة والنظم وما أشبهها .