مقالات

في الإمامة

إمامة إبراهيم عليه السلام

 

الحلقة الحادية عشر

بقلم/ منير عوض

 

1ـ إن أول ما يلفت انتباهنا عند قراءة هذه الآية تقديم الله المفعول به ( إبراهيم ) على الفاعل

( ربه ) فلهذا التقديم دلالته البلاغية التي  يمكن فهمها بالنظر إلى ما تدور حوله كلمات وجمل هذه الآية حيث ينصب اهتمامها على إبراهيم فتقديم الله له وحق رتبته اللغوية  التأخير  لم يكن إلا لأن كل جمل ومفردات هذه الآية تتحدث عن إبراهيم وماله صلة بإبراهيم .

لقد اتخذت هذه الآية من إبراهيم محورا لها و مذ بدءها قدمته اهتماما به لنجدها تذكر إبراهيم

بطرق متعددة :

1ـ اسما علما في قوله : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه ).

2ـ ضميرا مستترا تقديره : ( هو ) يعود على اسم العلم ( إبراهيم )  في موضعين :

( فأتمهن ) ، ( قال ومن ذريتي ) .

3ـ ضميرا متصلا ظاهرا غائبا ( الهاء )  بعد إضافتها إلى كلمة : ( رب ).

4ـ ضميرا متصلا ظاهرا مخاطبا ( الكاف ) بعد إضافتها إلى اسم الفاعل : ( جاعل ).

2ـ  الله تعالى هو المبتلي أي المظهر

إبراهيم عليه السلام هو المبتلى أي المظهر فيه الإمامة فقد جعلها الله فيه قبلا وحان وقت ظهورها بالكلمات التي كانت من الله سببا للتجلي هذا.

فإبراهيم عليه السلام مظهر الله استخلفه الله في الأرض عنه نصبه إماما للناس.

 كما جعل الله اسم نبيه إبراهيم عليه السلام محورا لهذه الآية فقد جعله أيضا وبالمقابل محورا للوجود بأسره يتصرف فيه بأمر من الله فهو واسطة الفيض والهدي الإلهي.

لم يكن نيل إبراهيم للإمامة من تلقاء ذاته أو لأفعال قام بها فاستحق هذا المقام فالأمر كله بيد الله فهو من جعل إبراهيم إماما وهو من جعل من ذرية إبراهيم الطاهرة أئمة.

لقد ابتلى الله إبراهيم وقد حدد لنا نوعية هذا الابتلاء بقوله تعالى : ( بكلمات ) فهو مقيد بهذا اللفظ بعد أن كان مطلقا وهذه الكلمات وبعد إتمام إبراهيم عليه السلام لها تجلت إمامته .

ومن المؤكد أن الله طالما ابتلى نبيه إبراهيم بل إن حياة إبراهيم عليه السلام كانت سلسلة من الابتلاءات كما يبين لنا القرآن هذا إلا أن هذا الابتلاء من نوع خاص و لبلوغ مقام خاص لم يسبقه إليه بشر من حيث الدرجة وسيغدو فيما بعد خاصا بذرية إبراهيم وفي عقبه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولكن لماذا جاءت كلمة: ( ربه ) تحديدا ؟

ربما لأن الرب رب إبراهيم هو من هيأه وأعده لهذه المنزلة السامية فرباه وتعهده حتى أصبح على ما هو عليه.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن :

هل يفهم من قوله تعالى:(إني جاعلك للناس إماما) أن إبراهيم عليه السلام لم يكن قبل ابتلاء الله له بهذه الكلمات وإتمامه لهن إماما؟

هل كان عليه اجتياز ذلك الامتحان الإلهي لاستحقاق الإمامة ليكون أهلا لها وجديرا بها؟

تساؤل كهذا يستدعي طرح أسئلة أخرى من شأنها أن تقربنا من الإجابة المرجوة التي لا شك فيها ولا ريب :

هل كان الرسل والأنبياء قبل بعثة الله لهم ليسوا رسلا ولا أنبياء ؟

محمد هل كان قبل نزول الوحي عليه ليس رسولا ؟

لم يكن الأنبياء والرسل إلا أنبياء ورسلا لله مذ خلقه بل حتى وهم في عالم الغيب وقبل مجيئهم إلى الدنيا بيد أنهم لا يمارسون دورهم في هداية الناس إلا بإذن من الله .

كذا محمد كان نبيا ورسولا ولم يظهر فيه النبي ولم يتجلَّ منه الرسول إلا بأمر من الله في الوقت الذي حدده الله كما يقول الله تعالى:

( يا أيها المدثر قم فأنذر )

كما أن نبي الله عيسى تكلم في المهد بنبوته ويحيى ـ أيضا ـ عليهما السلام.

وكذلك سائر الأئمة لم يقوموا بدورهم في إمامة الناس إلا بأمر من الله كما يصرح الله بهذا في قوله تعالى:

( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى