مقالات

مملكة سبأ

تقع مملكة سبأ في مدينة مأرب الواقعة شرق العاصمة صنعاء، حيث ورد ذكرها في العديد من الكتب المقدسة ، فقد ظلت مأرب مهداً لحضارة إنسانية عملاقة يزيد عمرها على ثلاثة آلاف سنة، وخلفت آثاراً من ضمنها عرش بلقيس الشهير، والذي يُعد الموقع الأثري الأشهر بين آثار اليمن ، ويقع في الجانب الغربي على الطريق المؤدية من صافر إلى مأرب .

اشتهر اليمنيون القدامى الذين شيدوا حضارتهم في مأرب عاصمة الدولة السبئية منذ آلاف السنين بعبادة الكواكب السماوية وخير دليل على ذلك وجود عرش بلقيس (معبد الشمس) ومحرم بلقيس (معبد القمر) وغيرها من الآثار الإنسانية التي تنم عن حضارة عريقة وضاربة في جذور التاريخ وهذه الآثار لا تزال تتأرجح بين الحقيقة والأسطورة ولا تزال أسرارها الكاملة تغمرها الرمال وبحاجة إلى من ينفض عنها غبار الزمن.

وتسير الاكتشافات الأثرية إلى أن معبد الشمس أو عرش بلقيس يعود تاريخه إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام.. وقد أنهى المعهد الألماني للآثار في برلين عمليات التنقيب عن عرش بلقيس الموقع الأثري الذي عُـرف بعمائده الخمسة وسادسها عمود مكسور وذلك في أوائل شهر نوفمبر من عام 2012 م.
وقال السيد كيريلس هيلموت رئيس المعهد الألماني للآثار في برلين إن المعهد الألماني قد بدأ عمليات التنقيب عن المعبد (معبد الشمس) منذ عام 1988م واستمرت عملية الترميم ثلاث سنوات.. وأضاف أن المعبد كان مطموراً قبل ذلك ولا يبدو منه إلا أعمدته الستة المشهورة مشيراً إلى أن أصل المعبد يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد ويعتبر من أهم الآثار القديمة في حضارة جنوب الجزيرة العربية مؤكداً أن الآثار الموجودة فيه تظهر البراعة المميزة للحضارة السبئية القديمة.

وقال إن “المعهد الألماني يسعى لإنشاء متحف محلي في مأرب للمحافظة على هذا التراث الإنساني”.

وتشير الدراسات التاريخية إلى أنه منذ عام 1888م أضحى معلوماً لدى الباحثين أن عرش بلقيس تسمية شعبية لمعبد سبئي قديم وجد على أحد أعمدته نقش يتحدث عن المعبود (ألمقه) رب المعبد الذي يـسمى أيضا (برآن).

ويتكون المعبد من وحدات معمارية مختلفة أهمها منصة المعبد والفناء الأمامي وملحقاتهما مثل السور الكبير المبني من الطوب وقناة الري التي كانت هناك ولم يبق منها شيء.

وبني المعبد الثاني على أنقاض الأول وكان المبنى مستطيل الشكل وله ساحة متوسطة محاطة بصف من الغرف الصغيرة عددها خمس من الطرف الشرقي ورواقان في الشمال والجنوب.. وتدل بعض كسر الفخار التي عثر عليها على أن المبنى الثاني ينبغي أن يكون قد أنشئ في مطلع الألف الأول قبل الميلاد وأنه ظل قائماً حتى الربع الأخير من القرن التاسع قبل الميلاد.

أما المبنى الثالث يـعتقد أنه بني خلال القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد وعندما بلغت مملكة سبأ أوج ازدهارها في أواخر القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد شـيد المبنى الرابع للمعبد على أنقاض المباني السابقة بإضافة فناء فسيح يتيح لإقامة الاحتفالات للمعبود السبئي (ألمقه).. والمعبد الرابع يشبه عمارة القصور ويبلغ ارتفاعه أكثر من 15 متراً أما أعمدته الستة فقد نـحت كل منها من كتلة صخرية واحدة يبلغ ارتفاعها 2 و8 أمتار ثم إضافة ساحة أمامية لها شكل مربع وأروقة بأعمدة ارتفاع كل منها حوالي 4 أمتار وكانت الأروقة مزينة بمنحوتات البلق البديعة والمقاعد التي قدت من المحاجر المنحدرة في صرواح على بعد 40 كلم تقريباً إلى الشمال الغربي.

إلا أن هذا المعبد تعرض للإهمال وإعراض الناس عن التمسك به.. ويقال إنه ربما تعرض للهجوم والتدمير عام 26/ 25 قبل الميلاد على يد القائد الروماني إليوس جالوس الذي أخفق في فتح مأرب فانتقم لذلك بتخريب المعبد والمنشآت المائية الرئيسية في مأرب مثل سد مأرب العظيم.. وزاد من إهمال الناس للمعبد اعتناقهم لليهودية والمسيحية بحيث توقفت الطقوس التقليدية الوثنية ووصل الإهمال ذروته في القرن السابع للميلاد حيث هـجر الموقع تماماً وبدأت الرمال تزحف نحوه وتغمره رويداً رويداً حتى ضاعت معالمه.

ولكنه وبعد مرور ثلاثة آلاف عام يستنهض معبد الشمس من جديد وبأعمدته الستة الشهيرة كالطود الشامخ ويحيل الأسطورة إلى واقع ويكشف بعضاً من أسرار الحضارة العريقة لمملكة سبأ.. وعاصمتها مأرب (مريابا) مهد الحضارة السبئية التي جاء ذكرها بالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم واقترن اسمها بمملكة سبأ (بلقيس).. ذاع صيتها كما جاء ذكرها في القرآن الكريم.. وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وقوله تعالى: لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور.

ومع هذا هناك الكثير مما يمكن التنقيب عنه فمما لاشك فيه أن المزرعة المجاورة للمعبد تحوي كنوزاً ثمينة ومعلومات يمكن أن تكشف الكثير من أسرار حضارة سبأ. وفي الجانب الشرقي لهذا المعبد يقع معبد أوام على بعد ثلاثة كيلومترات والذي يسمى أيضاً محرم بلقيس أو معبد القمر الذي يعتبر أكبر معبد تاريخي قديم في الجزيرة العربية وظل منتسكاً للسبئيين منذ أوائل الألف الأول قبل الميلاد وحتى القرن الرابع بعد الميلاد لأهميته التاريخية للمعبد الذي مازال نصفه مدفوناً في رمال الصحراء جعلت البروفيسور بيل جلانزمان أستاذ الآثار بجامعة كالجاري يقول إن المعبد (محرم بلقيس) قد يصبح إعجوبة الدنيا الثامنة وسيجتذب سياحاً من كل حدب وصوب.

ويشعر المرء بالأسى والحزن الشديد عندما يرى هذا المعبد الذي ربما يكشف أسراراً كثيرة عن حضارة مملكة سبأ وكان في يوم ما منتسكاً يحج إليه الناس من كل أرجاء اليمن بما فيها حضرموت تصارع أعمدته الثمانية وسوره ومقبرته الرمال حتى إنك تلقى أحد أعمدته نام على كتف العمود المجاور له وكأنه يريد أن يعبر عن الإعياء الذي أصابه طوال هذه السنين وينقل رسالة لعشاق الفن والحضارة والتراث الإنساني بإنقاذه من الرمال المتحركة التي تزحف نحوه كل يوم وتريد طمره نهائياً

عرش بلقيس

ويقول صادق سعيد عثمان مدير مكتب الآثار بمدينة مأرب إن المقبرة الموجودة في الجهة الجنوبية من المعبد كانت مخصصة لكبار الشخصيات مثل الكهنة والتجارة والذين نقشت وجوههم على الأحجار البركانية التي بنيت منها القبور.. وقد كشفت الحفريات والتي بدأت في 1997م في المقبرة أن هناك أنماطاً عديدة من القبور تدل على أن طريقة بناء القبور متنوعة وأن الممرات بينها لا تقوم بخط مستقيم وقد تم العثور على أجزاء لـ 80 جثة في قبر واحد.

ومن الدلائل التاريخية على أهمية المعبد هو أنه يتكون من ثمانية أعمدة حيث لا يوجد من المعابد السبئية سوى معبدين بثمانية أعمدة هي هذا المعبد (معبد أوام) ومعبد قائم في مدينة مأرب القديمة ويعتقد أنه معبد حرونم أما المعابد الأخرى فهي ذات أربعة أو ستة أعمدة فقط.
وقد وجد في محرم بلقيس نقوش يمكن من خلالها معرفة الكثير من الجوانب التاريخية لحضارة سبأ كما أنها ساعدت في إعداد قائمة بالملوك السبئيين الذين عاشوا من القرن الثامن قبل الميلاد وحتى الرابع الميلادي.

سد مأرب العظيم

أما في الجهة الغربية من مأرب فنرى بقايا سور سد مأرب العظيم الذي بناه أبناء سبأ في 650 ق.م والذي يدل على هندسة معمارية مميزة برع فيها اليمنيون ويعد هذا السد أحد أهم إنجازاتهم الرئيسية والذي وجد المنقب الفرنسي الشهير أرنو آثاره في العام 1843م ويبلغ طول هذا السد 650 متراً وعرضه 60 متراً واليوم لم يتبق منه سوى قطع صغيرة من سوره العظيم الذي كان يحتجز المياه التي تروي زراعة مملكة سبأ.

يعتقد أن ملكة سبأ (بلقيس بنت الهدهاد بن شرحبيل) تنحدر من نسل هذا الملك ويخبرنا القرآن كيف اكتشف الهدهد مملكة سبأ وكيف رأى أهلها يعبدون الشمس من دون الله الواحد القهار، وحين أخبر سليمان بما رأى أرسل معه خطاباً يدعوهم فيه إلى التوحيد والحضور إليه طائعين. وكي يثبت لبلقيس فضل الله عليه سأل سليمان من حوله (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) فقال عفريت من الجن (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) فقال سليمان: أريد أسرع من ذلك فقال آصف ابن برخيا وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فوجد سليمان العرش أمامه بطرفة عين.

هذه السرعة الخارقة جعلت البعض يتساءل عن كيفية إحضار العرش من اليمن إلى الشام بطرفة عين (في حين اضطرت بلقيس إلى السير شهرين لقطع نفس المسافة
ويستمر القرآن بسرد القصة في سورة النمل بعد تلقي السبئيين رسالة سليمان التي ألقاها الهدهد وكيف تلقت بلقيس الرسالة التي تطالبهم بعبادة الله والكف عن تقديس الشمس.

 وخلد القرآن موقف بلقيس إذ رفضت أن تستبد برأيها وطلبت المشورة من الملأ الذين هم بدورهم أكّدوا لها ثقتهم بقدراتهم العسكرية وتركوا القرار النهائي لها. وأكّد القرآن على قولها بشأن الملوك بقوله وكذلك يفعلون.

 فأرادت اختبار سليمان وأرسلت له هدية، لم يسم القرآن ما هي الهدية ولكن لا يستبعد أن تكون الهدايا هي ذاتها المذكورة في العهد القديم من طيب وأحجار كريمة وذهب. رفض سليمان الهدية وقرر الخروج بجيش ومقاتلة سبأ
قبل خروج الجيش كما هو مذكور في القرآن، طلب سليمان من أحد حاشيته أن يأتيه بعرشها قبل قدومها ولم يذكر القرآن الهيئة التي أتت عليها وكيف قررت ذلك وما إذا علمت برفض سليمان للهدية أم لا، ودخلت على سليمان وقامت بجمع ثيابها حتى ظهرت ساقها لظنها أن بلاط سليمان أو الصرح كان ماء فأخبرها سليمان أنه صرح من زجاج يجري من تحته الماء، وحسب القرآن والتفاسير الإسلامية فإن اندهاش بلقيس من ملك سليمان وليس بالضرورة حكمته كما ذكر العهد القديم هو سبب دخول بلقيس في دين سليمان.

وتقول الأسطورة إن جنية جميلة كانت تعيش في مأرب فتزوجت من أحد المستشارين المقربين من مكرب سبأ وأنجبوا ابنة اسمها بلقيس، أرسلوها إلى الصحراء لتعيش مع أخوالها من الجن. كبرت بلقيس وسط الجن وعلمت أنه بمأرب مكرب ظالم فذهبت إلى المدينة وطعنته بخنجر وهو نائم وخلصت اليمنيين من بطشه، وأساطير أخرى مشابهة تملأ جنبات كتب تراث العرب منها أنها ابنه ملك يدعى الهدهاد بن ذي شرح وأنها كانت حميرية وأخوالها من الجن كذلك .

وتقول الرواية العربية إن ملكاً حميرياً يدعى “عمرو ذو الإذعار” من أم جنية اسمها العيوف بنت الرابع تولى الملك في مملكة حمير وكان ظالما جبارا ولهذا عرف باسم “ذو الأذعار” المشتق من الذعر. وانقسمت حمير على ما روى الرواة فكان ذو الأذعار هذا وملك آخر يدعى عمرو بن شرحبيل الذي ولي ابنه الهدهاد الملك عقب وفاته وفي رواية أخرى اسمه ذي شرح. كافأ الجن الهدهاد أو “ذي شرح” بأن زوجوه منهم لأنه ساعد مصاباً منهم بسقية من ماء وكان نتاج ذلك الزواج بلقيس الوحيدة التي عاشت من أبناء وبنات الملك حتى إذا كان على فراش الموت استشار بني قحطان في توليتها. فأشاروا عليه بأنها من أعقل النساء ولكنهم استنكروا أن تتولاهم امرأة.

لم يزل تهديد عمرو ذو الأذعار فدبرت بلقيس حيلة للتخلص منه فعرضت عليه الزواج وهو ما وافق عليه ذو الأذعار. فأمر الملك عبيده بالخمر وهم بها وأخذت بلقيس تماطله حتى تمكن الخمر منه فاستلت خنجراً من غمده ونحرته وأخفت جثته لفترة وطلبت الجنود أن يأتوا لها بأحد شيوخ حمير كذلك وأخبرته أنها سلمت نفسها لذو الأذعار ولأنه عقيم ولا يلد له فوضها ولاية العهد فأطاعوها على ذلك حتى عندما أخذت منهم الأمان علقت رأس ذو الأذعار على باب مأرب. ثم جهزت بلقيس نفسها جيشاً غزت به نهاوند وأذربيجان والصين ويبدو أنها كانت مسلمة ومتبعة للطقوس الدينية للإسلام فيذكر المؤرخون أنها توقفت بمكة لأداء العمرة قبل حملاتها هذه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى