من هم اصحاب الاعراف ؟
قال تعالى : {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعرَافِ رِجَالٌ يَعرِفُونَ كُلًاَّ بِسِيَماهُمْ وَنَادَوا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} (الأعراف/ 46).
– {وَاذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَاتَجَعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف/ 47).
– {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيَماهُمْ قَالُوا مَاأَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكبِرُونَ} (الأعراف/ 48).
يُستفاد من مجموع القرائن الموجودة في الآيات موضوع البحث وكذلك من الروايات الكثيرة الواردة في المصادر الإسلامية بخصوص الأعراف، بأنّه يوجد فيها فريقان : فريق من رجال اللَّه والشخصيات البارزة والمقرّبة إلى اللَّه وفريق آخر من المستضعفين ومن الذين خلطوا عملًا صالحاً وآخر سيِّئاً- فبعضْهم غلبت حَسناتُهم سيّئاتهم وبعضهم سيئاتهم فاقت حسناتهم، وفي الحقيقة هم حائرون لا إلى الجنّة ولا إلى النّار.
وهنا يعرف أولئك الرجال هذا الفريق من سيماهم، فيقولون لمن يستحق الشفاعة والمغفرة، ويستمد من معدن أولياء اللَّه : إذهبوا إلى الجنّةِ، ثم يسوقون الباقين إلى جهنّم.
وهذا هو أفضل تأويل وتفسير يوضّح مجموع الآيات المتعلّقة بالأعراف، وكذلك الآيات السابقة واللاحقة لها ويخلصنا من أي نوع من الكلام الزائد، ويشكل قاسماً مشتركاً وحلقة اتصال بين الكثير من أقوال وتفاسير المفسّرين.
فقد نقل المرحوم العلامة الطباطبائي- على سبيل المثال- اثني عشر قولًا بخصوص من على الأعراف (نقل بعضهم فقط عشره أقوال أو سبعة، مثل تفسير القرطبي والتفسير الاثني عشري وبهذا الترتيب.
1- إنّهم أشراف الخلق الممتازون بكرامة اللَّه.
2- إنّهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فلم تترجح حسناتهم حتى يدخلوا الجنّة، ولا غلبت سيئاتهم حتى يؤمروا بدخول النّار، فأوقفهم اللَّه تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنّة والنّار.
3- إنّهم أهل الفترة.
4- إنّهم مؤمنو الجن.
5- إنّهم أولاد الكفّار الذين لم يبلغوا في الدنيا أوان البلوغ.
6- إنّهم أولاد الزنا.
7- إنّهم أهل العجب بأنفسهم.
8- إنّهم ملائكة والتعبير عنهم بالرجال لأنّهم يتشكلون بأشكال الرجال.
9- إنّهم الأنبياء عليهم السلام يقامون عليها تمييزاً لهم على سائر الناس ولأنّهم شهداء عليهم. 10- إنّهم عدول الامم الشهداء على الناس يقومون عليها للشهادة على اممهم.
11- إنّهم قوم صالحون فقهاء علماء.
12- إنّهم العباس والحمزة وعلي وجعفر يجلسون على موضع من الصراط، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسوادها …. «1»
وورد في الكثير من الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام : عن هلقام، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه تعالى : {وَعَلَى الْأَعرَافِ رِجَالٌ يَعرِفُونَ كُلّاً بِسِيَماهُم} ما يعني بقوله {وَعَلَى الْأَعرَافِ رِجَالٌ}؟ قال : «ألستم تعرفون عليكم عرفاء، وعلى قبائلكم ليعرف من فيها من صالحٍ أو طالح؟ قلت : بلى، فقال فنحن أولئك الرجال الذين يعرفون كلًا بسيماهم» «2».
ولكن كل تلك الأقوال الاثني عشر أو الثلاثة عشر مجموعة في الحقيقة في التفسير الذي ذكرناه سالفاً، ألا وهو وجود فريقين في الأعراف : فريق من الأبرار والصالحين وأولياء اللَّه وفي طليعتهم «محمد وآل محمد» عليهم السلام ومن ثم الأنبياء والملائكة، وجماعة من الصالحين والعلماء والفضلاء، وفريق من المستضعفين ومن أصحاب الأعمال والصالحة والأعمال السيّئة، أو الذين ليست لديهم أعمال صالحة ولا سيّئة (كالأبناء غير البالغين للكفّار والجهلة القاصرين وأهل الفترة).
إنَّ الروايات التي ذكرناها آنفاً تؤيد بصراحة وجود هذين الفريقين في الأعراف.
ولهذا تواصل الآية الأولى الكلام عن الفريق الثاني فتقول : {وَنَادَوا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدخُلُوهَا وَهُمْ يَطمَعُونَ}.
وبهذا السياق يشير صدر الآية وذيلها إلى هذين الفريقين المختلفين المذكورين فيما سبق.
وتضيف الآية الثانية : {وَإِذَا صُرِفَتْ ابصَارُهُم تِلقَاءَ اصحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَاتَجْعَلْنَا مَعَ القَومِ الظَّالِمِينَ}.
تعود الضمائر في هذه الآية (الضميرين في كلمتي «أبصارهم» و «قالوا»)، كما هو الحال في ذيل الآية السابقة، إلى الفريق الثاني، بينما يدور الكلام في مطلع الآية الأولى عن الفريق الأول.
وهذا هو فقط الخلاف الظاهر الذي نراه نحن في تفسير هذه الآية، أي أن نفصل مَرَدَّ هذه الضمائر، لكن القرائن المتعددة لهذا الخلاف الظاهري موجودة في الآية الاولى، وكذلك في الآيات اللاحقة، لأنَّ الرجال الموجودين على الأعراف يعرفون الكل بسيماهم، ويأمرون هناك وينهون، ويلومون أهل النّار، ويرسلون إلى الجنّة من يستحقّها بفضل اللَّه، هم ليسوا ممن تشملهم جملة : {لَم يَدخُلُوهَا وَهُم يَطمَعُونَ}.
وخلاصة القول هي أنّ في هذه الآيات تعابير دالة على وجود رجال ذوي مقام رفيع على الأعراف، وبيدهم الأمر والنهي. وهم أصحاب المقام الرفيع في معرفة أصحاب الجنّة وأصحاب النّار (حتّى قبل دخولهم فيهما)، وكذلك توجد تعابير في هذه الآيات تدل على وجود فريق حائر على الأعراف وعليهم آثار القلق البالغ خوفاً على مصيرهم.
فهم طامعون في الجنّة وخائفون من النّار، وينبيءُ مجموع هذه القرائن عن وجود هذين الفريقين على الأعراف، ويمكن في ظل هذا التفسير حل جميع المشاكل العالقة في تفسير هذه الآيات.
وتعود الآية الثالثة إلى الفريق الأول مَرّة ثانية فتقول : {وَنَادَى أَصحَابُ الْأَعرَافِ رِجَالًا يَعرِفُونَهُم بِسِيَماهُمْ قَالُوا مَاأَغنَى عَنكُمْ جَمعُكُمْ وَمَاكُنتُمْ تَسْتَكبِرُونَ}.
ويعكس هذا اللُّوم والتوبيخ الشديد الصادر من أصحاب الأعراف إلى أصحاب جهنّم أحد المؤشرات الجلِيّة على سموِّ مقامِهم، فهم يعاقبونهم بسياط الملامة والتعنيف مثلما يفعل الملائكة معهم.
_______________________
(1). تفسير الميزان، ج 8، ص 126 ذيل الآيات مورد البحث.
(2). أورد المرحوم العلّامة المجلسي هذه الرواية في بحار الأنوار، ج 8، ص 336، و 337؛ ونقلها أيضاً المرحوم الكليني في اصول الكافي، ج 2، ص 408.