سيرة وتاريخ

ركب السبايا(أسرار وخفايا)

كيف كانت مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام وبنات الرسالة بعد إخراجهم من كربلاء وأي الطرق الطويلة والوعرة مر بها ركب السبايا، هل أكتفى الاعداء أخذهم للشام لا والله بل كان سبيهم من كربلاء للكوفة وصعوداً للمناطق الشمالية في العراق، ولتركيا، ولبنان وسوريا إلى المناطق والمدن الكثيرة فمن أهالي بعض المناطق التي مر بها السبايا أستقبلوهم متألمين وباكين لما جرى على أهل البيت وغيرهم من مناطق أخرى أستقبلوهم بالتشمت والاستهزاء.

طافوا بهم في البلدان إلى أن يصلوا بهن إلى عاصمتهم الشام وسيراهم كل إنسان مكشفات الوجوه وفي أيديهم الأغلال والسلاسل وأكثر الناس سيقابلون ذلك بالنقمة على الأمويين والأسف والحزن لآل بيت نبيهم الذي بعث رحمة للعالمين جاء في كتاب المنتخب إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج وضم إليهم ألف فارس وأمرهم بإيصال السبايا والرؤوس إلى الشام.

كان سبي بنات الرسالة من كربلاء إلى الكوفة جنوباً من ثم القادسية بعدها شمالاً إلى تكريت والموصل، ثم غرباً عبر جبل سنجار، ثم منطقة الجزيرة في الشمال السوري، وبعدها إلى حلب، حماة، بعلبك في لبنان وصولاً إلى دمشق في سوريا يقول أبو مخنف أنهم مروا بهم بمدينة تكريت وكان اغلب أهلها من النصارى فلما اقتربوا منها وأرادوا دخولها اجتمع القسيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزنا على الحسين وقالوا: إنا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم فلم يجرؤوا على دخول البلدة وباتوا ليلتهم خارجها في البرية.

وهكذا كانوا يقابلون بالجفاء والإعراض والتوبيخ كلما مروا بدير من الأديرة أو بلد من بلاد النصارى، وحينما دخلوا مدينة لينيما وكانت عامرة يومذاك تظاهر أهلها رجالاً ونساء وشيباً وشبانا وهتفوا بالصلاة والسلام على الحسين وجده وأبيه ولعن الأمويين وأشياعهم وأتباعهم وأخرجوهم من المدينة وتعالى الصراخ من كل جانب، وأرادوا الدخول إلى جهينة من بلاد سورياً فتجمع أهلها لقتالهم فعدلوا عنها واستقبلتهم معرة النعمان بالترحاب بلدة المعري الذي يقول:

أليس قريشكم قتلت حسيناً وصار على خلافتكم يزيد

وقال: وعلى الأفق من دماء الشهيدين علي ونجله شاهدان وحينما اشرفوا على مدينة كفرطاب أغلق أهلها الأبواب في وجوههم فطلبوا منهم الماء ليشربوا فقالوا لهم: والله لا نسقيكم قطرة من الماء بعد أن منعتم الحسين وأصحابه منه، واشتبكوا مع أهالي حمص وكان أهلها يهتفون قائلين: أكفرا بعد إيمان وضلالا بعد هدي، ورشقوهم بالحجارة فقتلوا منهم 26 فارساً ولم تستقبلهم سوى مدينة بعلبك كما جاء في الدمعة الساكبة فدقت الطبول وقدموا لهم الطعام والشراب.

وجاء عن سبط بن الجوزي عن جده انه كان يقول: ليس العجب أن يقتل ابن زياد حسينا وإنما العجب كل العجب أن يضرب يزيد ثناياه بالقضيب ويحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال قد رأى الناس في السبايا من الفجيعة أكثر مما رأوه في قتل الحسين وهذا ما أراده الحسين (عليه السلام) من الخروج بالنساء والصبيان، ولو لم يخرج بهن لما حصل السبي الذي ساهم مساهمة فعالة في الهدف الذي أراده الحسين من نهضته وهو انهيار تلك الدولة الجائرة.

ولكم التعريف ببعض الاماكن التي أوقف فيها سبايا أهل البيت عليهم السلام عند وصولهم إلى الشام:

مشهد مسجد الحنانة

موقعه شمال شرق “النجف” على يسار الذاهب إلى “الكوفة” ومن الثابت أنّه كان قديماً عبارة عن “قائم”، أي نصب مبنيّ عموديّاً، في الموضع الذي أُودع فيه رأس الإمام الحسين عليه السلام قبل دخول موكب السبايا الكوفة قال المحدّث القمّي في (نفس المهموم) وفي ظهر الكوفة عند “قائم” الغريّ مسجدٌ يُسمّى بالمسجد الحنانة، فيه يستحب زيارة الحسين عليه السلام، لأنّ رأسه عليه السلام وُضِع هناك.

قال المفيد والسيّد “ابن طاوس” في باب زيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه: فإذا بلغتَ العَلم وهي الحنانة فصلِّ هناك ركعتين فقد روى محمد بن أبي عمير عن مفضل بن عمر قال جازَ الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغَريّ فصلّى ركعتين، فقِيل له ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضعُ رأس جدّي الحسين بن عليّ عليهما السلام، وضعوه هَهنا لمّا توجّهوا من كربلاء، ثمّ حملوه إلى عبيد الله بن زياد.

مشهد المُوصل

وهي مدينة في شمال “العراق” اليوم على شاطئ نهر دجلة تبعد عن الكوفة زهاء 600 كلم وكان فيها إلى القرن السابع للهجرة/ الثالث عشر للميلاد مشهدٌ يُسمّى “مشهد رأس الحسين”، “وكان الرأس الشريف به لمّا عبروا بالسبي” كما في (الإشارات) للهَروي قال في (نفَس المهموم): وأما مشهد الموصل ” فإنّ القوم لمّا أرادوا أن يدخلوا الموصل أرسلوا إلى عامله أن يُهيّئ لهم الزاد والعلوفة وأن يزيّن لهم البلدة، فاتّفق أهل الموصل أن يهيّئوا لهم ما أرادوا وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا البلدة.

بل ينـزلون خارجها ويسيرون من غير أن يدخلوا فيها، فنـزلوا ظاهر البلد على فرسخٍ منها ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرَت عليها قطرة دم من الرّأس المكرّم فصارت تنبع ويغلي منها الدم كلّ سنة في يوم عاشوراء، وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف ويُقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقِي هذا إلى عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبّة سمّوها مشهد النقطة وفي (الكامل البهائي): أنّ حاملي الرأس الشريف كانوا يخافون من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرّأس منهم،

فتركوا الطريق المعروف وأخذوا من غير الطريق لذلك، وكلّما وصلوا إلى قبيلةٍ طلبوا منهم العلوفة وقالوا معنا رأسُ خارجيّ.

مشاهد نَصيبين

وهي مدينة في “تركية اليوم”، على نهرٍ صغيرٍ بين نهرَي دجلة والفرات، يفصلُها عن مدينة “القامشلي” السوريّة خطّ الحدود، وفيها ثلاثة مشاهد:

أ‌-مسجد زين العابدين عليه السلام.

ب‌-مشهد الرّأس في أحد أسواقها، حيث عُلّق الرأس الشريف في طريق الموكب إلى الشام.

ت‌-مشهد النقطة، يُقال إنّه من دَم الرّأس هناك قال في (نفَس المهموم): لمّا وصلوا إلى نَصيبين أمر منصور بنُ إلياس بتزيين البلدة، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة، فأراد الملعون الذي كان معه رأس الحسين عليه السلام أن يدخل البلد فلم يُطِعْه فرسه، فبدّله بفرس آخر فلم يُطِعه، وهكذا فإذا بالرأس الشريف قد سقط إلى الأرض، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه فوجده رأس الحسين عليه السلام فلامهم ووبّخهم فقتله أهل الشام، ثمّ جعلوا الرأس في خارج البلد ولم يدخلوه به قلت: ولعلّ مسقطَ الرأس الشريف صار مشهداً.

مشاهد بالس/ المسكنة

هي أوّل بلدٍ من بلدان “الشام” من جهة الغرب للقادم من “الجزيرة” كانت يوم نزل فيها موكب السبايا على شاطئ نهر الفرات، لكنّ مجرى النهر صار بعيداً عنها مع مرور الزمن، ثمّ غطّى أطلالَها بعد بناء السدّ الذي أنشأ “بحيرة الأسد”، والقرية المعروفة اليوم بالاسم نفسه قرية جديدة أمّا ما بقي من القرية القديمة، فمَشهدان:

أ‌-مشهد الطُّرح أي الحمْل الذي طرحته أمّه قبل أوانه فهذا مشهدٌ بُنيَ على المكان الذي دُفن فيه أحدُ الأجنّة.

ب‌-مشهد الحجر يقال إنّ رأس الحسين عليه السلام وُضع هناك عندما عبروا بالسّبي كما في الإشارات للهَروي وكِلا المشهدين على الضفّة اليُمنى لـ “بحيرة الأسد”، على تلٍّ تحيط به مياه البحيرة من ثلاث جهات، يتوسّط مقبرة قديمة ممّا يدلّ على أنّ الناس كانوا يدفنون موتاهم قُرب المشهد تبرّكاً به.

مشاهد “جبل جوشن”

هو مرتفعٌ صخريّ غرب “حلب” القديمة كان خارجَ السّور يوم مرور الموكب، وغدا اليوم ضمن أحد أحياء المدينة المستحدَثة وكان في الموقع عند مرور موكب السبايا ديرٌ يُسمّى “دير البيعتين” أو “دير مرّوثا”، ذكره الحموي في (معجم البلدان) وقال: “ذهبَ ذلك الدّير” “وقد استجدّ في موضعِه الآن مشهد”.

والظاهر أنّ واقعة تحوّل هذا الدير إلى مشهد هي أصل الرّوايات الكثيرة التي تقول إنّ الرّأس الشريف وُضع في بعض مراحل الطريق لدى راهبٍ في دير والموجود الآن في الموقع، المشهدُ المُسمّى “مشهد رأس الحسين”، لكنّ ابنَ أبي طيّ الحلبي وهو من مؤرّخي القرن السابع يتحدّث عن مشهدين، أحدهما “عامرٌ مسكون” وهو مشهد الرّأس نفسه، والثاني “إلى الخراب أقرب”، “هو المشهد المعروف بمشهد النقطة” قِبليّ المشهد الأوّل.

وفي المشهد القائم اليوم الصخرة التي وُضع عليها الرّأس الشريف، وكان عليها أثرٌ من دمه، فالظاهر أنّها ضُمّت إلى المشهد الأساسي بعد أن آل مشهد الصخرة أو “النقطة” إلى الخراب

ويتحدّث الهَروي عن مشهدٍ ثالث في الموضع عينه هو “مشهدُ الدّكّة” فيقول: “وبها حلب غربيّ البلد مشهد الدّكّة به قبر المُحسّن بن الحسين عليه السلام.

قال المحدّث القمّي إعلم أنّ في قرب حلب مشهداً يُسمّى بمشهد السّقط على جبل جوشن وهو جبل مطلّ على حلب في غربيّها قال الحموي في (معجم البلدان): جوشن جبل في غربي حلب ومنه يُحمل النحاس الأحمر وهو معدنه، ويُقال إنه بطلَ منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي عليه السلام ونساؤه، وكانت زوجة الحسين عليه السلام حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنّاع في ذلك الجبل خبزاً وماءً فشتموها ومنعوها فَدَعَت عليهم، فمن الآن مَن عمل فيه لا يربح وفي قِبليّ الجبل مشهدٌ يُعرف بمشهد السّقط ويُسمّى مشهد الدّكّة، والسقط يُسمّى محسن بن الحسين عليه السلام.

أضاف المحدّث القمّي أنّ في الموضع المذكور مقابر ومشاهد للشيعة، منها مقبرة ابن شهراشوب صاحب (المناقب)، ومقبرة أحمد بن منير العاملي المترجَم له في (أمل الآمل)، ثمّ تمثّل رضوان الله عليه بهذا البيت:

فانظُر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقِي من الأواخر ما لاقى من الأوّلِ

مشهد حماه

وفيها مشهد للرأس أيضاً، في حيٍّ من أحياء المدينة، بالقرب من قلعتِها والمُلاحَظ أنّ هذا أوّل مشهدٍ داخل تجمّع سكّاني كبير بحجم مدينةٍ في ذلك الأوان الأمر الذي كان قادة الرّكب يتجنّبونه، خشيةَ اتّصال النّاس ببعض مَن كان في الرّكب، ممّا قد يترتّب عليه معرفة الهويّة الحقيقيّة لأصحاب الرّؤوس وللسبايا.

والذي يبدو أنّ العلّة في هذه الخصوصيّة هي وجود القلعة، التي يبدو أنّ قادة الرّكب نزلوها بمن معهم من نسوة أهل البيت عليهم السلام، بحيث لم يكونوا مضطرّين إلى نزول مكانٍ منعزل، لأنّ نزولهم داخل القلعة يمنع اتّصال الناس بهم إنّ أوّل ذكرٍ لهذا المشهد نجده لدى ابن شهرآشوب المازندراني صاحب (المناقب) والذي عاش السنوات الأخيرة من عمره في “حلب”، وفيها دُفن كما مرّ في كلام المحدّث القمّي.

والمشهد اليوم غدا مسجداً اسمُه “مسجد الحسنين”، وذلك بعد أن جدّده محمود بن زنكي، ونزع عنه صفة المشهد فُعِلَ نظيرُه بمشهدِ بعلبك وسُجّل ذلك التجديد على رَقيم حجري في المدخل الخارجي ومع ذلك فإنّ هذا التزييف لصِفة المشهد الأساسيّة لم يؤدِّ إلى نسيانها، فبعد ستة قرون من تجديد ابن زنكي له جُدّد أيضاً على يد أحد رجال الدولة العثمانيّة، الذي سجّل رقيماً آخر على المدخل نفسه، قال فيه: “جدّدَ المشهدَ الشهيرَ برأس الحسين “..” أحمد آغا المعروف بابن الشّرابدار “..” 1023 هـ”.

وفي (نفَس المهموم): في بعض الكتب رياض الأحزان للمولى حسن القزويني نقلاً عن بعض أرباب المقاتل أنّه قال: لمّا سافرتُ إلى الحجّ فوصلتُ إلى حماه رأيت بين بساتينها مسجداً يُسمّى مسجد الحسين عليه السلام قال: فدخلتُ المسجد فرأيت في بعض عماراته سِتراً مسبلاً من جدار، فرفعتُه ورأيت حجراً منصوباً في جدار، وكان الحجر مؤرّباً فيه موضعُ عنقِ رأسٍ أثّر فيه، وكان عليه دمٌ متجمّد، فسألت من بعض خدّام المسجد ما هذا الحجر والأثر والدّم؟ فقال لي: هذا الحَجر موضع رأس الحسين عليه السلام، وضعَه القوم الذين ساروا به إلى دمشق، إلخ.

مشهد حمص

أوّل من أشار إلى وجود مشهد للإمام الحسين عليه السلام فيها هو ابن شهرآشوب المازندراني أيضاً مكان المشهد اليوم في شارع أبي الهول بالمدينة القديمة عُرف لمدّة بـ “الزاوية الحسنويّة”، وهو عبارة عن قطعة أرض موقوفة والأمر الذي كان معروفاً بين أهل المدينة حتّى وقتٍ غير بعيد أنّ الزاوية الحسنويّة كانت مِن قبلُ مشهداً للإمام الحسين عليه السلام، ثمّ عُرف المكان باسم “جامع عليّ والحسين”، ثمّ جُعل زاوية، وانتهى قطعة أرضٍ بور، محميّةٍ لما لها من صفة وقفيّة.

ويجدر هنا الإلفات إلى التغيّرات الجذريّة التي نزلت بالمدينة بعد أن حال أمرُ التشيُّع في شمال ووسط “سوريا” ومنها “حمص”، على يد العناصر العسكريّة القادمة من أطراف العالم الإسلامي، على موجة جهاد الصليبيّين وكان من آثاره أن بدّل صفة الكثير من معالمها وهذا منها.

مشهد بعلبك

وفيها مسجدٌ قديم خرِب، موقعه إلى جانب البركة المتكوّنة من نبع “رأس العين” المعروف وما بقي منه يدلّ على ما كان عليه في الماضي من عَظَمة وجلال والمتداول بين أهل المدينة أنّ أصلَه مشهدٌ أنشئ في المكان الذي نزله موكب السبايا القادم من “حمص” في طريقه إلى “دمشق” ومن الثابت المؤكّد أنّ الرّكب مرّ بـ “بعلبك” ونزلها، وأنّ أهل المدينة المضلّلين استقبلوه بمظاهر الزّينة والفرح والمكان يتوفّر فيه الشّرط الذي يطلبه قادة الرّكب بكونه بعيداً عن البلد بحيث يمتنع أو يصعب على أهلها الاتّصال بالسبايا، وبالتالي معرفة هويّتهم الحقيقية.

الاسم المتداول على ألسِنة الناس لهذا المكان هو “مسجد مشهد رأس الإمام الحسين عليه السلام” ولكنّ الاسم المدوّن في سجلّات مديريّة الآثار اللبنانيّة هو “مسجد الظاهر بيبرس”، نسبةً إلى الظاهر بيبرس المملوكي البندقداري (حكم: 658 – 676 هـ).

لكن الذي يؤخذ من الأدلّة والوثائق أنّ بيبرس هذا لا شأن له ببناء المشهد من قريب أو بعيد، وإنّما جرى تجديده بأمرٍ منه، يؤيّد ذلك المؤرّخ المعاصر عزّ الدين بن شدّاد (ت: 684 هـ) في الجزء الثاني من كتابه (الأعلاق الخطيرة) ويُستفاد من نصَّي رقيمَين أحدهما موجود حتّى اليوم على بعض جدران المسجد، والآخر منقول نقلاً موثّقاً أنّ أعمال التجديد الأولى بدأت في العام نفسه الذي مات فيه بيبرس، ومن ثمّ تابعها ابنه الملك السعيد، غايتهما من ذلك كلّه نزع صفة المشهديّة الأصليّة من خلال إضافة المحراب الذي يشهدُ بروزُه عن جسم البناء أنّه مضافٌ على هندستِه الأصليّة وكذا المنبر الذي ما يزال أساسُه ظاهراً إلى يمين المحراب.

إلّا أنّ الملاحظة الأبرز هي انعدام أثر المئذنة في خرائب هذا المسجد، مع أنّ جسمها من الأجزاء الأساسيّة في أيّ مسجد، كما أنّ أساسها تكون أمتن وأوثق بنياناً، وبالتالي أقدر على مقاومة عوامل الخراب المختلفة، لأنّها تحمل ثقلاً هائلاً على مساحةٍ ضيّقة نسبيّاً فعدمُ وجود أيّ أثر لمئذنة دليل على أنها لم تكن أصلاً.

فهذه أدلّةٌ على صحّة الاسم المتداول على ألسنة الناس وهو “مسجد مشهد رأس الحسين عليه السلام” يُضاف إلى هذه الأدلّة أنّه من المستبعد جدّاً ومن غير المألوف أن يُشاد مسجدٌ خارجَ البلد، كان يبعد عن سورها الجنوبيّ مسافة كيلو متر تقريباً هذا، ولقد انبعثت الهِمم قبل عدّة سنوات إلى تجديد بنائه، والأمل بعون الله تعالى في زوال العقبات التي تحول دون ذلك.

مَشهدا دمشق

1-“مشهد الرأس” وهو في بناءٍ مستقلّ، ملاصقٍ للجامع الأموي من شرقيّه، وقد بُني مؤخّراً بناءً متقناً وزُيّن من الداخل بهندسة إسلاميّة جميلة، وهو اليوم من المزارات المعروفة المقصودة ذكرَه ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، قال: “يُقال إنّ رأس الحسين بن عليّ عليه السلام وُضع به حين أُتي به إلى دمشق”، وذكره الهرَوي في (الإشارات) وسمّاه “مشهد الحسين وزين العابدين” فزاوجَ بينه وبين المشهد الآتي ذكرُه.

2-“مشهد زين العابدين” ومكانه ما بين المسجد الأموي و”مشهد الرّأس”، وله ذكرٌ عريض في تواريخ “دمشق”، وقد يُسمّى في بعضها القليل “مشهد عليّ بن الحسين” والظاهر أنّ تخصيص المشهد باسمه عليه السلام لأنّه كان يُشاهد فيه وهو يُصلّي أو يجلس، أثناء المدّة التي قضاها في “دمشق”، فكان أن أطلق أهلُ المدينة اسمَه على المكان بعد أن غادرها ودلالة ذلك تُدهِش المتأمّل، إذ أنّها تكشف عن مودّةٍ مضمرةٍ تجاه أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في قلب عاصمة الأمويّين.

مشهد عسقلان

وأمّا “مشهدُ عسقلان” الذي ذكرَه ابنُ شهراشوب، فقد ورد ذِكرُه أيضاً في تاريخ ابن خلّكان، وأيّده ابن بطوطة فذكره في رحلتِه، وقال: “مسجد عظيم سامي العلوّ”، مشيراً إلى أنّ الرّأس الشريف دُفن فيه قبل نقله إلى القاهرة على الرواية التي تقول بذلك، وكذا قال الهرَوي في (الإشارات)، وأنّ الرأس الشريف نُقل إلى القاهرة عندما استولى الفرنجة على عسقلان سنة 549 للهجرة.

العلة لسلوك الطريق الغريب في سير السبايا

للسبب الذي جعل موكب السبايا يُسلك به هذا الطريق غير المألوف للوصول إلى الشام، لا سيما وانه مناقض للرغبة المألوفة عند السلاطين بالتعجل في رؤية نتائج أعمالهم، وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا فهذا الطريق الطويل لا يتفق مع السرعة والتعجل الملازمين لمثل هذه الأحوال، كما انه أيضا يتعارض مع نية الوفد السائق للسبايا ورغبته بقبض عاجل ما ارتكب فلا بد من ضرورة ملحة أدت بان يُفرض على هذا الموكب السير بهذا الطريق.

وإرادة هذا المسلك لا بد إنها منحصرة بالرغبة الأقوى وهي رغبة يزيد لا رغبة الوفد، ولا بد إن هذه الرغبة كانت أقوى من رغبته برؤية الأسارى بأسرع ما يمكن ويظن البعض ممن التفت إلى بعد الشقة في مسير السبايا، إلا إنها ربما كانت لتجنب غضبة الناس عند رؤيتهم السبايا، لكنه لم يفسر لِم لم يحسب حساب غضبة الناس في الطريق الأخر الذي سلكه السبايا.

نحن نعتقد إن هذا التعليل صحيح لكنه يفتقر إلى التفسير؛ إن النظر إلى تاريخ البلدان في العصور الإسلامية الأولى وتدقيق أسماء المواضع التي مر بها ركب السبايا وطبيعة سكانها يكشف عن بشاعة العقل اليزيدي، ويؤكد فكرة إن بن معاوية لم يدخل في الإسلام طرفة عين، وانه نصراني الأم والتربية والمحيط والاستشارة.

إن الأماكن التي مر عليها ركب السبايا هي مدن الغالب على أهلها اعتناق النصرانية، وأنا اجزم إن خريطة هذا المسير ومنازل مسير السبايا قد كتب بها من قبل يزيد واحدة واحدة مختارا لطريق غير مسلوكة لا مشترك بينها إلا لكون سكانها من النصارى إن مدن شمال العراق ومدن الجزيرة وشمال بلاد الشام كتكريت والمناطق المحيطة بالموصل وحران ونصيبين والمناطق المحيطة بحلب غالب أهلها من النصارى كما يعرف كل مطلع على تاريخ وخطط هذه الأماكن، كما ان حماة وشيرز وكفر طاب كلها نصرانية، لقبيلة كنانة وهي فرع من قبيلة كلب، ولعل سكن قبيلة ربيعة وكلب النصرانيتان في هذه المناطق هو السبب في ترسخ النصرانية فيها منذ ما قبل الإسلام.

فيتضح الآن وللمرة الأولى وبشكل جلي إن هدف يزيد من هذا المسار غير المألوف كان استعراض أهل بيت آل الرسول سبايا أمام النصارى ليشمتوا بهم في سلوك منه اتسم بدناءة متوقعة وتشف بالإسلام مألوف منه، ختمها باستشهاده بأبيات ابن الزبعرى كما سجل التاريخ ذلك.

لقد عاش يزيد طوال حياته في كنف أمه النصرانية التي هجرت معاوية، فتربى عندها وعند أخواله النصارى على دينها ودينهم، ولم يسجل التاريخ إنه شهد للمسلمين جمعة ولا جماعة وأمه ميسون بنت بحدل نصرانية سريانية من قبيلة كلب كانت تتزين في قصر معاوية بالصليب وكانت ولادته في الماطرون وهي دير مسيحي يتبع اليوم لمنطقة “الضمير” شمال شرق مدينة دمشق، أما مكان وفاته فهي حوارين، وهي من أشهر بلدات صناعة الخمور في الشام وفيها دير حوارين “يسمى اليوم حصن حوارين” وسبع كنائس أبرزها كنيستا الرهبان والجعارة، ويكفي ذلك في معرفة حقيقة وحال من ولد في دير ومات في خمارة.

فان صحت تلك الروايات، فيمكن القول إن الخطة الأصلية كانت تقتضي الذهاب عبر الطريق السلطاني، لكنه ولسبب مجهول تم العدول عن سلوك هذا الطريق واللجوء إلى الطريق الذي بات معروفا، أو إن يكون قادة الركب سلكوا هذا الطريق تمويها على من يترصد لهم لغرض تحرير الأسارى لكن ما يهون الخطب إن القادسية المذكورة قد تكون القادسية التي هي قرب تكريت، وأما ما ذكره البهبهاني صاحب الدمعة الساكبة فلا يعتمد عليه لقوله عن نفسه: “وعثرت على أشياء أرسلها بعض معاصرينا في مؤلّفاتهم فأحببتُ ذكرها هنا وإن لم أقف عليها في الكتب المعتبرة” بل يحتمل إن ذكره لمرور الركب الحسيني بقصر بني مقاتل يمكن أن يكون قد حصل أثناء عودتهم من كربلاء إلى الكوفة بعد نهاية الواقعة، وليس أثناء خروجهم المفترض من الكوفة مرورا بالقصر.

كل ما مر ذكره هو جزء يسير من ظلم بني امية لآل بيت النبوة فبعد كل ما صنعه يزيد مع رجال ال بيت النبي لم يكفه ذلك بل عمد الى اذلالهم واذيتهم فامر ان يسلكوا بالركب الحسيني هذا الطريق الطويل المتعب الذي ذهب فيه الكثير من اطفال الحسين بسبب التعذيب والتعب والجوع فأي شخص ذلك هو يزيد؟

…………………………………..

المصادر
-من كتاب أطلس الحسين عليه السلام
-الهمداني: صفة جزيرة العرب ص 131
-تاريخ الطبري: ج 10 ص 60
-موقع منتدى الوارث
-موقع السرائر
-شبكة المعارف الاسلامية
-موقع العتبة الحسينية المقدسة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى