مقالات

التّوفيق بين آيات المساءلة في القرآن

قال تعالى :

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 6 – 9].

قد يُظنَّ أن الآيات المطروحة هنا على بساط البحث، والتي تصرح بكل تأكيد بأن الله يسأل الجميع عمّا فعلوه وارتكبوه، تنافي بعض الآيات القرآنية الأخرى في هذا الصعيد مثلما ما جاء في سورة الرحمان: (فيومئذ لا يُسأَل عن ذنبه إِنس ولا جان … يعرف المجرمون بسيماهم …)[الرحمن :39و41].

وكذا الآيات الأُخرى التي تنفي السؤال؟

فكيف يمكن التوفيق والجمع بين تلك الآيات والآيات الحاضرة التي تثبت قضية المساءلة يوم القيامة؟!

إِن الإِمعان في هذه الآيات كفيل بأن يكشف كل إِبهام عنها، فإِنه يستفاد من مجموع الآيات الواردة في مجال المساءلة في يوم القيامة أن الناس يمرون في ذلك اليوم بمراحل مختلفة متنوعة، ففي بعض المراحل لا يُسألون عن أي شيء مطلقاً، بل يُختم على أفواههم، وتتكلم أعضاؤهم وجوارحهم التي تحتفظ بآثار أعمالهم في نفسها، كشاهد حيّ لا يردّ يروي أعمالهم بدقة متناهية.

وفي المرحلة الأخرى يُرفع الختم عن أفواههم فيتحدثون ويُسألون فيعترفون عند ذلك ـ بعد مشاهدة الحقائق التي انكشفت في ضوء شهادة الجوارح ـ بأعمالهم، تماماً كالمجرم الذي لا يرى بُدّاً من الاعتراف بجرمه عند مشاهدة الأدلة العينية.

وقد احتمل بعض المفسّرين أيضاً في تفسير هذه الآيات، أنّ الآيات النافية للسؤال إِشارة إِلى نفي المساءلة الشفاهية، والآيات المثبتة إِشارة إِلى السؤال من الجوارح وهي تجيب بلسان الحال ـ مثل حمرة وجه الإِنسان خجلا من انكشاف جرمه ـ بالحقائق.

وفي هذه الصورة يرتفع التنافي بين هاتين الطائفتين من الآيات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى