نبوءة اهل الكتاب لن يضروا المسلمين بشيء
قال تعالى : {لَنْ يَضُرُّوكُم الَّا اذًى وَانْ يُقَاتِلُوكُم يُوَلُّوكُم الادبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} (آل عمران/ 111) .
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِلَّةُ ايْنَ مَا ثُقِفُوا الَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} (آل عمران/ 112) .
في هذين الآيتين من هذا البحث نلاحظ تنبؤات مهمّة :
1- «إنّ أهل الكتاب لن يتمكنوا أن يلحقوا بكم ضررا ذا بال ويهددوا وجود الإسلام والمسلمين بالخطر لأنّ اضرارهم طفيفة وغير مؤثرة» {لَنْ يَضرُّوكُم الَّا اذىً}.
إنّ كلمة «أذىً» وان شملت على حد قول «الراغب» في «المفردات» كل ما يلحق الضرر بروح الإنسان وجسمه ومتعلقاته لكنه نظرا إلى أنّها وردت بصيغة الاستثناء من جملة «لن يضروكم»، ومجيئها بصيغة النكرة أيضاً، دلّ ذلك على أنّ المقصود منها هي الاضرار الجزئية سواء كانت مبادرة بشكل كلام جارح، أو بشكل حركات استفزازية سطحية.
ولا تتأتى هذه النبوءة المستقبلية الصريحة إلّامن طريق الوحي نظراً إلى القوة العسكرية الهائلة التي كان يتمتع بها أهل الكتاب وبالأخص اليهود، وإلى حالة الضعف التي يعانى منها المسلمون من الناحية الظاهرية.
2- ثم يقول تعالى : إنّ هؤلاء سيكون نصيبهم الفشل والاندحار والفرار متى ما قاتلوكم وأثبتوا وجودهم في ميدان النزال : {وَانْ يُقَاتِلُوكُم يُوَلُّوكُم الادْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}.
إنّ هذا التنبؤ عن أنّ مصير اليهود وسائر أهل الكتاب هو الفشل والتراجع في كل حرب تقع بينهم وبين أصحاب النبي صلى الله عليه و آله لم يكن بالشيء اليسير ولا يتأتى هذا التنبوء من الطرق العادية أيضاً.
3- إنّ هؤلاء اليهود لن يصمدوا بحال من الأحوال، وأينما وجدوا كُتِبَ عليهم الذل والهوان إلّا بالارتباط باللَّه (وإعادة النظر في سلوكهم الخاطيء)، أو الارتباط بالناس والتبعية لهذا وذاك : {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِلّةُ ايْنَ مَا ثُقِفُوا الَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}.
وتحققت هذه الوعود والبشائر السماوية الثلاثة في عصر النبي كما ذكر التاريخ الإسلامي، وبالأخص أنّ اليهود في الحجاز وهم «بني قريظة»، و «بني النضير»، و «بني قينقاع»، و «يهود خيبر»، و «بني المصطلق»، قد خسروا الجولة في نهاية الأمر، وتواروا عن مسرح الحياة بعدما قاموا به من انتهاكات كثيرة، وتحركات مثيرة ضد الإسلام، هذا وإن لم يرد التصريح بذكر اليهود في الآيات السابقة، لكن يستفاد من القرائن الموجودة في هذه الآية والآيات المشابهة لها (كالآية 61 من سورة البقرة التي ذكر فيها اسم اليهود صريحاً).
إنّ هاتين الآيتين ناظرتان إلى اليهود، وبالأخص بالنسبة لما جاء في الآية الأخيرة من أنّ هؤلاء إنّما يستطيعون أن يمسحوا عن جبينهم وصمة الذل في صورتين :
الاولى : في صورة «الرجوع إلى اللَّه، وترك العصيان، والذنب، والفساد في الأرض»، ولا يتمّ ذلك (إلّا بحبل من اللَّه).
والثانية : في صورة «إتباع الناس والاتكال على الآخرين»، (وحبل من الناس).
وهذه الآية تشير إلى نفس الظاهرة المشهورة في حياة اليهود إلى يومنا هذا، وتاريخهم يفصح إمّا عن حالة الضياع والتشرد والذل، وإمّا عن حالة التبعية والانقياد للقوى الاخرى، وتسخير الذات في خدمة مقاصدهم السيئة، (وتشاهد الحالة الاولى في العصر الأخير في عهد النازيين والحالة الاخرى في يومنا هذا).
وبالرغم ممّا ذكره المفسرون من احتمالات متعددة لتفسير «حبل من اللَّه وحبل من الناس» إلّا أنّ ما تقدم ذكره آنفاً هو الأنسب ظاهراً، ويمكن الأخذ ببعض تفاسير هؤلاء بعنوان مصداق لهذا المفهوم الكلي …