هشام بن الحكم. . قبس من نور الصادق
عندما تكون النفس نقية طاهرة صافية خالية من أدران الدنيا فإن الله سينير لها الطريق المستقيم الأبلج، ويوضح لها معالم الهداية حتى وإن نبتت في غير منبتها ودرجت في غير نشأتها، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)، فليس بالضرورة أن تكون البيئة والمعتقد الذي ينشأ عليه الإنسان هما الحق، بل إن الله تعالى أمرنا بالتفكّر في الكثير من آياته والبحث لكي نصل إلى الحقيقة، وهذه الحقيقة تنكشف لتلك القلوب المؤمنة التي امتحنها الله بالإيمان، فإنها تكون في حضيرة الإيمان وإن جاءت من أرض غير أرضها، كما إن الأحاسيس التي يخلقها الله في ذلك الإنسان هي التي تولد انطباعاً لديه بأنه ينتمي إلى من يحمل نفس هذه الأحاسيس.
وهذا ما يتضح جلياً في حياة مفخرة من مفاخر الشيعة، وعلم من أعلام أصحاب أهل البيت، ولسان من ألسنتهم الناطقة بالحق وهو الفقيه المتكلم هشام بن الحكم الشيباني الكوفي الذي كان على رأي مذهب الجهمية وهي فرقة تتفق مع المعتزلة في الكثير من الآراء وتنسب إلى (جهم بن صفوان) الذي أظهر بدعته في (ترمذ) وقتل في مرو.
سؤال وهداية
كان الإمام الصادق (ع) قد عرف هشاماً وسمع عن قابليته في علم الكلام، فتوجه إليه ليرشده إلى الحق ويدله على الهدى، فسأله الإمام عن مسألة فلم يجد هشام جواباً لها وحار فيها، فسأله أن يؤجّله فأجّله، ومرّت أيام كان فيها هشام يجتهد في الحصول على الجواب لكنه لم يستطع، فرجع إلى الإمام فأخبره (ع) به. ثم سأله الإمام مسألة أخرى فيها فساد مذهبه. فخرج هشام مغتّما متحيّراً.
يقول هشام في ذلك: (فبقيت أيّاماً لا أفيق من حيرتي)، ثمّ جاء هشام إلى الإمام واستأذن في الدخول عليه، فقال (ع) لأحد أصحابه قل له: لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة.
فسرّ هشام بذلك وسبقه إلى الموضع. يقول هشام: (فأقبل (ع) على بغلة فلمّا قرب منّي هالني منظره وأرعبني، حتى بقيت لا أتفوّه، ولا ينطق لساني، ووقفت مليّا، وكان وقوفه لا يزيدني إلاّ تهيّباً وتحيّراً. فلمّا رأى ذلك منّي ضرب بغلته وسار، وعلمت انّ ما أصابني لم يكن إلاّ لأمر من الله).
الحقيقة واعتناقها
لقد كان هشام يبحث عن الحقيقة فوجدها، ولم يكن دخوله على الإمام تعنّتاً بل تعلّماً فلما رأى أنه لا يستطيع الإجابة على أسئلة الإمام عرف بأنه الحق الذي يجب أن يُتبع، كما شاهد من هيبة الإمام (ع) وعلمه وشمائله وحسن بيانه وقوة حجته مالم يرَ في غيره، فدلّه قلبه على أن هذا الإمام هو خليفة الله في أرضه ووريث أنبيائه فترك مذهبه، ودان بدين الحق واعتنق التشيّع، وصار من أخلص أصحاب الإمام الصادق وأعلم طلابه، حتى قال فيه (ع): (هشام بن الحكم رائد حقنا، وسائق قولنا، المؤيّد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أثره تبعنا، ومن خالفه وألحد فيه فقد عادانا وألحد فينا)، ورفع (ع) مكانه بين الشيوخ وهو غلام وقال في حقه: (هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده).
الولادة والنشأة وتوريث العلم
كان هشام بن الحكم كوفي الأصل ولد في بداية القرن الثاني الهجري في واسط، وانتقل إلى الكوفة، وكان يمتهن التجارة ويعيش منها، ومركز تجارته بغداد، ومنزله منها في محلة الكرخ في قصر وضّاح، فكان يتردد بين الكوفة وبغداد وكان يتاجر بالخرز، وتدلنا الروايات على أنّ لهشام أخاً اسمه محمد بن الحكم، كان أحد رواة الحديث، كما تدلنا أيضاً على أن له ولداً يُدعى الحكم بن هشام بن الحكم الكندي سكن البصرة وكان مشهوراً بعلم الكلام، وله مجالس كلامية كثيرة تؤثر عنه. ولهشام أيضاً بنت تُدعى فاطمة.
رجل الكلام
عاش هشام في الكوفة التي كانت تحتدم في زمانه فيها شتى الأفكار والتيارات والمذاهب، فكثرت المجالس وحلقات الدروس المختلفة، وكانت الخصومات والنزاعات الفكرية المذهبية على قدم وساق بين أصحاب المذاهب المختلفة، وكلّ قد أعد عدّته للاستظهار على خصمة بشتى الوسائل والطرق، فكان لعلم الكلام مكانة خاصة لأهميته في حسم النزاعات والانتصار للمذهب وتأييد الرأي، وكان هشام من أبرز رجال هذا العصر في هذا العلم وقد امتاز بقوة شخصيته التي جعلته محط أنظار علماء عصره.
قال عنه ابن شهر آشوب في المناقب: (كان ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب بالنظر).
وقال عنه ابن النديم: (هو أحد كبار الشيعة الإمامية، ومن وجوه أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) في القرن الثاني الهجري، وأحد متكلمي الشيعة وبطائنهم الذي فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب وسهل طريق الحجاج فيه).
هشام مصدر قلق السلطة العباسية
كان هشام شديد الإخلاص لآل البيت (ع)، قوي الإيمان، راسخ العقيدة، صلباً في دفاعه عن مذهب الحق, قوياً في تفنيد آراء المخالفين، حتى صار مصدر قلق للسلطة العباسية، وقد حاول الرشيد الفتك به والقضاء عليه بعد أن رأى تفوقه على أكثر المتكلمين من أصحاب المذاهب الاخرى، وقد اشتهر قوله بعد مناظرة وقعت في مجلس يحيى بن خالد البرمكي بين هشام ومخالفيه حول الإمامة وكانت الغلبة لهشام وكان الرشيد يستمع إلى المناظرة من وراء الستر فغضب وقال:
(إن لسان هشام أوقع في نفوس الناس من ألف سيف).
رجل المناظرات
كان لهشام مكانة خاصة في نفس الإمام الصادق (ع) لما عرف من إخلاصه وولائه وقوة شخصيته، وتدلنا رواية الكليني على مدى المنزلة العظيمة التي كان يتمتع بها هشام عند سيده الصادق (ع) فقد روى الكليني عن يونس بن يعقوب قوله:
(كنت عند أبي عبد الله الصادق (ع) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك. فقال أبو عبد الله (ع): كلامك هذا من كلام رسول الله (ص) أم من عندك ؟ فقال: من كلام رسول الله (ص) بعضه، ومن عندي بعضه. فقال له أبو عبد الله (ع): فأنت اذن شريك رسول الله (ص)!. قال: لا. فالتفت أبو عبد الله إليّ فقال: يا يونس بن يعقوب لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس: فيا لها من حسرة. فقلت: جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا ما لا نعقله. فقال أبو عبد الله (ع): إنما قلت: ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون.
ويواصل ابن يعقوب روايته لتتبين مكانة هشام ومزلته في المناظرة، فيقول: أخرج أبو عبد الله (ع) رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب، فقال: هشام ورب الكعبة. فظننا أن هشاماً ـ الذي قصده الإمام (ع) ـ من ولد عقيل وكان شديد المحبة لأبي عبد الله، فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من هو أكبر سناً منه.
قال: فوسّع له أبو عبد الله (ع) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده. ثم طلب الإمام (ع) من أصحابه أن يكلّموا الشامي، فكلموه حتى وصل الدور إلى هشام. فقال الإمام للشامي: كلم هذا الغلام، يعني هشام بن الحكم، فقال الشامي: يا غلام سلني في إمامة هذا ـ يعني الإمام الصادق (ع) ـ فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال له: أخبرني يا هذا أربك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه. قال: ففعل بنظرة لهم في دينهم ماذا ؟ فقال: كلفهم وأقام لهم حجة ودليلاً على ما كلفهم، وأزاح في ذلك عللهم. فقال له هشام: فما هذا الدليل الذي نصب لهم ؟ فقال الشامي: هو رسول الله (ص). قال هشام: بعد رسول الله من ؟ قال: الكتاب والسنة. قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع عنا الاختلاف، ويمكنا في الاتفاق ؟ قال: نعم. قال له هشام: فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أن الرأي طريق الدين ؟ وأنت تقرّ بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي كالمفكّر فقال له الإمام : ما لك لا تتكلم ؟ قال: إن قلت أنا ما اختلفنا كابرت، وإن قلت إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه.. (1)
ونكتفي بهذا القدر من هذه المناظرة الطويلة التي أفحم فيها هشام الرجل الشامي الذي قال في نهاية المناظرة للإمام الصادق بعد أن هداه هشام إلى إمام الحق: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأنك وصي الأنبياء.
ويجد القارئ فيما نقلناه من هذه المناظرة مقدار علم هشام في علم الكلام، حيث تنتهي هذه المناظرة بخروج الشامي من مجلس الإمام وهو يذعن للحق ويهتدي إلى الرشاد، ومناظرات هشام في هذا المجال كثيرة جداً جنّد فيها نفسه لخدمة الحق وأهله ونشر مبادئ الإسلام الحقة، ورفع الغشاوة عن القلوب التي تاهت في الضلال.
دلائل الإمامة عند هشام
كان هشام يدلي بحجته القوية بأحقية الأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) بالأمر من غيرهم من الأمويين والعباسيين، لذلك تعرض لضغوط السلطة ثم لمطاردتها له، فخرج متخفياً وصار مشرداً في البلدان، ومن مناظراته في هذا الجانب ـ أي الإمامة ـ ما ورد في علل الشرائع: (أن هشاماً سُئل عن الدليل على الإمام بعد النبي (ص) ؟ فقال:
الدلالة عليه ثمان دلالالت: أربع منها في نعت نسبه، وأربع منها في نعت نفسه. أما الأربع التي في نعت نسبه: فأن يكون معروف القبيلة، معروف الجنس، معروف النسب، معروف البيت.
وذلك أنه إذا لم يكن معروف القبيلة معروف الجنس معروف النسب معروف البيت جاز أن يكون من أطراف الأرض، وفي كل جنس من الناس، فلما لم يجز أن يكون الدليل إلا في أشهر الأجناس، ولما لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لشهرته، لم يجز أن يكون إلا هكذا، ولم نجد جنساً في العالم أشهر من جنس محمد (ص)، وهو جنس العرب الذي منه صاحب الملة والدعوة الذي ينادي باسمه في كل يوم وليلة وخمس مرات على المساجد وفي جميع الأماكن (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله)، ووصلت دعوته الى كل بر وفاجر من عالم وجاهل، معروف غير منكر في كل يوم وليلة.
فلم يجز إلا أن يكون في هذه القبيلة التي فيها صاحب الدعوة لاتصالها بالملة، ولم يجز أن يكون إلا في هذا البيت الذي هو بيت النبي لقرب نسبه من النبي (ص) إشارة إليه دون غيره من أهل بيته، ثم إن لم يكن إشارة إليه، اشترك أهل هذا البيت وادعيت فيه، فإذا وقعت الدعوة فيه وقع الاختلاف والفساد بينهم، ولا يجوز أن يكون إلا من النبي إشارة إلى رجل من أهل بيته دون غيره لئلا يختلف فيه أهل هذا البيت إنه أفضلهم وأعلمهم وأصلحهم لذلك الامر.
وأما الأربع التي في نعت نفسه فأن يكون أعلم الخلق، وأسخى الخلق، وأشجع الخلق، وأعفّ الخلق، وأعصمهم من الذنوب صغيرها وكبيرها، لم تصبه فترة ولا جاهلية، ولا بد من أن يكون في كل مكان قائم بهذه الصفة الى أن تقوم الساعة (2) .
مناظرة هشام مع شيخ المعتزلة
ومن مناظراته التي دلت على علميته الكبيرة في علم الكلام مناظرته مع عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة في وجوب نصب الإمام في الأمة ونوردها هنا كما وردت في الكافي للدلالة على تزعمه هذا العلم فجاء فيها ما نصه:
قال هشام: (دخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجدها، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد والناس يسألونه فاستفرجت الناس فافرجوا لي، قلت: أيّها العالم إنّي غريب تأذن لي في مسألة ؟ فقال لي: نعم. فقلت له: ألك عين ؟ فقال لي: يا بني ايّ شيء هذا من السؤال، وشيء تراه كيف تسأل عنه ؟؟ فقلت: هكذا مسألتي. فقال: يا بني سل وان كانت مسألتك حمقاء. قلت: أجبني فيها. قال: سل. قلت ألك عين ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها ؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص. قلت: ألك أنف ؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به ؟ قال: أشمّ به الرائحة. قلت: ألك فم ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: أذوق به الطعم. قلت: فلك اُذن ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها ؟ قال: اسمع بها الصوت. قلت: ألك قلب ؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به ؟ قال: اميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواس. قلت: أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ قال: لا. قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ؟ قال: يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته، أو رأته، أو ذاقته، أو سمعته ردّته إلى القلب، فيستقين اليقين ويبطل الشك. قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح ؟ قال: نعم. قلت لابدّ للقلب، وإلاّ لم تستيقن الجوارح ؟ قال: نعم. فقلت له: يا أبا مروان، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحّ لها الصحيح، وتتيقّن به ما شككتَ فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟ فسكت.قال هشام: ثمّ ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه، وما نطق حتى قمت)
محاولة الإيقاع به عند السلطة
ونظراً لما كان يمتاز به هشام من سرعة البديهة وغزارة العلم وعميق الفكر فقد ترأس وفد الشيعة في مجلس يحيى البرمكي الذي كان يضم علماء الفرق ورؤساء الأديان وأهل الآراء، فكان هشام يفحمهم بحججه الباهرة، وقد حاول بعضهم أن يوقع الشر في قلب الرشيد على هشام فألقى إليه سؤالا في قضية مخاصمة العباس لعلي (ع) في ميراث النبي (ص)، وكان الرشيد يحضر ذلك المجلس من وراء الستر وهشام لا يعلم به، فقال السائل : يا أبا محمد ـ وهي كنية هشام ـ أما علمت أن علياً نازع العباس إلى أبي بكر ؟ فقال هشام: نعم فقال السائل : فأيهما كان الظالم لصاحبه؟ رد عليه هشام بما عرف عنه من سرعة البديهة وحضور الجواب: لم يكن فيهما ظالم فقال السائل : أفيختصم اثنان في أمر وهما محقان ؟ فقال هشام : نعم اختصم الملكان إلى داود وليس فيهما ظالم، وإنما أرادا أن ينبهاه، كذلك اخصم هذان إلى أبي بكر ليعلماه ظلمه!
هشام رجل العلم مع تلامذته
ومما يدل على سعة علمه أن علي بن إسماعيل الميثمي الذي كان في سجن هارون الرشيد قال عندما سمع بأنّ السلطة تتعقب هشام بن الحكم : (إنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما يمضي من العلم إن قتل) ! يعني إن قتل هشام يمضي معه العلم ويموت بموته، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما يمضي معه من العلم ويفوت بفواته إن قتل أو مات، ثم يقول علي بن إسماعيل (فلقد كان عضدنا وشيخنا وأستاذنا) وكان هشام أستاذ علي بن إسماعيل.
من جملة تلامذة هشام: أبو جعفر محمد بن جليل السكاك، وأبو الحسن علي بن منصور الذي يعد من شيوخ متكلمي الشيعة وله كتاب في التوحيد والإمامة، ويونس بن عبد الرحمن وهو من أصحاب الإمام موسى الكاظم (ع)، كان عالم زمانه وخليفة هشام في ردّ المخالفين، وقد ألّف ثلاثين كتاباً
قوة حجته
ولهشام الكثير من الأجوبة المفحمة من ذلك ما نقله ابن النديم عنه قوله بعد وصفه بقوة الحجة وسرعة البديهة: ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاّه الله في سمائه فعزلوه ـ يعني علياً (ع) ـ وإلى من عزله الله من سمائه فولّوه ـ يعني أبا بكر ـ ثم يذكر مبلغ سورة براءة ومرد أبي بكر وإيراد علي بعد نزول جبرئيل قائلاً لرسول الله : (لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك) فرد أبا بكر وأنفذ عليا.
المناظرة مع الجميع
ولم تقتصر مناظرات هشام مع المخالفين من المذاهب الأخرى حول الإمامة والمذهب، بل ناظر في كل الملل والأديان، ومثلما ناظر الأباضية وأبا حنيفة وإبراهيم بن يسار المعتزلي وأبا الهذيل العلاف وأبا شاكر الديصاني وغيرهم، فقد ناظر الجاثليق والأثنينية والبراهمة كما ناظر الملحدين والزنادقة وعلى رأسهم عبد الكريم بن ابي العوجاء، ومناظراته أكثر من أن تحصى في ذلك وقد امتلأت كتب التاريخ بها فأصبح رمزاً للمناظرة وظاهرة يُستدل بها على قوة الحجة وسطوع الادلة.
التفاني بالموت من أجل الحق
لقد سخّر هشام كل طاقاته، وبذل غاية مجهوده، وضحّى بحياته في سبيل الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت (ع)، والقضاء على البدعة، وكان يستمد تعاليمه من ينابيع صافية ومناهل غدقة، ألا وهي مدرسة الوحي المتمثلة في الأئمة الطاهرين (ع)، والتي عاشت في زمن هشام أرقى الفترات التي مرت بها في عهد الامام الصادق (ع)، فكانت جامعة اسلامية كبرى لشتى العلوم فوجد فيها مع طلاب العلم ضالتهم المنشودة وغايتهم المطلوبة.
وقد واجه المخاطر والشدائد في محاربة البدع والفتن والضلالات والأباطيل التي أرادت الكيد بالإسلام، فلم يهن ولم ينثن عن نشر الحق والهدى، فلاحقته السلطة العباسية وطلبه الرشيد أشد الطلب حتى وافاه الأجل في الكوفة وأوصى أن يحمل جثمانه في جوف الليل ويدفن بالكناسة وتكتب على قبره رقعة: هذا قبر هشام بن الحكم الذي طلبه الرشيد مات حتف أنفه.
مؤلفات هشام
وقد ترك هشام مؤلفات كثيرة وآثار خالدة في شتى المواضيع في التوحيد والنبوة والإمامة وغيرها وقد ذكر ابن النديم في فهرسه سبعة عشر مؤلفاً منها أكثرها في الردود على المخالفين.
كما عدّ المؤرخون هشاماً من كبار مؤلفي الشيعة وعلمائهم وكانت له ريادة في العلوم ويعتبر كتابه (الالفاظ) هو أول كتاب في علم اصول الفقه، وإضافة إلى الألفاظ فلهشام عدد كبير من المؤلفات منها:
1 ــ الردّ على من قال بإمامة المفضول.
2 ــ الردّ على الزنادقة
3 ــ الردّ على أرسطاطاليس في التوحيد
4 ــ الردّ على المعتزلة وطلحة والزبير
5 ــ الردّ على أصحاب الاثنين
6 ــ الردّ على هشام الجواليقي
7 ــ الردّ على أصحاب الطبائع
8 ــ الوصية والردّ على منكريها
9 ــ اختلاف الناس في الإمامة
10 ــ المجالس في الإمامة
11 ــ الدلالة على حدوث الأجسام
12 ــ الأشياء.
13 ــ علل التحريم
14 ــ الفرائض
15 ــ الإمامة
16 ــ التوحيد
17 ــ الجبر
18 ــ القَدَر
19 ــ الاستطاعة
20 ـــ الحكمين
21 ــ الأخبار
22 ــ الألفاظ
23 ــ المعرفة
24 ــ الميزان
25 ــ التدبير
26 ــ التمييز
27 ــ إثبات الحجج على من خالف الشيعة
28 ـــ تفسير ما يلزم العباد الإقرار به.
أقوال الأئمة بحق هشام
بقي أن نذكر أن هشام قد تقلد بأوسمة العقيدة والإيمان، وهذه الأوسمة هي كلمات مضيئة قيلت في حقه من قبل الائمة المعصومين (ع) دلت على مكانته السامية ومنزلته الرفيعة فمن أقوال الإمام الصادق في حقه ؟ (يا هشام ما زلت مؤيداً بروح القدس)، وقوله: (هذا ناصرنا بقلبه ولسانه)، وقوله: (هشام رائد حقنا، المؤيد لصدقنا، والدافع لباطل أعدائنا، من تبعه وتبع أمره تبعنا، ومن خالفه فقد عادانا).
كما ورد في حقه قول للإمام الرضا (عليه السلام) عندما سئل عنه: (رحمه الله كان عبداً ناصحاً).
توفي هشام في الكوفة سنة (179هـ).
………………………………………………….
1 ــ الكافي ج 1 ص 71
2 ــ ج 1 ص 204