مقالات

الفاطر – الباري – الخالق – البديع – المصوّر

نّ الصفات الخمس المذكورة أعلاه هي بالحقيقة مشابهة لصفة (الخالق) ، لكنها ممزوجة مع مفاهيم ومعانٍ ومسائل جديدة ، لنتمعن خاشعين في الآيات التالية :

1- {فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ}. (1) (يوسف/ 101)

2- {هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ الْمُصَوّرُ}. (2) (الحشر/ 24)

3- {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الحَبِّ وَالنَّوَى‏}. (الأنعام/ 95)

4- {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}. (الأنعام/ 96)

5- {بَدِيعُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ}. (3) (الأنعام/ 101)

توضيح وبلاغ :

إنّ كلمة (فاطر) مشتقة من مادّة (فَطْر) (على وزن سَتْر) ، وتعني الإنفطار أو (الإنفطار الطولي) ، كما ورد في الآية : {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ}. (الانفطار/ 1)

وقد وردت هذه الكلمة أيضاً بمعنى‏ حَلْب الشاة ، وإفطار الصوم ، وابتداع وإيجاد شي‏ء لأول مرّة وقد يُراد بها انفطارُ حجابِ ظلماتِ العدم ودخول الموجودِ إلى عالمِ الوجود.

وجاءت كلمةُ (الباري) من مادّة (بُرء) على وزن‏ (قُفل) وهي في الأصل بمعنى الشفاء من مرض أو التخلُّص من الأمور غير المرضية ، وأُطلقت فيما بعد على الخالق الذي يوجِد الأشياء دون نقيصة أو خلل وبصورة موزونة تماماً.

ويعتبرها البعض بأنّها مشتقّة من مادّة (بَرْي) أي بري الخشب ، ومن الواضح أنّ المقصود من بري الخشب هو صقله وتعديله وموازنة أضلاعه ، وهذا ما يصدق تماماً بالنسبة إلى الخالق الحكيم لأنّه يخلق كُلّ شي‏ء بصورة موزونة.

وصرح البعض الآخر أيضاً بأنّ‏ (الباري) معناها مَن يُوجِد الأشياء دون أن يكون لها نمودجٌ سابقٌ.

و(الفالق) من مادّة (فلْق) على وزن‏ (خلق) ومعناه : فلقُ الشي وفصلُ جزءٍ عن آخر ، ويستعمل هذا التعبير في فلق النباتات (إنباتها) إذ ينفلق قشرُ بذورها ونواها بأمر الباري‏ تعالى على الرغم من استحكامها وسُمكها ، وتخرجُ براعم لطيفة وظريفة جدّاً من ذلك الخفاء!

وبالحقيقة أنّ انفلاق بذور النباتات أثناء تفتحها يُعدُّ من أدق وأجمل لحظات وجود النبات وتشبه بالضبط لحظة خروج الإنسان من بطن أُمّه ، وهذه اللحظة الحساسة تُعد من عجائب قدرة اللَّه ، إنّها لحظة التحوُّل والتغيُّر الشكلي والانتقال من عالمٍ إلى عالمٍ آخر.

ماهذة القوة التي تمنح هذا البرعم الظريف جدّاً القوة على اختراق جدار النواة المحكم ليبرز منتصباً من ذلك المهد ، ويخرج من ظلمات رحم أمّه إلى عالم الظهور؟!

وكلمة (بديع) من مادة (بدع) على وزن‏ (منع) ، وكما أشرنا سابقاً فهي بالأصل بمعنى إيجاد الشي‏ء دون وجود نموذج سابقٍ ، لذا يُطلق على البئر المحفور حديثاً (بديع) ، وعلى الأعمال والسُّنن التي لا سابقة لها (بدعة).

وعندما تُستعمل هذه الكلمة بالنسبة إلى الباري فإنّها تعني إيجاد الشي دون الحاجة إلى الآلات والمكان والزمان ، وهي تصدق فقط بحقه سبحانه.

وكلمة (بديع) صفة مشبّهة تدلّ على ثبوت واستمرار هذه الصفة لتلك الذات المقدّسة (4).

وجاءت كلمة (مصوّر) من مادّة (صورة) ، بمعنى رسم وشكل الشي‏ء ، وجمعها (صُوَر) وهي على نوعين : (الصورة المحسوسة) كصورة الإنسان والحيوانات والموجودات الماديّة الاخرى ، و(الصورة المعقولة) وهي التصورات العقليّة والفكريّة والمفاهيم الخاصّة بكل شي‏ء.

وتستعمل كلمة (المصوّر) بخصوص الباري سبحانه وتعالى عندما يُراد الإشارة إلى الصور التي وهبها للموجودات المختلفة.

إلّا أنّ بعض أرباب اللغة يعتقد بأنّ هذه الكلمة تعني في لغة العرب التغيير والتحوير ، (والصورة) بمعنى (الشكل والهيئة) ، مأخوذة من الأصل العبري (صوراه).

______________________________
(1) ورد هذا التعبير في ست آياتٍ من القرآن الكريم : الأنعام ، 4؛ إبراهيم ، 10؛ فاطر ، 1؛ الزمر ، 46؛ الشورى ، 11؛ والآية الواردة في البحث.

(2) ورد هذا الوصف في الآية 54 من سورة البقرة أيضاً.

(3) ورد نفس هذا التعبير في الآية 117 من سورة البقرة.

(4) المفردات؛ لسان العرب؛ التحقيق؛ ومقاييس اللغة (وقد ذُكر في مقاييس اللغة مفهوم آخر لها وهو الإنقطاع والتعب).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى