مقالات

مالك الأشتر النخعي اليماني

مالك الأشتر هو مالك بن الحارث النخعي اليماني الشهير بـالأشتر أيضاً (ت39هـ)، من أبرز قادة جيش الإمام أمير المؤمنين  ومن وجوه العراق وشجعانه.

ويعدّ الأشتر من خاصّة أمير المؤمنين ومن أبرز قادة جيشه في معركتي الجمل، وصفين، وقد أوكل إليه ولاية مصر التي استشهد في طريقه إليها، وهو صاحب العهد المشهور الذي كتبه له أمير المؤمنين  حينماً عيّنه والياً على مصر.

نسبه ولقبه وموطنه:

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث ابن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج.[1]

لم تُعرف سنة ولادته على وجه التحديد، ولكن يمكن تخمينها وتقريبها- اعتماداً على بعض القرائن- بين سنتي 25 – 30 قبل الهجرة النبوية الشريفة، أو ما يقارب ذلك، ولكن من الواضح أنه يمني المولد والمنشأ.

لـُقّّب بالأشتر; لأنه شُترت إحدى عينيه في معركة اليرموك سنة 15 هـ/ 736 م بين المسلمين والروم.[2]

كان زعيماً في قومه ومن أعيانهم في الجاهلية، هاجر من اليمن إلی الكوفة في سنة 12 أو 13 للهجرة (632 أو633م)، وله عقب فيها. کان خطيباً مفوّهاً، شاعراً فصيحاً، جواداً حليماً، فارساً شجاعاً شديد البأس، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق‏.[3]

حضوره لدفن أبي‌ ذر:

روى ابن أبي الحديد المعتزلي حديثاً عن النبي الأكرم يشهد على إيمان مالك الأشتر جاء فيه: روى المحدثون حديثاً يدل على فضيلة عظيمة للأشتر، وهي شهادة قاطعة من النبي بأنه مؤمن…والحديث هو: أنّه لمّا حضرت أبا ذر الوفاة، وهو بالربذة أدركه مالك الأشتر وصحبه، فقال لهم أبوذر: أبشروا فإنّي سمعت رسول الله يقول لنفر أنا فيهم: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين»، وليس من أولئك النفر إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت.[4]

الإبعاد إلى الشام وحمص:

لمّا قال سعيد بن العاص والي عثمان بن عفان على الكوفي، يوماً: إن السواد– يعني أرض العراق- بستانلقريش وبني أميّة، ردّ عليه الأشتر النخعي مستنكراً: وتزعم أن السواد الذي أفاءه الله على المسلمينبأسيافنا بستان لك ولقومك! فقال صاحب شرطته عبد الرحمن الأسدي: أترد على الأمير مقالته! وأغلظ له، فقال الأشتر لمن كان حوله من النخع وغيرهم من أشراف الكوفة: ألا تسمعون! فوثبوا عليه بحضرة سعيد، فوطئوه وطأً عنيفاً، وجروا برجله، فغلظ ذلك على سعيد بن العاص، فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم، فكتب إليه أن يسيّرهم إلى الشام، لئلا يفسدوا أهل الكوفة.[5]

والمبعدون إلى الشام حسب رواية ابن أبي الحديد تسعة: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم، وأنّه كان لهم مع معاويةبالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم، كتب معاوية – على أثرها – إلى عثمان في أمرهم، فكتب إليه أن ردّهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة. فردهم، فأطلقوا ألسنتهم في ذمّه وذم عثمان وعيبهما. فكتب إليه عثمان أن سيرهم إلى حمص، إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فسيرهم إليها.[6]

وفي رواية أخرى أنّه بلغ معاوية أن قوماً يأْتون إلى هذه الثلة المبعدة، فأمر معاوية بإشخاصهم – أي أخرجهم بعد أن خشي منهم- إلى حمص.

وجاء في الكتاب الذي أرسله سعيد بن العاص إلى عثمان أسماء المبعدين، وهم: عمرو بن زُرَارة، وكميلُ بن زياد، ومالكُ بن الحارث (مالك الأشتر)، وحُرْقُوص بن زُهَيْر، وشُرَيْح بن أوْفى، ويزيدُ بن مُكَنَّف، وزيدُوصعْصَعَةُ إبنا صُوحَان، وجُنْدُب بن زُهَيْر.[7]

وقال ابن شبّة (المتوفى 262 هـ) في ذيل كلامه السابق: فكانوا بها – أي: في حمص- حتى اعتزم أهلالكوفة على إخراج سعيد، فكتبوا إليهم، فقدموا.[8]

حاكم الكوفة:

ما إن ذهب سعيد بن العاص إلى المدينة، اتجه في نفس الوقت جماعة من أهل الكوفة فيهم الأشتر النخعي يطالبون الخليفة عَزلَ سعيد عن الكوفة، فأبى عثمان ذلك، وأمر سعيد بالرجوع إلى إمارته، لكنّ الأشتر سبقه إلى الكوفة، وكلّم أهلَ الكوفة بما جرى، وما يرومه سعيد بن العاص، فبايعه عشرة آلاف على أن لا يدخل الكوفة وتصدى الأشتر لإدارة الأمور في الكوفة فأقام الجمعة وعيّن أحد القرآء لإمامة الجماعة وآخر لبيت المال.[9]

وكتب الأشتر إلى عثمان: أنا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسد عليك عملك، ولكن لسوء سيرته فينا وشدّة عذابه، فابعث إلى عملك مَنْ أحببت. فكتب إليهم: انظروا من كان عاملكم أيام عمر بن الخطابفولّوه، فنظروا فإذا هو أبو موسى الأشعري، فولوه.[10]

حصار عثمان:

حينما كان المعترضون على عثمان مجتمعين في المدينة انسحب الأشتر الذي كان على رأس الكوفيينوحكيم بن جبلة رأس البصريين، إلا أن ابن عديس عاد إلى حصار عثمان بعد أن أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر يطلب منه أن يقتل بعضهم – أي بعض الثوار- وأن يصلب بعضهم‏.[11] وبعد أن قتل عثمان جاء الأشتر على رأس وفد لمبايعة أمير المؤمنين.[12]

حروب أمير المؤمنين :
كان الأشتر في معركة الجمل على ميمنة جيش أمير المؤمنين .[13] وفي تلك المعركة اعترض عبد الله بن الزبير الأشترَ، وكان ابن الزبير قد أخذ بزمام جمل عائشة، وجرح جرحاً بليغاً في صراعه مع مالك الأشتر، وكان يرغب في قتل مالك حتّى لو كلّفه ذلك حياته وطالت المصارعة بينهما حتى أنّ ابن الزبير قال: «اقتلوني ومالكاً * واقتلوا مالكاً معي». وشد أناس من أصحاب علي  وأصحاب عائشة فافترقا وأنقّذ كل واحد من الفريقين صاحبه.[14]

ولمّا فرغوا من المعركة اشترى مالك الأشتر جملاً بسبعمائة درهم، وبعث به إلى عائشة بيد أحد رجاله، وقال لها: هذا عوض من بعيرك‏، إلا أنّها رفضت استلام البعير.[15]

صفين:

كان مالك الأشتر من أبرز قادة جيش أمير المؤمنين  ولمّا لاحت أمارات القهر والغلبة، ودلائل النصر والظفر وضحت وأشرف الأشتر على معسكر معاوية ليدخله فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع ورفعوا المصاحف، وكان ذلك برأي عمرو بن العاص، وقد حصل ذلك عقيب ليلة الهرير المعروفة، فانطلت الخديعة على طائفة كبيرة من جيش الإمام  يقدر عددهم بعشرين ألفاً، أحاطوا بمقر الإمام طالبين منه أن يرجع الأشتر والقبول بالتحكيم، ولم ينفع معهم نصح الإمام وبيان وجه الخديعة، فلمّا أصروا أرسل  إلى الأشتر يزيد بن هاني أن ائتني، فأتاه فأبلغه، فقال الأشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي، إنّي قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني إلى  فأخبره، في تلك الأثناء ارتفع الرهج، وعلت الأصوات من قبل الأشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام.

فقال القوم لعلي  : والله، ما نراك إلا أمرته بالقتال! قال: أرأيتموني ساررت رسولي إليه؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية، وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا – فوالله – اعتزلناك. فقال: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إليّ فإنّ الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره، فقال الأشتر: أبرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافاً وفرقة، إنها مشورة ابن النابغة يعني ابن العاص. ثم قال ليزيد بن هانئ: ويحك ألا ترى إلى الفتح؟ ألا ترى إلى ما يلقون؟ ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا؟ أينبغي أن ندع هذا، وننصرف عنه؟ فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ههنا وأن أمير المؤمنين بمكانة الذي هو فيه، يفرج عنه ويسلم إلى عدوه؟! قال: سبحان الله – لا والله – لا أحب ذلك.

قال ابن هانئ: فإنهم قد قالوا له، وحلفوا عليه: لترسلن إلى الأشتر، فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا، كما قتلنا عثمان، أو لنسلمنك إلى عدوك. فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم، فصاح يا أهل الذل والوهن! أحين علوتم القوم، وظنوا أنكم لهم قاهرون، ورفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟ وقد – والله – تركوا ما أمر الله به فيها، وتركوا سنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم، أمهلوني فواقاً، فإني قد أحسست بالفتح، قالوا: لا نمهلك…وكان مالك من المعارضين للتحكيم.[16]

سفره إلى مصر وشهادته:

بعد أن انتهت معركة صفين عاد الأشتر إلى الجزيرة، فلمّا اضطربت الأوضاع في مصر قرّر أمير المؤمنين عزل الأشتر عن ولاية نصيبين وتعيينه والياً على مصر لمعالجة الوضع المضطرب هناك.[17] فلمّا علم جواسيس معاوية بذلك كتبوا إليه نبأ انتصاب مالك الأشتر والياً على مصر من قبل أمير المؤمنين  ، حينها شعر معاوية بصعوبة الموقف فيما إذا وصل الأشتر إلى مصر التي كان معاوية يروم السيطرة عليها في عهد واليها محمد بن أبي بكر، فبعث معاوية إلى رجل من أهل الخراج في القلزم يثق به، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر فان كفيتنيه – وقضيت عليه – لم آخذ منك خراجاً ما بقيت، فاحتل في هلاكه ما قدرت عليه. فاحتال هذا القلزمي في أن تظاهر له بحبّ علي ، وأتاه بطعام حتى إذا طعم سقاة شربة عسل قد جعل فيها سماً، فلمّا شربها مات.[18]

وقال ابن أبي الحديد في معرض حديثه عن نهاية الأشتر: ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً إلى مصر والياً عليها لعلي  قيل سقي سماً، وقيل إنّه لم يصح ذلك وإنما مات حتف أنفه.[19]

وذكر صاحب الغارات (توفى 283 هـ ) عدة روايات في مسمومية الأشتر من قبل معاوية.[20]

قال علقمة بن قيس النخعي: ما زال علي يتلهف، ويتأسف حتى ظننا أنّه المصاب به دوننا – أي دون بني نخع- وقد عرف ذلك في وجهه أيام.[21] والآن قبته الشريفة في منطقة قلزم القديمة أي في منطقة المرج (إحدى ضواحي القاهرة الكبرى) ومزار معروف.

الأشتر وكلمات الثناء عليه

في كلام أمير المؤمنين :

كتب  إلى أهل مصر– حين ولّى عليهم الأشتر- كتاباً يصف فيه الأشتر بقوله:

أما بعد فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع. أشدّ على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له، وأطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة، ولا نابي الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوكم.[22]

وقال  في موضع آخر:

لله در مالك، وما مالك لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان حجراً لكان صلداً، أما والله ليهدن موتك عالماً، وليفرعن عالماً على مثل مالك، فلتبك البواكي وهل موجود كمالك.[23]

وقال  أيضاً لما بلغه موت مالك:

رحمك الله يا مالك، كان لي مالك كما كنت لرسول الله .[24]

في كلام معاوية:

لمّا بلغ معاوية نبأ وفاة مالك: قام في الناس خطيباً، وقال:

أمّا بعد، فإنّه كانت لعلي بن أبي طالب  يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفّين، (يعني: عمّار بن ياسر) وقطعت الأُخرى اليوم. (يعني: الأشتر)[25]

في كلام ابن أبي الحديد:
وصفه ابن أبي الحديد بقوله: كان فارساً شجاعاً رئيساً من أكابر الشيعة وعظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين ونصره.[26]

 المصادر:

1) الطبري، تاريخ الطبري، ج ‏11، ص 664.
2) الكوفي، الفتوح، ج ‏1، ص 208؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج ‏2، ص 303.
3)الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 38.
4) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 99-100.
5) الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 40.
6) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 130 – 133.
7) ابن شبة النميري، تاريخ المدينة المنورة، ج 3، ص 1142 – 1141.
8)ابن شبة النميري، تاريخ المدينة المنورة، ج 3، ص 1142.
9) المهاجر، مالك الأشتر سيرته ومقامه في بعلبك، ص 62.
10) البلاذري، أنساب الأشراف، ج 5، ص 535 – 536. المهاجر، مالك الأشتر سيرته ومقامه في بعلبك، ص 63.
11) الطبري، تاريخ الطبري، ج 3، ص 411؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 41.
12)الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 41.
13) المهاجر، مالك الأشتر سيرته ومقامه في بعلبك، ص83.
14) المهاجر، مالك الأشتر سيرته ومقامه في بعلبك، ص 84.
15)الطبري، تاريخ الطبري، ج 4، ص 542؛ المهاجر، مالك الأشتر سيرته ومقامه في بعلبك، ص 84.
16)الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 39.
17) الأمين، أعيان الشيعة: ج9، ص38.
18) الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 38 – 39.
19) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 101.
20) الثقفي، الغارات، ج 1، ص 263 – 264.
21) الثقفي، الغارات، ج 1، ص 265 – 266.
22) الأميني، ترجمة أعلام نهج البلاغة، ص 40.
23)شهيدي، نهج البلاغة، ص 440.
24)ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 98.
25)الأميني، ترجمه أعلام نهج البلاغة: ص40. الثقفي، الغارات، ج 1.
26) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى