▪️زينب -عليها السلام -.. وتحديات المواجهة.. ▪️عدنان الجنيد ▪️الحلقة الرابعة
هذه هي السيدة زينب – سلام الله عليها – الشجاعة المجاهدة التي لا تخشى في الله لومة لائم ، لأن الخالق جل وعلا عظُم في نفسها ، فصغر ما دون ذلك في عينها .
وبعد ترحيلها ومن معها من بنات وأطفال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من الكوفة إلى الشام، كان يزيد بن معاوية قد حشد إلى مجلسه أعيان الشام بما فيهم الشخصيات العسكرية والمدنية، بل وجعل الدعوة مفتوحة لمن أراد أن يحضر ؛ أراد أن يحتفي بانتصاره المزيف من خلال هذا الحشد الشبيه بالمهرجان ؛ كي يروا سبايا بنات رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ، وأهل الشام يظنون أن هؤلاء السبايا اللواتي تم إدخالهن إلى قصر يزيد -وهن مربوطات بحبل يتم سوقهن كالإبل- هن إحدى العصابات المتمردة على ملكهم يزيد بن معاوية…
تم إدخال بنات رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على الطاغية يزيد، وأهل الشام مزدحمون في قصر ومجلس يزيد ينظرون ، ثم أُدخل رأس الحسين – عليه السلام – وَوُضع بين يدي يزيد الذي كان مزهواً بانتصاره الزائف، ثم جعل ينكت بقضيب من خيزران ثنايا أبي عبدالله الحسين ويتمثل بهذه الأبيات(1):
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القوم من ساداتكم
وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
قال الإمام الطبري (2)- بعد ذكره لهذه الأبيات التي تمثل بها يزيد – :” هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله، ثم من أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اخترم سفكه دم الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ”اه.
قلت : وهذه الأبيات التي قرأها يزيد على الملأ من هل الشام تدل على كفره ونفاقه ، وقد نقل ابن كثير في تأريخه (3) قول مجاهد :«نافق فيها، ثمّ والله، ما بقي في جيشه أحد إلّا تركه، أي: ذمّه وعابه»
ولم يكتف يزيد بتلك الأبيات التي قرأها على الحاضرين ، بل جعل يشمت ببنات رسول الله، ويتشفى بقتلاهن، إلا أن السيدة زينب لم تسكت، بل تكلمت -رغم القساوة والألم والعناء الذي تمر به في تلك اللحظات – أمام تلك الحشود؛ كي تفضح يزيد الفاسق، وإعلامه الكاذب وتكشف حقيقته على الملأ، وتبين أصله وفصله، وأنه ابن آكلة الأكباد..
حيث ابتدأت -سلام الله عليها- في خطبتها(4) بقولها : “الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على جدي سيد المرسلين، صدق الله -سبحانه- كذلك يقول : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئون)[الروم :10] ، أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامةً وامتنانا ؟! وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك؟! فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك… -إلى أن قالت – :” فمهلاً مهلاً ، لا تطش جهلاً ، أنسيت قول الله عزوجل : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[آل عمران :187]إه.
قلت : لاحظ عندما قالت :” وصلى الله على جدي سيد المرسلين ” وذلك كي يعرف الجميع بأنها بنت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وذلك أن الشاميين – بعد تأثير الإعلام الأموي عليهم –
كانوا ينظرون إلى آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بأنهم عبارة عن عصابة خارجة عن ولي أمرها يزيد بن معاوية ، بل وكانوا ينظرون إلى معاوية وولده بأنهما من آل البيت!!.. المهم استطاع الأمويون عبر إعلامهم أن يزيفوا الحقائق ويحرفوا معالم الدين..
لهذا فإن السيدة زينب بدورها الإعلامي كشفت حقيقة بني أمية للشاميين من خلال خطبتها البليغة المؤثرة، ونحن هنا ماذكرنا وماسنذكره من خطبتها إلا نزر يسير كشواهد انتقيناها فقط..
……….الهامش……
(1)” تأريخ الطبري “[337/6] الموسوعة الشاملة وانظر”البداية والنهاية “لابن كثير [209/8] و”اللهوف في قتلى الطفوف” 105 لابن طاووس، وكتاب “الفتوح” لابن أعثم[129/5].
(2)”في تأريخه “[337/6] الموسوعة الشاملة
(3) “البداية والنهاية ” [209/8]
(4) ذُكرت خطبتها في كثير من مصادر التأريخ منها : ” اللهوف في قتلى الطفوف ” ص181-182 للسيد علي بن موسى المعروف ب السيد ابن طاووس و”مقتل الحسين (ع)” للخوارزمي [64/2]، و”بلاغات النساء ” لابن طيفور أحمد بن أبي طاهر ص 70-73 ، و” التذكرة الحمدونية” لابن حمدون[262/6]
وغيرها من المصادر