مقالات

آداب نهار الصوم

1- صوم الجوارح عما يكرهه الله
فمن المعيب على الإنسان الصائم أن يقوم بما يكرهه الله تعالى، سواء كان حراماً أو مكروهاً، وهو جالس على مائدته، وفي ضيافته، لهذا نجد في الأحاديث الكثير مما يدعو لكفِّ الأذى وترك ما يكره الله تعالى، ومن هذه الأحاديث ما رُوِِِيَ عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:” قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله: يا جابر هذا شهر رمضان، من صام نهاره وقام ورداً من ليله وعفَّ بطنه وفرجه، وكفَّ لسانه، خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جابر ما أشدَّ هذه الشروط!؟“1.

وهذا ما أسماه علماؤنا العظام بصوم الجوارح، فقد رُوِيَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع امرأة تسبُّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعام، فقال لها:”كلي، فقالت: إنِّي صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك، إنَّ الصوم ليس من الطعام والشراب فقط” 2.

ورُوِيَ عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام:”إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وجلدك…قال: ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك“3.

2- كظم الغيظ
فحتى لو تعرَّض الإنسان للأذيَّة والشتم في نهار الصيام فليصبر وليكظم الغيظ طمعاً برضوان الله تعالى، وقد رُوِِِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”ما من عبد صائم يُشتَم فيقول: إنِّي صائمٌ سلامٌ عليك، لا أشتمك كمَا تشتمني، إلا قال الربُّ تبارك وتعالى: استجار عبدي بالصوم من شرِّ عبدي، قد أجرته من النَّار“4.

3- عدم السفر
فالإقامة في الشهر الكريم وعدم قطعه بالسفر، ولا سيَّما قبل الثلاثة وعشرين منه، مكروه من غير ضرورة كما جاء ذلك في الرِّوايات الشَّريفة عن أهل البيت عليه السلام ونصَّ على ذلك فقهاؤنا العظام، فعن أحد أصحاب أبي عبد الله عليه السلام قال:”سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحاً، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر؟ فسكت، فسألته غير مرَّة فقال:”يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بدَّ له من الخروج فيها أو يتخوَّف على ماله“5.

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:” إذا دخل شهر رمضان فللَّه فيه شرط، قال الله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ6 ، فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حجِّ، أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء“7.

4- إخراج الدم المضغث
لما فيه من إضعاف للبدن، واحتمال أن يغشى عليه، فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يكره أن يحتجم الصائم خشية أن يغشي عليه فيفطر 8.
وفي الرواية عن أحد أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:”سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال: إنِّي أتخوَّف عليه، أما يتخوَّف على نفسه؟ قلت: ماذا يتخوَّف عليه؟ قال الغشيان أو تثور به مرَّة، قلت: أرأيت إن قوى على ذلك ولم يخشَ شيئا؟ قال: نعم إن شاء”9.

وفي رواية أخرى سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحجامة للصائم، قال:” نعم إذا لم يخف ضعفاً“10.
يقول الإمام الخميني فدس سره:” ومنها أي مكروهات الصائم إخراج الدَّم المضعِّف بحجامة أو غيرها، بل كل ما يورث ذلك أو يصير سبباًّ لهيجان المرَّة”11.

بل ورد كراهة ما يخشى منه الضعف ولو كان ذلك هو الإستحمام، فعن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنَّه سئل عن الرجل يدخل الحمَّام وهو صائم؟ فقال:” لا بأس ما لم يخشَ ضعفاً“12.
ويقول الإمام الخميني فدس سره:” ومنها دخول الحمام إذا خشيَ منه الضعف”13.

5- السواك بالعود الرطب
فقد نهت العديد من الرِّوايات عن ذلك، منها ما رُوِِِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام قال:” لا يستاك الصائم بعود رطب“14.
ولعلَّ ذلك لكي لا يدخل من الرطوبة إلى فمه ما يحتمل أن يسبِّب له الإفطار.

6- ابتلاع الرِّيق بعد المضمضة
فقد يتمضمض الصائم للوضوء، أو لجفاف حلقة، فحينها يكره له ابتلاع ريقة بعدها، إلا أن يبزق ثلاث مرات، فعن أبي عبد الله عليه السلام في الصائم يتمضمض قال:”لا يبلغ ريقه حتى يبزق ثلاث مرات“15.

7- كراهة المداعبة
وخصوصا لمن يخاف على نفسه أن تسبقه الجنابة، لما ورد في الرِّوايات من كراهة هذا الأمر في نهار الصيام، فعن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه سئل عن رجل يمسُّ من المرأة شيئاً أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال:” إنَّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني”16.

8- كراهة شمِّ الرَّياحين
وبالأخصِّ منها النرجس، وأما بالنسبة للعطور فهي مستحبة للصائم كما لغيره سوى المسك، ففي الرواية سمعت أبا عبد الله عليه السلام ينهي عن النرجس للصائم 17.وفي الرواية عن غياث بن إبراهيم عن جعفر،عن أبيه: أنَّ عليَّاً عليه السلام كرِهَ المسك أن يتطيَّب به الصائم.

ويقول الإمام الخميني فدس سره:” ومنها شمُّ الرياحين خصوصا النرجس، والمراد بها كلّ نبت طيِّب الريح، نعم لا بأس بالطيِّب فإنَّه تحفة الصائم، لكن الأولى ترك المسك منه بل يكره التطيُّب به للصائم”18.

9- فصل القيلولة
وهي النوم قبل حلول الزوال، أي وقت صلاة الظهر، فهذا النوم كما في الرواية تقوِّي المؤمن على قيام اللّيل، فعن أبي الحسن عليه السلام:”قيِّلوا فإنَّ الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه“19.

هذا فضلاً عن أنَّ النوم في شهر رمضان يحتسب عبادة للإنسان، كما رُوِِِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”الصائم في عبادة وإن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً“20.

*اداب الصوم , سلسلة الاداب والسنن, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- م.س- ج 10- ص 162
2- م.س- ج 10- ص 163
3- م.س- ج 10- ص 161
4- م.س- ج 10- ص 167- 168
5- م.س- ج 10- ص 181
6- البقرة: 185
7- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 182- 183
8- م.س- ج 10- ص 79
9- م.س- ج 10- ص 78
10- م.س- ج 10- ص 78
11- الخميني- روح الله الموسوي- تحرير الوسيلة- دار الكتب العلمية- اسماعيليان- قم- ج 1- ص 288
12- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 81
13- الخميني- روح الله الموسوي- تحرير الوسيلة- دار الكتب العلمية- اسماعيليان- قم-ج 1- ص 288
14- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 84
15- م.س- ج 10- ص 91
16- م.س- ج 10- ص 97
17- م.س- ج 10 ص 92
18- الخميني- روح الله الموسوي- تحرير الوسيلة- دار الكتب العلمية- اسماعيليان- قم- ج 1- ص 288
19- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 136
20- م.س-ج 10 ص 137

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى