مقالات

أم البنين عليها السلام.. حياة تقوى وكفاح دفاعاً عن مذهب أهل البيت عليهم السلام

يعد إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) إحياء لأمر الدين وإحياء لشعائر الله يقول تعالى:”ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”.ويقول الإمام الصادق (عليه السلام):”أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا”.أما بالنسبة لإحياء أمر الصالحين والصالحات فإنه لا يعد بمقام إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) ولكنه متأخر مرتبة بعد ذلك وذلك لارتباط هذه الثلة الصالحة الخيرة من الرجال والنساء بأهل البيت(عليهم السلام) فبالتالي يكون أحياء أمرهم أحياء لأمر أهل البيت(عليهم السلام) وإحياء لشعائر الله جلَّ وعلا ونحن اليوم بشأن إحياء ذكرى شهادة أم البنين (رضوان الله عليها)..وصية السيدة الزهراء”ع”
قبل أن تحضر الوفاة السيدة الزهراء(عليها السلام) قال لها أمير المؤمنين(عليه السلام):”أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي كلما أمرتيني به وأختار أمرك على أمري”،عندها أوصته قائلة بعدة أمور كان منها:”فإن الرجال لابد لهم من النساء” أي طلبت منه أن يتزوج بعدها وهكذا حصل فقد تزوج أمير المؤمنين(عليه السلام) من أكثر من امرأة ولكن كلهن بعد وفاة الصديقة الزهراء(عليها السلام) إذ لم يدخل عليها في حياتها زوجة أخرى وأنّى لامرأة في الأرض أن تكون كفاطمة الزهراء(عليها السلام)،وكان من بين زوجاته(عليه السلام) أم البنين(رضوان الله عليها).
كيفية الزواج من أم البنين
ثم إن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لعقيل:أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحول،لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً،فقال له: تزوج أم البنين الكلابية،فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها.
وهي فاطمة بنت حزام بنت خالد بن ربيعة الكلابية العامرية وأمها تمامة بنت سهل بن عامر،وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة، والأصل الكريم وليس في العرب أشجع من آبائها،على تعبير عقيل بن أبي طالب (رضوان الله عليه).
وهذه السيدة الجلية قد تنازلت وطالبت عدم ندائها باسمها (فاطمة) مخافة أن يتذكر أبناء السيدة الزهراء (عليها السلام) أمهم،فيتجدد لهم حزنهم،ويعود عليهم مصابهم..فكان أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام ) يناديها بكنيتها (أم البنين).
وكان استشهاد السيدة أم البنين (عليها السلام ) في 13 جمادى الآخرة يوم الجمعة عام 64 هـ بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) على ما تذهب إليه بعض الروايات. ومكان دفنها في المدينة المنورة (البقيع).
وربما يتبادر الى الاذهان الاستغراب في كلمة استشهاد السيدة ام البنين (عليها السلام) وسنعود لذلك فيما بعد.
وأنها ضجيعة شخص الإيمان قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بأدبه وتخلقت بأخلاقه.. ,فهي زوجة ولي الله تعالى وحجته وخليفته واخي وذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ووالد ريحانتي رسول الله الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين),فزوجها امام المتقين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ..
ولها من الأولاد من صلب أمير المؤمنين علي (سلام الله عليه ) أربعة هم : حامل لواء الإمام الحسين (عليه السلام) (العباس)(عليه السلام) ويكنّى بـ (أبي الفضل)و(قمر بني هاشم ).
والسيد عبد الله والسيد جعفر والسيد عثمان (سلام الله عليهم اجمعين ) وقد أستشهدوا جميعاً في نصرة أخيهم الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء.
دورها بعد واقعة الطف:
ولكن لم يتطرق أهل التواريخ إلى دور أم البنين (عليها السلام) وعملها بعد واقعة كربلاء،نعم إنما ذكر بكاؤها وندبتها.ومما يذكر
أنها كانت شاعرة فصيحة لاحت بوادر شاعريتها في الأفق،بشعرها السهل الممتنع،والإيماني،فقد كانت تعوذ ولدها أبا الفضل العباس وهو رضيع صغير،فقد كانت له الأم الحانية،تخاف وتخشى عليه من أعين الحساد من أن تصيبه بأذى أو مكروه،وكانت تعوذه بالله تعالى وتقول:
أعيـذه بـالـواحــد من عين كل حاسد
قائـمـهـم والقاعـد مسلمهم والجاحـد
صادرهم والوارد مولـدهـم والـوالـد
والسيدة ام البنين (رضوان الله عليها ) في واقعة الطف في كربلاء كانت في المدينة المنورة بسبب علة المرض..وقد صرحت السيدة فاطمة الصغرى ـ وهي ابنة الإمام الحسين (عليه السلام) ـ بذلك. أو أنها مشتغلة برعاية أولاد بنيها،أو غير ذلك مما علمه عند الله سبحانه.
ولكن لم تكن الأسباب المذكورة مانعة لجهادها ضد بني أمية حيث كانت تفضح بني أمية الذين قتلوا الإمام الحسين (عليه السلام)..وهذا ما جعلنا نذكر كلمة الاستشهاد بحقها,فحتما أن اعوان بني امية قاموا بدس السم لها.
وقد ذكرت لنا المصادر التاريخية الكثير من تلك الجرائم التي استهدفت بيت النبوة والإمامة سواء الأئمة (عليهم السلام) او نساؤهم او اصحابهم ,فعلى سبيل المثال في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) قاموا بدس السم الى مالك الأشتر في العسل .وبعدها دس السم للإمام الحسن (عليه السلام),وهكذا فالتاريخ يسطر بالدليل تلك الجرائم.
والسيدة أم البنين (سلام الله عليها) من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت(عليهم السلام),فهي المخلصة في ولائهم الممحضة في مودتها لهم ,ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع وقد زارتها السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)بعد وصولها المدينة المنورة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد وبلغ من عظمتها معرفتها وتبصرتها بمقام أهل البيت(عليهم السلام) أنها لما دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) وكان الحسنان(عليهما السلام) مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب..وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما.. وتخضع لهما كالأم الحنون.
وقد ورد عن الزهراء (سلام الله عليها) يوم الحشر تخرج من تحت عباءتها كفين مقطوعين وهما كفا أبي الفضل العباس وتقول:يا عدل يا حكيم احكم بيني وبين من قطع هذين الكفين..
أم البنين وشهادة الإمام الحسين”ع”
وكان من موقف السيدة أم البنين (سلام الله عليها ) في استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) موقف نادر ومشرف ورائع حينما يدخل الناعي المدينة وهو (بشر بن حذلم) ويصيح: (يا أهل يثرب لا مقام لكم..الخ) يخرج رجال ونساء المدينة ليتلقوا الخبر ومن بينهم ام البنين (عليها السلام) خرجت لتسأل الناعي ما الخبر؟ فأفادها بما جرى. فقالت: يا بشر أسألك بالله آلحسين حي ام لا؟ فتعجب بشر من سؤالها،فسأل بشر رجلا وقف إلى جنبه:من هذه المرأة المفجوعة؟،فقال: هذه ام البنين،ام العباس وأخوته.
فأراد بشر ان يخبرها بشهادتهم واحدا بعد الآخر لتخفيف الألم عنها،فقال لها:عظم الله لك الأجر بولدك جعفر قالت وهل سمعتني
أسألك عن جعفر؟،فقال لها عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله؟،قالت أخبرني عن الحسين،فقال عظم الله لك الأجر بعثمان وأبي الفضل العباس قالت ويحك لقد قطعت نياط قلبي،أخبرني عن الحسين،أهو حي أم لا؟
فقال لها بشر:يا أم البنين عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين،فما ان سمعت بالخبر، صرخت مولولة ورجعت إلى دار بني هاشم منادية:
لا تـــزار الـــدار إلا بـــأهلهــــا
على الدار من بعد الحسين سلام
فلقد هان خبر مقتل أولادها أمام مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)وهذا الموقف يكشف عن عمق ولائها ومودتها لآل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومدى الوفاء للزهراء البتول(عليها السلام).
وامتدادا لهذا الموقف نصبت مأتم عزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) وآله وجعلت هذا العزاء والمأتم صرخة فجرت من خلاله كيان يزيد، حيث كان واليه على المدينة آنذاك (عمر بن سعيد) يكتب للطاغية ما سببت ام البنين له من ازعاج وكانت العقيلة زينب (عليها السلام ) شاطرتها بالمصاب أيضا حتى أمر يزيد بإخراجها من المدينة فالتزمت الشام.
وكانت العقيلة زينب أيضا تزور ام البنين في دارها لتشاطرها المصاب على أولادها،وهذا دليل على عظمة مقامها وشأنها.وذكر المؤرخون ان ام البنين بعد الفاجعة بفقدان الإمام الحسين(عليه السلام) وأولادها الأربعة(رضوان الله عليهم)،خطت خمسة قبور (من باب الرمز) في مقبرة البقيع،تبكي عليهم واستمرت لوعتها وأحزانها حتى استشهادها.
فسيدتي ومولاتي أم البنين لها كرامات وهي أحد الوسائل لطلب الحوائج فلو زارها الإنسان وصلّى عند قبرها ركعات ـ لا بعنوان الورود ـ قربة إلى الله سبحانه وأهدى ثوابها لها،كان مشمولاً لما دلّ من إهداء أمثال الصلاة للمؤمنين والمؤمنات.
قيل في حق السيدة أم البنين
ـ قال أبو النصر البخاري في كتابه (سر السلسلة العلوية):”لم يعقب أمير المؤمنين من فهرية بعد فاطمة عليها السلام إلا منها، ولم تخرج أم البنين إلى أحد قبله ولا بعده”.
ـ وقال الشيخ المامقاني في كتابه (تنقيح المقال):”ويستفاد من قوة إيمانها إن بشرا كلما نعى إليها احد أولادها الأربعة قالت ما معناه أخبرني عن الحسين فأخذ ينعي لها أولادها واحدا واحدا حتى نعى إليها العباس (عليه السلام) فقالت: يا هذا قطعت نياط قلبي أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)،فها هي كما ترى قد هان عليها قتل بنيها الأربعة إن سلم الحسين (عليه السلام) ويكشف هذا عن أن لها مرتبة في الديانة رفيعة” .
ـ وقال النقدي في كتابه (زينب الكبرى):”كانت من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت (عليهم السلام) كما كانت فصيحة بليغة لسنة ذات تقى وزهد وعبادة”.
ـ ووصفها عمر كحالة في كتابه (أعلام النساء) بقوله:”شاعرة فصيحة”.
ـ ونقل المازندراني في (معالي السمطين) نقلا عن كتاب (كنز المصائب):”إن ولدها العباس (عليه السلام) أخذ علما جما في أوائل عمره عن أبيه وأمه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى