مقالات

إزاحة الشُبه والرٍّيًب عن زواج المصطفى من زينب

(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ)
وكيف يُدرِكُ في الدنيا حقيقته
قومٌ نيامٌ تسلُّوا عَنهُ بالحُلُم؟!
〰〰〰〰〰〰
▪إزاحة الشُبه والرٍّيًب عن زواج المصطفى من زينب..
▪عدنان الجنيد
لقد وقع كثيرٌ من المفسرين(1)  في أخطاء فادحة في حق سيد الأنبياء والمرسلين، حيث قالوا في تفاسيرهم عن معنى قوله تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ )[الأحزاب : 37] بأنَّ الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – رأى (زينب بنت جحش )وهي متزوجة بزيد بن حارثة فأحبَّها ووقعت في قلبه فقال: «سبحان مقلب القلوب» فسمعتها زينب فأخبرت بها زيداً، فأراد أن يطلقها، فقال له الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – : «امسك عليك زوجك» حتى نـزل القرآن يعاتبه على إخفائه ذلك … إلخ.

حقيقةً أن هذه الرواية باطلة. لم يصح منها شيء، وضعها الزنادقة للطعن في الرسول الكريم والنيل من مقامه العظيم. أيعقل أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – يُحبُّ ويعشق امرأة في عصمة رجل ؟!.. حاشاه ذلك..
ووالله إنَّ مثل هذا لا يليق بأي مسلم فضلاً عن أشرف الخلق عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم.

كيف يتعلق قلبه – صلى الله عليه وآله وسلم – بزينب وهي في عصمة رجل ،مع أنَّه كان يعرفها منذ الصغر لأنها ابنة عمته، نشأت معه ونشأ معها ؟!
أم كيف يرغب فيها بعد أن زوَّجها لزيد بن حارثة؟! فهل حدث ذلك الحب بعد أن صارت ثيباً ؟! نستغفر الله من ذلك ومن هذا القول الهالك..

إن أمراض القلوب وضعفاء النفوس يثيرون مثل هذه الشبهات حول زواج النبي – عليه وآله الصلاة والسلام – التي كانت عند متبناه زيد بن حارثة من أجل الطعن في عصمته ، لأنه – بزعمهم – رأى زينب فأحبها ، ثم كتم حبه لها ، ثم بعد ذلك أظهره ، ورغب بزينب فطلقها زيد ، وتزوجها رسول الله!!
وزعموا بأن الآية فيها عتاب لرسول الله بكتمانه حبه لزينب..!
إن زواج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من زينب لحكمةٍ تشريعية عظيمة وهي إبطال حكم التبني..
وقد صرَّح الله بغرض هذا الزواج ،قال تعالى: (لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)[ الأحزاب : 37]، ولم يكن الزواج بزينب بدافع شهوة أو هوى كما قاله أولئك المفسرون، فالزواج كان بأمر الله تعالى، ولهذا كانت زينب تفخر على نساء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأن الله عزو وجل هو الذي زوجها.
عن سيدنا علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: “أعلم الله نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها إليه قال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، عاتبه الله وقال له: أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه” (2)، قلت: فالذي أخفاه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –  هو إعلام الله إياه بأنها ستكون زوجته، وليس الذي أخفاه الحب كما قال المفسرون !!.
إذاً هذه الروايات التي اعتمدها بعض المفسرين في تفسيرهم للآية باطلة لم يصح فيها شيء  ..
” كما قال العلامة أبو بكر بن العربي – رحمه الله – : (والآية صريحة في الرد على هذا البهتان، فإنَّ الله سبحانه أخبر بأنه سيظهر ما أخفاه الرسول (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ ) ، فماذا أظهر الله تعالى ؟ هل أظهر حب الرسول وعشقه لزينب ؟ أم أنَّ الذي أظهره هو أمره له -عليه السلام -بالزواج بها لحكمة عظيمة جليلة هي إبطال حكم التبني الذي كان شائعاً في الجاهلية؟!ولهذا صرح تعالى بذلك وأبداه علناً وجهاراً، ( لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا )[الأحزاب : 37]..) إه(3)
يا من لا تزالون مصرين على نسبة هذه الروايات المشينة إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –
اعقلوا وتفهموا الحق لوجه الحق، فالحق صبح واضح لا شك فيه ولا مراء ، فمن غير المعقول أن يُعاتب الشخص لأنه لم يجاهر بحبه لزوجة جاره ؟! …
ولا أدري ماذا سيقولون بعد ذلك في قوله تعالى: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) !!
وإذ قد نفى الله عن نبيه الحرج في ذلك فلا يهلك على الله إلا هالك.
هذا وإني لأعجب من بعض العلماء : كيف يأخذون بأقوال بعض المفسرين التي تتنافى مع أخلاق سيد المرسلين، ويتركون النصوص الثابتة من الكتاب والسنة المتواترة القائلة بعصمة الأنبياء ونـزاهتهم وطهارتهم، فتجدهم يتمسكون بتلك الروايات الفاضحة وينشرونها بين عوام الناس ، وإذا ما جئت إلى أحدهم وقلت له: يا أخي هذه الروايات لا يجوز نسبتها إلى الحبيب الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم – فيقول لك  بعد أن تتكشر أنيابه وتنتفخ أوداجه:  وهل أنت أعلم من المفسر الفلاني، فقد ذكرها في تفسيره!!
هكذا يفكرون بعقول غيرهم. وإذا ما فتح الله على رجلٍ بين ظهرانيهم بعلم وأراد أن يبين لهم وجه الصواب، قالوا له : لقد خرجت عن الدين حيث إنك خالفت المفسرين، عجباً لهؤلاء ، وهل المفسر يوحى إليه حتى لا يمكن مخالفته !! ورحم الله الإمام مالك حيث يقول : ” كلٌ يؤخذ من قوله ويُرد إلا صاحب هذه الحجرة ” يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

  • خلاصة تفسير الآية الكريمة:

( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ…) أي اذكر يا حبيبي يا ممجد وقت قولك للذي أنعم الله عليه وهو “زيد بن حارثة” بالهداية للإسلام والمحبة والتفاني بسيد الأنام ( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) بأن حررته من رق العبودية وزوجته بزينب بنت جحش القرشية ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله ) أي أمسك زوجتك زينب في عصمتك ولا تطلقها واتق الله في أمرها ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ ) أي إعلام الله لك بأنها ستكون زوجتك مع أن الله سبحانه وتعالى سيظهر أمر الزواج، وأخفى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ذلك الأمر ولم يظهره وذلك لشدة حيائه: ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ).
سأل أحمد بن المبارك(4) شيخه عبدالعزيز الدباغ – قدس الله سره – قائلاً له: كيف عاتب الله تعالى نبيه وهو سيد العارفين وإمام الأنبياء والمرسلين ؟
فأجاب شيخه بهذا المعنى: ” إنه ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ لما شاوره زيد في طلاق زينب وأمره بإمساكها وتقوى الله في معاشرتها، وكان يعلم -عليه وآله الصلاة والسلام -أنها ستصير إليه وأخفى ذلك ولم يظهره ،رجع على نفسه بالعتاب وقال في خاطره: ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) وجعل يعاتب نفسه بهذا في الباطن، فأظهر الله سبحانه ما في باطنه عليه الصلاة والسلام وأنـزل الوحي به”.

قلتُ: وهذا كلام حسن. ومما سبق اتضح بطلان القائلين: إن الذي أخفاه سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – هو حبه لزينب ولهذا عوتب.
حيث اندحضت أقوالهم الواهية أمام الحجج الدامغة والبراهين الساطعة ، التي تدل على عصمة سيد المرسلين ونـزاهته وطهارته مما تكلم به المتفيقهون ، أو ألصقه به الدسّاسون المغرضون.
………………………………………
الهوامش:
(1) من هؤلاء على سبيل المثال المفسر الكبير : الإمام النسفي، حيث قال في تفسيره ج3/ص304 ما نصه : ( قوله تعالى (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) [ الأحزاب : 37 ] زينب بنت جحش، وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أبصرها بعدما أنكحها إياه فوقعت في نفسه، فقال : «سبحان مقلب القلوب»، وذلك أنَّ نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، وسمعت زيبنب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن، وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله، فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال : «مَالَكَ أرَابَك منها شيء؟» قال : لا والله، ما رأيت منها إلاَّ خيراً، ولكنها تتعظم عليَّ لشرفها، وتؤذيني، فقال له : «امسك عليك زوجك..».
ـ ومنهم الإمام الشوكاني في تفسيره “فتح القدير “[286/4] ط ـ دار الفكر ما نصه: ” قال القرطبي : وقد اختلف في تأويل هذه الآية، فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم ابن جرير الطبري وغيره إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أنْ يطلقها زيد فيتزوجها هو … “.
ـ وفي تفسير الجلالين [ ص555] ط / دار الإيمان :” ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) مظهره من محبتها، وأن لو فارقها زيد تزوجتها … ” ، إلى غيرهم من المفسرين.
قلتُ : فهل نقلِّد هؤلاء المفسرين في أخطائهم الفادحة وأقوالهم الجارحة التي ما أنـزل الله بها من سلطان، والتي تتنافى مع عصمة وأخلاق النبي العدنان – صلى الله عليه وآله وسلم- ، والتي تتعارض مع القرآن، والتي لا يقبلها العقل والجنان ؟ الإجابة ستكون لا وألف لا، والله لو عرف هؤلاء حقيقة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – العظيمة لما تكلموا بهذه الأقوال السقيمة، ولو أنَّهم اشتموا من أنفاسه رائحة، لما كانت نفوسهم بهذه الأقوال بائحة.
لو أحبوه وتفانوا فيه وعرفوه لما ذكروا تلك الأقاويل وبعشقه لزينب وصفوه.

(2) انظر: البحر المحيط[155/9] و صفوة التفاسير [527/2]الهامش.
(3) صفوة التفاسير [527/2] الهامش.

(4) كتاب ” الإبريز ” لأحمد بن المبارك : ص272 ـ 273 طبعة جديدة 1407هـ.
🔅من ارشيف 1999م

المركزالاعلامي لملتقى التصوف.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى