أخلاق ودعاءمقالات

اخلاق النبي واهل بيته صلوات الله عليهم (2)

من وصاياهم عليهم السلام لشيعتهم وأصحابهم

بسم الله الرحمن الرحيم

 7ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي وجماعة الشيعة : ـ
« قال جابر : دخلنا على أبي جعفر عليه السلام ، ونحن جماعة ، بعدما قضينا نسكنا ، فودّعناه وقلنا له أوصنا يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال :
ليُعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسرارنا ، ولا تحملوا الناس على أعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شُرح لنا.
فإن كنتم كما أوصيناكم ، لم تعدْوا إلى غيره فمات منكم ميّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً ، وإن أدرك قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين ، ومَن قَتَلَ بين يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً » (۱۹).
۸ ـ ما في وصيّة مولانا الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن جُندَب : ـ
« … يا ابن جُندب إنّما المؤمنون الذين يخافون الله ، ويشفقون أن يُسلبوا ما أُعطوا من الهدىٰ ، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ممّا أظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربّهم يتوكّلون …
يا ابن جندب لا تقُل في المذنبين من أهل دعوتكم إلّا خيراً ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم .
فكلّ من قصدنا ، وتولّانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يعلم ، وسكت عمّا لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنّة …
يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحّط بدمه في سبيل الله يوم بدرٍ واُحد ، وما عذّب الله اُمّةً إلّا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم …
يا ابن جندب إنّما شيعتنا يُعرفون بخصالٍ شتّىٰ :
بالسخاء ، والبذل للإخوان ، وبأن يصلّوا الخمسين ليلاً نهاراً.
شيعتنا لا يهرّون هرير الكلب ، ولا يطعمون طمع الغراب ، ولا يجاورون لنا عدوّاً ، ولا يسألون لنا مبغضاً ولو ماتوا جوعاً.
شيعتنا لا يأكلون الجرّي ، ولا يمسحون على الخفّين ، ويحافظون على الزوال ، ولا يشربون مسكراً …
يا ابن جندب صِل من قطعك ، واعط من حرمك ، وأحسن إلى من أساء إليك ، وسلِّم على من سبّك ، وأنصف مَن خاصمك ، واعف عمّن ظلمك كما تحبّ أن يُعفى عنك.
فاعتبر بعفو الله عن ، ألا ترى أنّ شمسه أشرقت على الأبرار والفجّار ، وأنّ مطره ينزل على الصالحين والخاطئين …
يا ابن جندب … الواجب على من وهب الله له الهدى ، وأكرمه بالإيمان ، وألهمه رُشده ، وركّب فيه عقلاً يتعرّف به نعمه ، وآتاه علماً وحكماً يدبّر به أمر دينه ودُنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره ، وأن يذكر الله ولا ينساه ، وأن يطيع الله ولا يعصيه …
أما إنّه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامّة ، ونصب الجبّار الموازين لفصل القضاء ، وبرز الخلائق ليوم الحساب ، أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحلّ الحسرة والندامة.
فاعمل اليوم بما ترجو به الفوز في الآخرة » (۲۰).
۹ ـ ما أوصى به الإمام الكاظم عليه السلام هشام بن الحكم ، جاء فيه : ـ
« يا هشام إنّ العاقل رضى بالدون من الدُّنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدُّنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم …
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول :
ما من شيء عُبدَ الله به أفضل من العقل ، وما تمَّ عقل امرءٍ حتّى يكون فيه خصالٌ شتّىٰ :
الكفر والشرّ منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدُّنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذلّ أحبُّ إليه مع الله من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقلّ كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر.
يا هشام من صدق ليانه زكى عمله ، ومن حسنت نيّته زيدَ في رزقه ، ومن حسُن برّه بإخوانه وأهله مُدَّ في عمره …
يا هشام رحم الله من استحيا من الله حقّ الحياء ، فحفظ الرأس وما حوىٰ ، والبطن وما وعىٰ ، وذكر الموت والبلىٰ ، وعَلِمَ أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات.
يا هشام من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن كفّ غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة …
يا هشام أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به : الصلاة ، وبرّ الوالدين ، وترك الحسد والعجب والفخر.
يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك ، فانظر أيّ يومٍ هو ، وأعدّ له الجواب ، فإنّك موقوفٌ ومسؤول …
يا هشام قال الله جلّ وعزّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني ، لا يُؤثِر عبدٌ هواي على هواه إلّا جعلت الغِنى في نفسه ، وهمّه في آخرته ، وكففتُ عليه ضيعته ، وضمّنتُ السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.
يا هشام الغضب مفتاح الشرّ ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً …
يا هشام إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ..
يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام : قُل لعبادي : ـ
لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري ، وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، اُولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن أنزع حلاوة محبّتي ومناجاتي من قلوبهم …
يا هشام إيّاك والكِبر على أوليائي ، والاستطالة بعلمك ، فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكُن في الدُّنيا كساكن دارٍ ليست له ، إنّما ينتظر الرحيل …
يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.
يا هشام إيّاك والطمع ، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين.
فإنّ الطمع مفتاح للذلّ ، واختلاس العقل ، واختلاف المروّات ، وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم.
وعليك بالاعتصام بربّك ، والتوكّل عليه.
وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك … » (۲۱).
۱۰ ـ ما أوصى به مولانا الإمام الرضا عليه السلام شيعته في حديث عبد العظيم الحسني : ـ
« يا عبد العظيم … أبلغ عنّي أوليائي السلام وقُل لهم : ـ
أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً ، ومُرهم بالصدق في الحديث ، وأداء الأمانة.
ومُرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم ، وإقبال بعضهم على بعض ، والمزاورة فإنّ ذلك قربةً إليّ .
ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً ، فإنّي آليتُ على نفسي أنّه من فعل ذلك وأسخط وليّاً من أوليائي دعوت الله ليعذّبه في الدُّنيا أشدّ العذاب ، وكان في الآخرة من الخاسرين.
وعرّفهم أنّ الله قد غفر لمحسنهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، إلّا من أشرك به ، أو آذى وليّاً من أوليائي ، أو أضمر له سوءاً ، فإنّ الله لا يغفر له حتّى يرجع عنه ، فإن رجع وإلّا نزع روح الإيمان عن قلبه ، وخرج عن ولايتي ، ولم يكن له نصيبٌ في ولايتنا. وأعوذ بالله من ذلك » (۲۲).
۱۱ ـ ما في كتاب مولانا الإمام الجواد عليه السلام لسعد الخير : ـ
« … اعلم رحمك الله أنّه لا تنال محبّة الله إلّا ببغض كثير من الناس ، ولا ولايته إلّا بمعاداتهم ، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.
يا أخي إنّ الله عزّ وجلّ جعل في كلّ من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلَّ إلى الهُدىٰ ، ويصبرون معهم على الأذىٰ ، ويجيبون داعي الله ، ويدعون إلى الله.
فابصرهم رحمك الله فإنّهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدُّنيا وضيعة.
إنّهم يُحيون بكتاب الله الموتىٰ ، ويُبصرون بنور الله من العمىٰ.
كم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائهٍ ضالٍّ قد هدوه.
يبذلون دمائهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار العباد عليهم » (۲۳).
۱۲ ـ ما في توصية مولانا الإمام الهادي عليه السلام لشخص : ـ
« إقبل على ما شأنُك … وإذا حللت من أخيك محلّ الثقة فاعدل عن الملق إلى حُسن النيّة.
المصيبة للصابر واحدة وللجازع إثنان ، العقوق تكل من لم يتّكل ، الحسد ما حي الحسنات ، والدهر جالب المقت ، والعُجب صارفٌ عن طلب العلم ، داع إلى الغمط ـ أي احتقار الناس ـ والجهل ، والبُخل أذمّ الأخلاق ، والطمع سجيّة سيّئة ، والهُزء فكاهة السفهاء وصناعة الجهّال ، والعقوق تعقّب القلّة وتؤدّي إلى الذلّة » (۲٤).
۱۳ ـ ما في وصيّة مولانا الإمام العسكري عليه السلام لشيعته : ـ
« أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمّدٌ صلّى الله عليه وآله.
صلّوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدَق في حديثه ، وأدّى الأمانة ، وحسّن خُلقه مع الناس ، قبل هذا شيعيّ ، فيسرّني ذلك.
اتّقوا الله وكونوا زيناً لنا ، ولا تكونوا شيناً.
جرّوا إلينا كلّ مودّةٍ ، وارفعوا عنّا كلّ قبيح ، فإنّه ما قيل فينا من حُسن فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك.
لنا حقٌّ في كتاب الله ، وقرابةٌ من رسول الله ، وتطهيرٌ من الله ، لا يدّعيه أحدٌ غيرنا إلّا كذّاب.
أكثروا ذكرَ الموت ، وتلاوة القرآن ، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات.
احفظوا ما وصّيتكم به ، وأستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام ، والسلام » (۲٥).
۱٤ ـ ما في توقيع مولانا الإمام المهدي عليه السلام للشيخ المفيد جاء فيه : ـ
« إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء ـ أي الشدّة وضيق المعيشة ـ ، واصطلمكم ـ أيّ استأصلكم ـ الأعداء …
فليعمل كلٌّ منكم بما يقرب به من محبّتنا ، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا.
فإنّ أمرنا بغتةً فجاءة ، حين لا تنفعه توبة ، ولا تُنجيه من عقابنا ندمٌ على حوبة.
والله يلهمكم الرُّشد ، ويلطف لكم في التوفيق برحمته » (۲٦).
هذه شذرات غُرر ، من تعاليمهم الدرر ، التي ربّت وهذّبت كبار شيعتهم ، وجهابذة أصحابهم على معالي الصفات وعوالي السجيّات ..
فقدّمت مثل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار ، ومثل كميل وميثم وصعصعة ورُشيد ، وسائر كبار أصحابهم سلام الله عليهم.
الهوامش
۱. سورة الأحزاب : ۲۱.
۲. سورة الأحزاب : ۳۳.
۳. اُصول الكافي / ج ۲ / ص ۱۰۳.
٤. بحار الأنوار / ج ٦۹ / ص ۳٦۸.
٥. سورة فصّلت : ۳٤.
٦. سورة القلم : ٤.
۷. بحار الأنوار / ج ٦۹ / ص ۳٦۸.
۸. سفينة البحار / ج ۲ / ص ٦۸۸.
۹. نهج البلاغة / الطبعة المصريّة / الخطبة ۱۸۷.
۱۰. سورة الشمس : ۹.
۱۱. بحار الأنوار / ج ۷۷ / ص ۲٦۹.
۱۲. بحار الأنوار / ج ۷۷ / ص ٤۱۸.
۱۳. بحار الأنوار / ج ۷۷ / ص ۷٤ .
۱٤. بحار الأنوار / ج ۷۷ / ص ۲۷۰.
۱٥. الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام / ج ۲۱ / ۱٦٤.
۱٦. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۱۱۲.
۱۷. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۱۲۷.
۱۸. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۱۳۷.
۱۹. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۱۸۲.
۲۰. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۲۷۹.
۲۱. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۲۹٦.
۲۲. الاختصاص / ص ۲٤۷.
۲۳. روضة الكافي / ج ۸ / ص ٥٦.
۲٤. بحار الأنوار / ج ۷۸ / ص ۳٦۹.
۲٥. تحف العقول / ص ٤۸۷.
۲٦. الاحتجاج / ج ۲ / ص ۳۲۳.

السيد/علي الحسيني الصدر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى