مقالات

التفقه في الدين جهاد ايضاً

إِنّ ما قيل في تفسير هذه الآية  {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }  [التوبة : 122] ، إِضافةً إِلى أنّه يناسب سبب نزولها المعروف ، فإنّه الأوفق مع ظاهر جمل الآية من أي تفسير آخر ، إلاّ أنّ الشيء الوحيد هنا هو أنّنا يجب أن نقدر جملة «لتبقى طائفة» بعد «من كل طائفة» أي: لتذهب طائفة من كل فرقة ، وتبقى طائفة أُخرى ، وهذا الموضوع بالطبع مع ملاحظة القرائن الموجودة في الآية لا يستوجب إِشكالا. (فتأمل بدقة).

إِلاّ أنّ بعض المفسّرين احتمل عدم وجود أيّ تقدير في الآية ، والمقصود أن جماعة من المسلمين يذهبون إِلى الجهاد تحت عنوان الواجب الكفائي ، ويعرفون في ساحات الجهاد أحكام الإِسلام وتعاليمه ، ويرون بأنفسهم انتصار المسلمين على الأعداء ، الذي هو بذاته نموذج من آثار عظمة وأحقية هذا الدين ، وإِذا ما رجعوا يكونون أوّل من يشرح لإِخوانهم ما جرى (1).

والاحتمال الثّالث الذي احتمله بعض المفسّرين. وهو أنّ الآية تبيّن حكماً مستقلا عن مباحث الجهاد ، وهو أنّه يجب على المسلمين واجباً كفائياً أن ينهض من كل قوم عدّة أفراد بمسؤولية تعلم الأحكام والعلوم الإِسلامية ، ويذهبوا إِلى معاهد العلم الإِسلامية الكبيرة ، وبعد تعلمهم العلوم يرجعون إِلى أوطانهم ويبدؤون بتعليم الآخرين (2).

ولكن التّفسير الأوّل كما تقدم ـ أقرب إِلى مفهوم الآية ، وإِن كانت إِرادة كل هذه المعاني ليس ببعيد (3).

____________________

1- اختار الطبري هذا الرأيفي تفسيره ، ج11 ، ص48 ، ذيل الآية مورد البحث ، ونقل ذلك القرطبي في تفسيره ، وذكره جماعة من المفسّرين في ذيل الآية كاحتمال.

2- هذا التّفسير يناسب سبب النزول الذي أورده المرحوم الشيخ الطوسي في التبيان. ، ج5 ، ص323.

3- نلفت انتباهكم إِلى أنّنا نعتبر استعمال كلمة واحدة في عدّة معان أمراً جائزاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى