مقالات

الفيصل بين الحق والباطل

إن سجال الحق والباطل سجال قديم بقدم التاريخ وطول الدهر وعمق الأيام فهو غير منحصر في برهة زمنية معينة, وإذا أخذنا هاتين المفردتين بمعناهما العميق أو فلنقل بالمعنى العام من غير تخصيص لأحد المعاني فسنرى أن مصاديقه كثيرة غير منحصرة في جانب معين من جوانب الحياة العديدة،

فالحق هو الصحيح والواضح الذي لا شكّ فيه , واليقين من الأمر , وعلى هذا فهو الأحرى بالاتباع,

والحقيقة مشتقة منه ويأتي أيضا بمعنى الإدراك وبلوغ العقل , وهو الواقع أيضاً, ونقيضه الباطل وهو الخطأ وغير الصحيح وما لا يكون جديراً بالاتباع, وحينما ننتقل من هذا المعنى العام والواسع إلى معنى أخص بقليل وأضيق دائرة نجد أن معنى الحق هو ما يطابق الشرع والعقل, فهما يحثّان عليه وعلى العمل به, وأن معنى الباطل هو ما يكون بخلافه، فما نصّ عليه الشرع المقدس وأيّده العقل السليم هو الحق، وكلّ ما كان على النقيض من ذلك أو ورد فيه نهي أو تحذير شرعي وعقلي فهو باطل وضلال. وقد اتضح من هذا التوضيح أن الشرع المقدس كفيل بتعريف مفردات الحق والباطل والتصريح عنها أيضا, كما لو أمر بالصلاة فنعلم بأنها حق , ونهى عن الكذب فنتيقّن بأنه باطل, أو بأن يجعل الشارع شاخصا معينا للحق لا ريب فيه, يُعلم من خلاله الحق ويتميز به عن الباطل, وحينئذ فليس من حق أحد الترديد والشك أو ادّعاء الجهل, كما قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبلطف من الله تعالى بعباده بتنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) ميزانا للأمة يعرف به الحق من الباطل وفاروقا بينهما, وذلك بقوله (صلى الله عليه وآله):(عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور حيثما دار) , وقد يلتبس المفهومان أحيانا على الناس بناء على المعنى الشمولي لمفردتي (الحق والباطل), مما يُسمع أو يُرى هنا وهناك, ومما قد نصادفه في حياتنا كثيرا, فتصلنا أخبار أو تحليلات أو أنباء عن شخصيات أو نسمع بصدور أحكام من الناس تنسب للبعض الآخر وهكذا, فالفصل بين كل هذه الأمور ومعرفتها هو التثبّت مما يسمعه الإنسان والتيقّن منه, بأن يرى ذلك الفعل صادرا من الشخص المعين, أو يسمعه بنفسه بحيث يتيقن من صدوره منه, كما يروى عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (أما أنه ليس بين الحق والباطل إلا أربع أصابع الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت) . وعلى هذا فالحكم بمجرد السماع وعدم التثبت والتيقن مما يُسمع خطأ محض, منهي عنه عقلا وشرعا, ناهيك عمّا إذا ترتّب عليه أثر أو آثار قد تؤدي إلى عواقب وخيمة, وقد تضافرت النصوص الشرعية على التثبّت في المواضيع والأمور ونهت عن التسرّع والعجلة وإبداء الرأي فيها إلا أن يكون عن دليل وبرهان, قال تعالى:(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) , وأيضا(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) , ثم إن من الوضوح بمكان أن معرفة الحق ونقيضه هي مقدمة للعمل بالوظيفة الشرعية والإنسانية أيضا, فمن لم يتعرّف على ملامح الحق والحقيقة كيف يتسنّى له الدفاع والنهوض بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في الذبّ عنه ونصرته وتقويم دعائمه إن حلّ بساحته أيد أثيمة تسعى إلى تقويضه بقلوب جافية, بعيدة عن الحق قريبة إلى الباطل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى