مقالات

المصلحة القومية في القرآن الكريم د. السيد محمد الغريفي

المراد من المصلحة القومية (National interest)، في اللغة هو ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه، أو قل أنها جلب المنفعة ودفع للضرر، كما يرى العلامة الطباطبائي بأن المراد من المصلحة في الاصطلاح القرآني: (هو ما كان فعله خيراً من تركه، ونفعه غالباً على ضرره، فما في الفعل من جهة الخير المترتب عليه هو المرجح له).

وعليه فأن مفهوم المصلحة بمعناه العام (جلب المنفعة وترك المفسدة) أمر فطري وبديهي ومطلوب من جميع العقلاء والشرائع السماوية، كما في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، وبمعنى الإصلاح كما في قوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ}. ونبذ الفساد كما في قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}. وقوله تعالى: {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.

ومن مصدايق مبدأ المصلحة في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}. حيث تعتبر القوافل التجارية لقريش في الشتاء والصيف أهم (مصلحة حياتية) يتوقف بقائهم على استمرارها.

وفي الاصطلاح المصلحة القومية من أهم المفاهيم المستعملة في العلاقات الدولية، حيث تسعى كل دولة لتحقيق المصلحة الوطنية الخاصة، وتتعد أوجه المصلحة الوطنية بأهداف الدولة وطموحاتها سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو ثقافية، ولكن الأساس هو بقاء الدولة وأمنها، والسعي وراء الثروة والنمو الاقتصادي والقوة، كما برز في العصر الحديث أهمية المحافظة على الثقافة الوطنية، كما أن السياسات العملية التي تحقق ذلك تظل رهنًا بما يتصوره صانع أو صانعوا القرار.

في العلوم السياسية نشأ مصطلح (المصلحة الوطنية) من المدرسة الواقعية ليكون في قبال (المصلحة الدينية)، بمعنى: النظر فقط الى المنفعة الوطنية في القرارات السياسية وغض النظر عن التعاليم الدينية والأخلاقية.

بينما الشريعة الإسلامية لا تقبل هذا المصطلح (مبدأ المصلحة) بإطلاقة، بل تعتبره مبدأ ثانوي بعد الموازنة بين المنفعة الوطنية والتعاليم الدينية والأخلاقية، وتقديم الأهم منها في القرارات السياسية.

النتيجة: يلزم على الحكومة الإسلامية الموازنة بين المنفعة الوطنية والتعاليم الدينية والأخلاقية، وتقديم الأهم منها في القرار السياسي، كما في قوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} فالآية رجحت الوفاء بالعهد للكافرين وعدم تقديم النصرة الدينية للأقلية المستضعفة.


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى