مقالات

الملائكة في القرآن الكريم

قال تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر : 1] .

تعرّض القرآن الكريم كثيراً لذكر الملائكة . . فقد تحدّثت آيات عديدة عن صفات ، خصائص ، مأموريات ، ووظائف الملائكة . حتّى أنّ القرآن الكريم جعل الإيمان بالملائكة مرادفاً للإيمان بالله والأنبياء والكتب السماوية ، ممّا يدلّل على أهميّة هذه المسألة الأساسية .

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [البقرة : 285] وممّا لا شكّ فيه أنّ وجود الملائكة من الاُمور الغيبية التي لا يمكن إثباتها بتلك الصفات والخصائص إلاّ بالأدلّة النقلية ، ويجب الإيمان بها على أنّه إيمان بالغيب .

وبالجملة يطرح القرآن الكريم خصائص الملائكة كما يلي :

1 ـ الملائكة موجودات عاقلة لها شعور ، وهم عباد مكرمون من عباد الله {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } [الأنبياء : 26]

2 ـ مطيعون لأوامر الله ولا يعصونه أبداً : {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء : 27]

3 ـ أنّ لهم وظائف مهمّة وكثيرة التنوّع كلّفوا بها من قبل الباري عزّوجلّ .

مجموعة تحمّل العرش {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة : 17]

مجموعة تدبّر الأمر {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } [النازعات : 5]

واُخرى لقبض الأرواح {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} [الأعراف : 37]

وآخرون يراقبون أعمال البشر {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار : 10 – 12]

مجموعة تحفظ الإنسان من المخاطر والحوادث {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام : 61]

واُخرى مأمورة بإحلال العذاب والعقوبة على أقوام معيّنة {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } [هود : 77] وآخرون يمدّون المؤمنين حال الحرب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب : 9]

وأخيراً مجموعة لتبليغ رسالات الوحي وإنزال الكتب السماوية للأنبياء {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل : 2] ولو أردنا الإسترسال في ذكر وظائف الملائكة لطال البحث واتّسع .

4 ـ الملائكة دائمو التسبيح والتقديس لله سبحانه وتعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى : 5]

5 ـ وبناءً على أنّ الإنسان بحسب إستعداده للتكامل يمكنه أن يكون أعلى مقاماً وأشرف موضعاً من الملائكة فقد سجدت الملائكة بدون إستثناء لخلق آدم ، وعدّوا آدم معلّماً لهم «الآيات 30 ـ 34 سورة البقرة» .

6 ـ إنّ الملائكة يظهرون بصورة الإنسان للأنبياء وغير الأنبياء ، كما نقرأ في الآية (17) من سورة مريم : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } [مريم : 17] كذلك يذكر القرآن الكريم تجلّيهم بصورة إنسان لإبراهيم ولوط (هود ـ 69 و77) كما أنّه يستفاد من أواخر تلك الآيات أنّ قوم لوط أيضاً رأوهم بتلك الصورة الإنسانية السوية «هود ـ 78» .

فهل أنّ ذلك الظهور بالشكل الإنساني ، له واقع عيني ، أم هو بصورة تمثّل وتصرّف في قوّة الإدراك؟ ظاهر الآيات القرآنية يشير إلى المعنى الأوّل ، وإن كان بعض من كبار المفسّرين قد إختار المعنى الثاني .

7 ـ يستفاد من الروايات أنّ أعداد الملائكة كثيرة بحيث انّه لا يمكن مقايسة أعدادهم بالبشر بأي شكل من الأشكال ، فحينما سئل الإمام الصادق (عليه السلام) : هل الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ قال : «والذي نفسي بيده لملائكة الله في السموات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها يأتي الله كلّ يوم بعملها والله أعلم بها ، وما منهم أحد إلاّ ويتقرّب كلّ يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت ، ويستغفر لمحبّينا ويلعن أعداءنا ، ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا» (1) .

8 ـ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتزوجون ، فقد ورد عن الإمام الصادق في حديث طويل قوله : «إنّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، وإنّما يعيشون بنسيم العرش» (2) .

9 ـ لا ينامون ولا يضعفون ولا يغفلون ، ففي الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام «وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك ، . . . ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ولم تضمّهم الأرحام» الحديث (3) .

10 ـ إنّ لهم مقامات ، ومراتب متفاوتة {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات : 164 – 166]

وكذلك نقرأ في الحديث المذكور عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «وإنّ لله ملائكة ركعاً إلى يوم القيامة ، وإنّ لله ملائكة سجداً إلى يوم القيامة» (4) .

ولمزيد الإطلاع على أوصاف الملائكة وأصنافهم يراجع كتاب «السماء والعالم» من بحار الأنوار ، أبواب الملائكة (المجلد 59 ـ الصفحات 144 ـ إلى 326) وكذلك نهج البلاغة الخطب (1 و91 ـ خطبة الأشباح ـ و109 و171) .

هل أنّ الملائكة بتلك الأوصاف التي ذكرناها ، موجودات مجردة أم مادية؟

لا شكّ أنّ من غير الممكن أن تكون الملائكة بهذه الأوصاف من هذه المادّة الكثيفة ، ولكن لا مانع من أن تكون أجساماً لطيفة الخلق ، أجساماً فوق هذه المادّة المألوفة لنا .

إثبات (التجرد المطلق) للملائكة من الزمان والمكان والجزئية ، ليس بالأمر الهيّن ، والوصول إلى تلك النتيجة ليس وراءه كثير فائدة ، المهمّ هو أن نعرف الملائكة بالصفات التي وردت في القرآن والروايات الثابتة . وأنّها من الموجودات العلوية الراقية عند الله في مقامها ومكانتها ، ولا نعتقد لها بغير مقام العبودية لله سبحانه ، وأن نعلم بأنّ الإعتقاد بأنّها شريكة مع الله في أمر الخلق أو في العبادة كفر محض وشرك بيّن .

نكتفي بهذا القدر من التفصيل حول الملائكة ونوكّل التفاصيل الأكثر إلى الكتب التي كتبت بهذا الشأن .

ونرى في الكثير من عبارات «التوراة» لدى الحديث عن الملائكة عبارة «الآلهة» وهو تعبير مشرك ومن علائم تحريف التوراة الحالية ، ولكن القرآن الكريم نقي من هذه التعبيرات ، لأنّه لا يرى لها سوى مقام العبودية والعبادة لله تعالى وإطاعة أوامره ، وحتّى أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته يتفوّق الإنسان الكامل على الملائكة في المرتبة والمقام .

المصدر تفسير الأمثل ج11

________________________

1. بحار الانوار ، ج59 ، ص176 ، ح7 .

2. المصدر السابق ، ص174 ، ح4 ، وقد نقلت روايات متعددة في هذا الشأن فراجع .

3. المصدر السابق ، ص175 ، ح6 .

4. بحار الانوار ، ج59 ، ص174 ، ح4 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى