مقالات

تفسير سورة الفيل

قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } [الفيل : 1 – 5]

تفسير مجمع البيان

– ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

خاطب الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) تنبيها على عظم الآية التي أظهرها والمعجزة التي فعلها فقال {أ لم تر} أي أ لم تعلم يا محمد لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم ير ذلك وقيل معناه أ لم تخبر عن الفراء {كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} الذي قصدوا تخريب الكعبة وكان معهم فيل واحد اسمه محمود عن مقاتل وقيل ثمانية أفيال عن الضحاك وقيل اثنا عشر فيلا عن الواقدي وإنما وحد لأنه أراد الجنس وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليه أكثر العلماء وقيل كان أمر الفيل قبل مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بثلاث وعشرين سنة عن الكلبي وقيل كان قبل مولده بأربعين سنة عن مقاتل والصحيح الأول ويدل عليه ما ذكر أن عبد الملك بن مروان قال لعتاب بن أشيم الكناني الليثي يا عتاب أنت أكبر أم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال عتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أكبر مني وأنا أسن منه ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عام الفيل ووقعت على روث الفيل وقالت عائشة : رأيت قائد الفيل وسائقه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان {أ لم يجعل كيدهم في تضليل} معناه أ لم يجعل إرادتهم السوء واحتيالهم في تخريب البيت الحرام وقتل أهله وسبيهم واستباحتهم في تضليل عما قصدوا إليه ضل سعيهم حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم وقيل في تضليل أي في ذهاب وبطلان {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة قال الأعشى :

طريق وجبار رواء أصوله *** عليه أبابيل من الطير تنعب (2)

 وقال امرؤ القيس :

تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم *** أبابيل طير تحت داجن مدجن (3)

 وكانت لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب عن ابن عباس وقيل لها أنياب كأنياب السباع عن الربيع وقيل طير خضر لها مناقير صفر عن سعيد بن جبير وقيل طير سود بحرية تحمل في مناقيرها وأكفها الحجارة عن عبيد الله بن عمير وقتادة ويمكن أن يكون بعضها خضرا وبعضها سودا {ترميهم بحجارة من سجيل} أي تقذفهم بحجارة صلبة شديدة ليست من جنس الحجارة وقد فسرنا السجيل في سورة هود وما جاء من الأقوال فيه فلا معنى لإعادته وقال موسى بن عائشة : كانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة وقال عبد الله بن مسعود : صاحت الطير فرمتهم بالحجارة فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر فإن وقع على رأسه خرج من دبره .

 {فجعلهم كعصف مأكول} أي كزرع وتبن قد أكلته الدواب ثم راثته فديست وتفرقت أجزاؤه شبه الله تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث قال الحسن : كنا ونحن غلمان بالمدينة نأكل الشعير إذا قصب وكان يسمى العصف وقال أبو عبيدة : العصف ورق الزرع قال الزجاج : أي جعلهم كورق الزرع الذي جز وأكل أي وقع فيه الأكال وكان هذا من أعظم المعجزات القاهرات والآيات الباهرات في ذلك الزمان أظهره الله تعالى ليدل على وجوب معرفته وفيه إرهاص لنبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه ولد في ذلك العام وقال قوم من المعتزلة أنه كان معجزة لنبي من الأنبياء في ذلك الزمان وربما قالوا هو خالد بن سنان ونحن لا نحتاج إلى ذلك لأنا نجوز إظهار المعجزات على غير الأنبياء من الأئمة والأولياء وفيه حجة لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين المنكرين للآيات الخارقة للعادات فإنه لا يمكن نسبة شيء مما ذكره الله تعالى من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرهما مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية إلى ذلك إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدة مهياة لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون من سواهم فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم حتى لا يتعدى ذلك إلى غيرهم ولا يشك من له مسكة من عقل ولب أن هذا لا يكون إلا من فعل الله تعالى مسبب الأسباب ومذلل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل فلولم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه وكيف وأنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم فمن ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت :

إن آيات ربنا بينات *** ما يماري فيهن إلا الكفور

حبس الفيل بالمغمس حتى *** ظل يحبو كأنه معقور (4)

 وقال عبد الله بن عمرو بن مخزوم :

أنت الجليل ربنا لم تدنس *** أنت حبست الفيل بالمغمس

من بعد ما هم بشيء مبلس *** حبسته في هيئة المكركس

 أي المنكس قال ابن الرقيات في قصيدة :

واستهلت عليهم الطير بالجندل *** حتى كأنه مرجوم .

_____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص446-448 .

2-الجبار من النخل : ما طال وفات يد متناول . وانعب : صوت الطائر .

3- الدجن : المطر الكثير . وأدجن المطر : دام .

4- المغمس : موضع من مكة والمعقور : الذي قطعت قوائمه . وفي رواية ابن هشام في السيرة ((نافيات))

تفسير الكاشف

– ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ} ؟ . الخطاب لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) والاستفهام لتقرير الواقع أي انك تعلم يا محمد ما صنع اللَّه بأصحاب الفيل ، وهم الأحباش الذين أشرنا إلى قصتهم ، والقصد من هذا الخطاب هو تسلية الرسول بأن الذي أهلك أصحاب الفيل قادر على إهلاك المكذبين برسالة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) . {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} . الكيد والمكر بمعنى واحد ، وهو تدبير السوء في الخفاء ، والمراد بالتضليل هنا التضييع ، يقال : ضلل كيده إذا جعله ضائعا ، والمعنى ان الأحباش دبروا السوء لبيت اللَّه الحرام ، ولكن اللَّه سبحانه ضيع كيدهم وخيب سعيهم {وأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ} أي جماعات ، قال المفسرون والرواة :

جاءت طيور صغيرة من جهة البحر فوجا بعد فوج {تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} وهو الطين المتحجر {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} . العصف ورق الشجر سمي بذلك لأن الريح تعصف به إذا قطع ، ومأكول أي كالذي تأكله الدواب .

وقال الشيخ محمد عبده : (فيجوز لك أن تعتقد ان هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ، وان تكون هذه الحجارة من الطين المسموم الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات ، فإذا اتصل بحسد دخل في مسامه ، فأثار تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه) .

ويلاحظ بأن قوله : (يجوز لك أن تعتقد ان هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب . . وان هذه الحجارة من الطين المسموم) ان هذا القول يفتقر إلى الحجة لأن القطع لا يكون علما وحقا إلا إذا استند إلى دليل قاطع أو عيان ومشاهدة على حد تعبير الشيخ محمد عبده ، ولو قال : يجوز لك أن تحتمل لكان أقرب إلى الصواب . . أما نحن فنأخذ بظاهر النص كما فعل المسلمون الأولون ما دام العقل لا يأباه .

___________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص610-611 .

تفسير الميزان

– ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

فيها إشارة إلى قصة أصحاب الفيل إذ قصدوا مكة لتخريب الكعبة المعظمة فأهلكهم الله بإرسال طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ، وهي من آيات الله الجلية التي لا سترة عليها ، وقد أرخوا بها وذكرها الجاهليون في أشعارهم ، والسورة مكية .

قوله تعالى : {أ لم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس ، والاستفهام إنكاري ، والمعنى أ لم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى : {أ لم يجعل كيدهم في تضليل} المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام ، والتضليل والإضلال واحد ، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم .

قوله تعالى : {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} الأبابيل – كما قيل – جماعات في تفرقة زمرة زمرة ، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتي تتلوها عطف تفسير على قوله : {أ لم يجعل كيدهم في تضليل} .

قوله تعالى : {ترميهم بحجارة من سجيل} أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل ، وقد تقدم معنى السجيل في تفسير قصص قوم لوط .

قوله تعالى : {فجعلهم كعصف مأكول} العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم ، وقيل : المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسرت الآية ببعض وجوه أخر لا يناسب الأدب القرآني .

________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص334 .

تفسير الامثل

– ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

كيد ابرهة :

يخاطب اللّه رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية الاُولى من السّورة ويقول له : {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل}؟

لقد جاؤوا بجيش جرار مجهّز بالعدّة والعدد ليهدموا الكعبة . واللّه سبحانه دحرهم بجيش في ظاهره صغير بسيط . وأباد الفيلة بطير صغير ، وهدم الآلة الحربية المتطورة في ذلك الزمان بحجارة من سجيل . ليتّضح ضعف هذا الإنسان المغرور المتكبر أمام قدرة اللّه .

التعبير بجملة (ألم تَر) في الآية ، مع أنّ الحادثة وقعت قبل ولادة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أو مقترنة بولادته ، يعود إلى أنّ الحادثة المذكورة قريبة العهد من عصر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما إنّها بلغت من الشهرة والتواتر وكأن النّبي رأها بعينه المباركة . هذا إلى أن جمعاً من معاصري الرسول كانوا قد رأوها بأعينهم .

عبارة (أصحاب الفيل) إشارة إلى ما كان مع الجيش المهاجم من فيلة جاؤوا بها من اليمن ليرعبوا العرب وخيولهم(2) .

{ألم يجعل كيدهم في تضليل}؟!

لقد استهدفوا الكعبة ليهدموها وليقيموا بدلها كعبة اليمن ، وليدعوا قبائل العرب إلى حج هذا المعبد الجديد . لكنّه سبحانه حال دون تحقق هدفهم ، بل زاد الكعبة شهرة وعظمة بعد أن ذاع نبأ أصحاب الفيل في جزيرة العرب ، وأصبحت قلوب المشتاقين تهوى إليها أكثر من ذي قبل ، وأسبَغَ على هذه الديار مزيداً من الأمن .

كيدهم إذن صار في تضليل ، أي في ضلال حيث لم يصلوا إلى هدفهم .

ثمّ تشرح الآيات التالية بعض جوانب الواقعة .

{وارسل عليهم طيراً أبابيل} .

«أبابيل» لم تكن في لهجات العرب المعروفة اسماً لطائر ، بل إنّها صفة ، قيل إنّ معناها جماعات متفرقة . أي إنّ هذه الطير كانت تأتي على شكل مجموعات والكلمة لها معنى الجمع . وقيل : إنّ مفرده (أبابلة) وهي المجموعة من الطير أو الخيل أو الإبل ، وقيل إنّ الكلمة جمع لا مفرد له من لفظه .

على أي حال عبارة «طيراً أبابيل» تعني طيراً على شكل مجموعات .

والمشهور أنّ هذه الطير كانت تشبه الخطاطيف قدمت من صوب البحر الأحمر في اتجاه أصحاب الفيل .

{ترميهم بحجارة من سجّيل}(3) .

وكما ذكرنا في قصّة أصحاب الفيل ، فإنّ كلّ واحدة من هذه الطير كانت تحمل ثلاث حجارات أصغر من الحمصة ، واحدة في منقارها واثنين في ارجلها . وما أن تسقط هذه الحجارة على أحد حتى تهلكه .

{فجعلهم كعصف مأكول} .

و«العصف» هو النبات الجاف المتهشّم ، أي هو(التبن) بعبارة اُخرى . وقيل إنّه قشر القمح حين يكون في سنبله . والمناسب هنا هو المعنى الأوّل .

وقال «مأكول» إشارة إلى أنّ هذا التبن قد سحق مرّة اُخرى بأسنان الحيوان ، ثمّ هشّم ثالثة في معدته ، وهذا يعني أنّ أصحاب الفيل ، قد تلاشوا بشكل كامل عند سقوط الحجارة عليهم .

وهذا التعبير إضافة إلى ما له من معنى الإبادة التامة ، يحمل معنى التفاهة والضعف ممّا صار إليه هؤلاء المهاجمون الطغاة المستكبرون والمتظاهرون بالقوّة .

______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15 ، ص533-535 .

2 ـ الفيل ، لفظه مفرد ، وله هنا معنى الجنس والجمع .

3 ـ سجّيل كلمة فارسية مأخوذة من دمج كلمتين هما «سنگ» و«گل» . وتعني الطين المتحجّر .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى