مقالات

جوانب من أخلاق الإمام الكاظم عليه السلام

الإمام موسى بن جعفر الكاظم  ولد في المدينة في سنة 128هـ وتوفي في بغداد في سنة 183هـ ، في سجن السندي بن شاهك.

تولى الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق  سنة 148هـ وكان له من العمر عشرون سنة.

اتفق المؤالف والمخالف على إمامته وجلالته.

قال الذهبي: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر. (العبر في خبر من غبر 1/222).

وقال: وقد كان موسى من أجود الحكماء ومن العبّاد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد. (ميزان الاعتدال 4/202).

وقال: أجَلّ آل جعفر وأشرفهم ابنه موسى الكاظم، الإمام القدوة السيد أبو الحسن العلوي والد الإمام علي بن موسى الرضا، مدني نزل ببغداد. (سير أعلام النبلاء 6/270).

وقال ابن الجوزي: كان يُدعى العبد الصالح، لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال. (صفة الصفوة 2/184).

وقال ابن كثير: كان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد أنه يؤذيه أرسل له بالذهب والتحف. (البداية والنهاية 10/189).

وقال ابن تيمية: وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك. (منهاج السنة 2/124).

ونود أن نسلط الضوء على الصفة المشهورة من أخلاق الإمام الكاظم :

وهي كظم الغيظ، وهي الصفة التي اشتهر بها ولقب لها:

ووصفه بالكاظم مما اتفق عليه المؤالف والمخالف، ولم تكن هذه الصفة مما أطلقه الشيعة الإمامية عليه بغير حق، كما تفعله كل الطوائف في إطلاق الألقاب على رموزهم.

والكظم: هو سد القربة بعد امتلائها.

وهي من الصفات الحميدة التي وردت فيها النصوص الكثيرة الدالة على فضل الكاظمين الغيظ، منها: قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134).

والأحاديث في فضل الغيظ كثيرة، منها: صحيحة أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين  قال: قال رسول الله : من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم، وجرعة مصيبة تردها بصبر. (الكافي 2/110).

ومنها صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله  قال : كان علي بن الحسين  يقول : ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم ، وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها ( الكافي 2/109).

ـ أئمة أهل البيت كلهم كاظمون لغيظهم، ولكن اشتهر بها الإمام الكاظم  لحكمة أرادها الله تعالى، ولحوادث كثيرة حدثت له قابلها بالحلم وكظم الغيظ.

منها: ما رواه الشيخ المفيد قدس سره عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد، عن جده، عن غير واحد من أصحابه ومشايخه: أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ، ويسبه إذا رآه ويشتم عليًّا ، فقال له بعض جلسائه يوما: دعنا نقتل هذا الفاجر. فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري، فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب فوجده في مزرعة، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا، فتوطأه أبو الحسن  بالحمار حتى وصل إليه، فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ فقال له: مائة دينار، قال: وكم ترجو أن تصيب فيه؟ قال: لست أعلم الغيب، قال: إنما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال: أرجو فيه مائتي دينار. قال: فأخرج له أبو الحسن  صرة فيها ثلاث مائة دينار، وقال: هذا زرعك على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو. قال: فقام العمري، فقبل رأسه، وسأله أن يصفح عن فارطه، فتبسم إليه أبو الحسن  وانصرف. قال: وراح إلى المسجد فوجد العمري جالساً، فلما نظر إليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالاته. قال: فوثب أصحابه إليه فقالوا: ما قصتك؟ قد كنت تقول غير هذا، قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن ، فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن إلى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري: أيما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟ إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم، وكفيت به شره. (الإرشاد 2/233).

نستفيد من هذه القصة عدة أمور:

1- ينبغي أن نتأسى بالإمام  في أخلاقه، وفي تعامله مع أعدائه وأوليائه.

2- ينبغي مواجهة المسيئين بالإحسان كما قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).

3- أن معالجة الأمور مع المخالفين والأعداء خير من التصادم والنزاع معهم.

 4- أن أكثر النزاعات عادة ما تكون أسبابها أموراً لا تستحق المنازعة والاختلاف.

5- أن الإمام  كان يصنع ذلك مع أعدائه، فينبغي لنا على الأقل أن يكون مثل هذا السلوك عادة لنا مع أوليائنا وأقربائنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى