مقالات

حتميات نبوية

📢 رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: *”مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَإِنْ كَانَ شِبْراً مِنَ اَلْأَرْضِ اِسْتَوْجَبَ اَلْجَنَّةَ وَكَانَ رَفِيقَ إِبْرَاهِيمَ ومُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِما”*

*يتفق الباحثون* على التأثير القوي للبيئة الاجتماعية في عقيدة الشخص وبنيته الفكرية والقِيَمية، فإنها عامل مهم جداً من عوامل تكوين شخصيته، فإن كانت صالحة، اقتضت في الأعم الأغلب أن يكون صالحاً، وإن كانت فاسدة ساهمت كذلك في الأعم الأغلب في نشوئه فاسداً. وإنما قلت في الأعم الأغلب لأن الإنسان يمكن أن يعيش نظيفاً وطاهراً في الوسط المُلّوث، وبالعكس يمكنه أن يسير في طريق الرّذيلة والإثم في المحيط الطّاهر، ما يعني أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان ليس تأثيرها فيه مطلقاً وحتمياً، وليست العلّة التّامة في صلاحه وانحرافه، ولكنّها يمكن أن تهيئ الأرضية لذلك قطعاً، أي أن تأثيرها ليس على نحو العلة التامة بل على نحو المقتضي، وهذا أمر لا ينكره العلماء والعارفون، وتشهد له التجارب الإنسانية المستمرة.
*إن الله تعالى* يؤكد في القرآن الكريم ما سبق ببيان في منتهى اللطافة فيقول: *”وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ”*﴿58/ الأعراف﴾. فكما أن التربة الصالحة الطيبة تنتج زرعا وثمراً صالحاً طيباً، والتربة الملوثة الفاسدة تنتج زرعاً خبيثا وثمراً مُراً، كذلك البيئة الصالحة، إنها تساعد على صناعة إنسان صالح، كما أن البيئة الفاسدة تساهم في صناعة إنسان فاسدٍ.
ويقول تعالى: *”وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ”*﴿138/ الأعراف﴾. إن الآية الكريمة تتحدث عن العدوى التي انتقلت إلى بني إسرائيل حين مرَّوا في طريقهم على قوم يعكِفون على عبادة أصنام لهم، فنسوا تعليم موسى (ع) لهم أكثر من عشرين عاماً معالم التوحيد لله تعالى، بل إنهم نسوا أعظم معجزة أنقذتهم من فرعون وملئه حين انشق البحر لهم بقدرة الله تعالى قبل أيام قليلة، وفرعون كان وثيناً وباسم الوثنية استذلهم واستضعفهم فقتَّل أبناءهم واستحيا نساءهم، ولكنهم نسوا كل ذلك وانتقلت إليهم عدوى الشرك والوثنية فارتكسوا وانتكسوا.
*إن ما سبق* يدل على تأثير البيئة في صياغة السلوك الإنساني، بل حتى في عقيدة الناس وقيمهم. وهذا يُلزم الإنسان المؤمن بالانتقال من البيئة الفاسدة الظالمة التي تضغط عليه في دينه وقيمه وأخلاقه، إلى بيئة صالحة يتحرَّرُ فيها من الضغوط الفكرية والأخلاقية، ويمارس فيها شعائره الدينية بحرية وأمان، وهذا ما يطلق عليه القرآن الكريم مُصطلح الهجرة، التي هي فرار الإنسان بدينه من أرض إلى أرض أخرى، وعلى الشخص ألا يحسب حساباً لرزقه فإن الله يكفل له رزقه، وييسر له أموره، ويهيئ له الأسباب المطلوبة، قال تعالى: *”وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً…”*﴿100/ النساء﴾. إن الذي يهاجر في سبيل الله فاراً بدينه وإيمانه إلى بلد آخر سيجد في أرض الله سَعة ورخاء وأمناً، وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه يُحييه ويرزقه ويُنَجِّيه، فضلاً عما دَلَّ عليه الحديث النبوي الشريف المتقدم من استيجابه الجنة ورفقته لإبراهيم الخليل الذي قال: *”…إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”*﴿26/ العنكبوت﴾. ورفقته لرسول الله (ص) الذي هاجر من مكة المكرمة مسقط رأسه الشريف إلى يثرب لينطلق من هناك في دعوته، وليأمن المسلمون معه على دينهم وإيمانهم.
✍ *السيد بلال وهبي*
فجر يوم السبت الواقع في: 4/6/2022 الساعة (03:35)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى