مقالات

زهد الإمام الرضا (عليه السلام) وتواضعه، سمة من البيت النبوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد

تمر علينا في هذه الأيام الحزينة مناسبات مؤلمة منها فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن بعدها فقد حفيده الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، هو امتداد للنور المحمدي وفرع من الشجرة المباركة، التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا.

سنركز في هذه السطور على قطرة من فضائل مولانا الإمام الرضا (عليه السلام)، وعن خلقه الرفيع الذي عرف عنه، فهو عالم ملك العلم بعلمه، فقيه لا يدانيه أحد في زمانه، كريم كعادة آباءه، فالكرم فيهم أصل متجذر، شجاع عابد زاهد تقي نقي، كثير التواضع كآبائه، ينقل لنا عن كريم خلقه ما روي (عن إبراهيم بن العباس، قال: ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحدا بكلمة قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها ولا مد رجله بين يدي جليس له قط ولا أتكئ بين يدي جليس قط، ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط ولا رأيته تفل ولا رأيته يقهقه في ضحكة قط بل كان ضحكه التبسم، وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب السائس وكان عليه السلام قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول ذلك صوم الدهر وكان عليه السلام كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق)([1]).

ومن أقواله (عليه السلام) في الحث على إحياء أمرنا أهل البيت (عليهم السلام): (من جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)([2])، وقال في الحث على العلم: (العلم ضالة المؤمن)([3])، وعن آداب طلب العلم والتواضع في تطبيقه: (من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه لِيُرَئِّسُوهُ و يعظموه فليتبوأ مقعده من النار)([4]).

كان الإمام (عليه السلام) على علم بخبث بني العباس ومكرهم وكرههم لأهل البيت (عليهم السلام)، وانهم لا يختلفون عن بني أمية في شيء، لذا كان (عليه السلام) معرفة بأنهم سيقتلونه، إذ روى عنه (عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت الإمام الرضا عليه السلام يقول: إنّي سأقتل بالسمِّ مظلوماً وأقبر إلى جنب هارون، ويجعل الله تربتي مختلف شيعتي وأهل محبّتي، فمن زارني في غربتي وجبت لـه زيارتي يوم القيامة، والذي أكرم محمداً بالنبوّة لا يصلي أحدكم عند قبري ركعتين إلا استحقّ المغفرة من الله تعالى يوم يلقاه، والذي أكرمنا بعد محمد (صلى الله عليه وآله) بالإمامة وخصّنا بالوصيّة: إن زوّار قبري لأكرمَ الوفود على الله يوم القيامة، وما من مؤمن ٍ يزورني فيصيب وجهه قطرة من الماء إلا حرّم الله جسده على النار)([5]).

ولم يكن هذا الموضع الوحيد الذي نعى الإمام (عليه السلام) فيه نفسه الزكية، فقد ذكر ذلك حين وفد عليه الشاعر دعبل الخزاعي، وأنشد عليه قصيدته التائية المعروفة (مدارس آيات)، التي يعرج فيها على قبور أهل البيت (عليهم السلام)، ويحن يصل إلى قبر الإمام الكاظم (عليه السلام) والد الإمام الرضا (عليه السلام)، بقوله:

(وقبر ببغداد لنفس زكية                    تضمّنها الرحمن في الغرفات

قال له الإمام (عليه السلام): (أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك)؟ فقال دعبل: بلي يا ابن رسول الله.

فقال الإمام (عليه السلام):

وقبر بطوس يا لها من مصيبة            توقّد بالأحشاء في الحرقات

إلي الحشر حتي يبعث الله قائما             يفرّج عنّآ الهم والكربات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟!!

فقال (عليه السلام): قبري)([6]).

وهكذا مضى إمامنا الرضا (عليه السلام) مسموما على يد المأمون العباسي الذي خاف من مكانة الإمام (عليه السلام) وشعبيته وكثرة محبيه وشيعته، ما جعله يعتقد أن الحكم في خطر، فدس السم إلى الإمام (عليه السلام)، وبعدها بيومين رحل الإمام (عليه السلام) إلى الرفيق الأعلى وهو يشكو ظلم الطغاة وبغضهم لآل محمد (عليهم السلام)، كان ذلك في التاسع والعشرين من صفر سنة 203 للهجرة([7])، وقد أوصى بالخلافة للإمام الجواد (عليه السلام) بعده إذ قال: (أبو جعفر وصييّ وخليفتي في أهلي من بعدي)([8]).

وختاما نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا مع محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.

الهوامش:
([1]) عيون أخبار الرضا: 1/ 198- 199.
([2]) بحار الأنوار: 1 /199
([3]) المصدر نفسه: 1 /168
([4]) المصدر نفسه:2/ 31
([5]) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/ 249.
([6]) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/ 295- 296، بحار الأنوار: 49/ 239.
([7]) سيرة الأئمة الاثني عشر: 2/ 341,
([8])عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/ 267.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى