مقالات

الوحدة السياسية للأمة الإسلامية د. السيد محمد الغريفي

في بداية النهضة الإسلامية المعاصرة التي بدأت منذ الأربعينيات من القرن الماضي، كان مفهوم الوحدة أوضح المفاهيم التي انتبه إليها المسلمون ووعاها الإسلاميون الذين يتبنون العمل للإسلام، ولكن في العقود الأخيرة ولأسباب عديدة ظهرت معالم ردة عن هذا المفهوم الضروري، ومن بعض الجوانب نلاحظ معالم غفلة وشرود ذهني نتيجة انشغال المسلمين بالمحن والاضطهاد والعدوان الذي يحيط بكل أبناء إقليم في إقليمهم، وبرزت معالم عتمة في الرؤية حتى وصل الأمر إلى تصور عدم وجود أدلة شرعية على وجوب الوحدة…

الوحدة التي فرضها الله «سبحانه» على المسلمين أشمل وأوسع وأعلى درجة متصورة لمفهوم الوحدة المتصور قيامها بين الناس، حيث تمتد أفقياً لتشمل جميع المسلمين وتمتد طولياً في التاريخ لتشمل جميع المسلمين من بداية البعثة إلى يوم القيامة.

بل المسلمون في قانون الإسلام كالجسد الواحد. والوحدة الإسلامية تشمل جميع جوانب الحياة، ولا يستثنى جانب منها، فالمسلمون وحدة اجتماعية واحدة، وهم كذلك اقتصادياً وعبادياً وفي أحكام النكاح والأسرة وفي القضاء وفي السياسة والتبعات العسكرية .

وخلافاً لما يتوهم بعضهم فإنّ الجانب السياسي غير مستثنى من مبدأ الوحدة بل على العكس، فإنّ أكثر الآيات والأحاديث التي تحدثت في الوحدة كانت ذات طابع سياسي صارخ، مثالاً على هذه الرابطة نذكر الآيات التالية:

1- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

2- {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}.

3- {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.

4- {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

كانت الأمة تعيش الوحدة وارتكز مفهومها عندهم بدرجة ارتكاز القصيدة، ولكن عندما ضعف الوضع الديني عندهم في الحياة السياسية تدريجياً نتيجة انحراف الحكام، وبعد ان ضعفوا عسكرياً واقتصادياً أمام الأعداء الصليبيين وقعوا فريسة بأيديهم وكان أول ما بدأوا به من تعطيل للإسلام، هو الجانب السياسي، وأول ذلك تعطيل مبدأ الوحدة إذ مزقوا البلاد الإسلامية وجزأوا الأمة إلى شعوب ودويلات وأمارات، وبعد فترة انطمست معالم مفهوم الوحدة في أذهان أكثرهم.

فضعفُ الوعي لمفهوم الوحدة جاء نتيجة تعطيل الجانب السياسي من الإسلام في حياة المسلمين، ونتيجة فرض واقع سياسي غير إسلامي، ونتيجة تعطيل مبدأ الوحدة عملياً بتجزئة بلاد المسلمين وتمزيق كيانهم السياسي.

أنّ الوحدة المطلوبة اليوم هي الوحدة السياسية للأمة الإسلامية، أي وحدة الكيان السياسي للمسلمين، أشبه ما يكون بالاتحاد الأوربي الذي وحد الأوربيين رغم اختلافاتهم المذهبية والقومية، كذلك نحن اليوم نحتاج الى هذا النوع من الوحدة، باعتبارها أهم الجوانب التي يجب على النهضة الإسلامية أن تهتم بها، وأصبح وعي هذا المبدأ من أهم جوانب القضية الإسلامية المعاصرة.

تستطيع الأمة الإسلامية اليوم أن تشكل أتحاد سياسي بين الحكومات الإسلامية، يبتني على أساس المصالح المشتركة لدول الاتحاد، بالإضافة الى أسس العقائد والشريعة والأخلاق بين المسلمين. ويمر الاتحاد بأربعة مراحل أساسية:

1- (مرحلة التمهيد): يجري فيها نشر ثقافة الوحدة من قبل: الدول الحاضنة للمشروع، الأمة الإسلامية، المنظمات الإسلامية، الحوزات والجامعات، العلماء والمفكرين والكتاب، الأحزاب السياسية الإقليمية، وسائل الأعلام الإقليمية).

2- (مرحلة الكونفدرالية): يجري فيها عقد معاهدات التعاون بين الدول الإسلامية في مجالات: السياسية، الاقتصادي، العسكري، الإعلامي، العلمي، …

3- (مرحلة الفدرالية): يجري فيها توحيد الحاكم، والجيوش، والقوانين، واللغة، والتقريب بين المذاهب، وبين الثقافات، والتعاون الاقتصادي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى