مقالات

فلسفة( الأهداف والنتائج) الحسينية

أهداف الثورة الحسينية
لقد قيل الكثير عن نهضة هذا العظيم، لكن الإنسان كلّما فكّر وتدبَّر في هذا الموضوع، كلما اتّسع مجال التفكير والبحث والتحقيق والمطالعة عنده، فقد بقي الكثير مما لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة والعجيبة التي لا نظير لها، فعلينا أن نتدبر ونتفكر فيه ثم نقوله للآخرين.

لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبد الله عليه السلام من المدينة وتوجّه نحو مكة إلى أن استشهد في كربلاء، لأمكننا أن نقول إن الإنسان يستطيع عد مائة درس مهم في هذا التحرك الذي استمر أشهر معدودة فقط.ولا أود القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كل إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً، لكن عندما نقول مائة درس أي لو ردنا أن ندقق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان وفصل، وكل فصل يعتبر درساً لأمة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله، فهكذا هو الحسين عليه السلام بن علي “أرواحنا فداه وفداء إسمه وذكره“كالشمس الساطعة بين القديسين، أي إن كان الأنبياء والأئمة والشهداء والصالحين كالأقمار والأنجم، فالحسين عليه السلام كالشمس الساطعة بينهم، كل ذلك لأجل هذه الأمور.

والى جانب المائة درس هذه هناك درس رئيسي في هذا التحرك سأسعى لتوضيحه لكم وهو لماذا ثار الحسين عليه السلام ؟ لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصية لها حترامها في المدينة ومكة، ولك شيعتك في اليمن، اذهب إلى مكان لا عليك بيزيد ولا ليزيد عليك شيء، تعيش وتعبد الله وتبلغ؟

هذا هو السؤال والدرس الرئيسي، ولا نقول إن أحداً لم يشر إلى هذا الأمر من قبل، فقد حققوا وتحدثوا كثيراً في هذه القضية، وما نود قوله اليوم ـ وفي رأيي ـ هو استنتاج جامع ورؤية جديدة للقضية.

إن البعض يقول: إن هدف ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بدلها.

هذا القول شبه صحيح وليس خطأ، لأنه لو كان القصد من هذا الكلام هو أن الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة حكومة وعندما يرى عدم إمكانية ذلك، يقول لم نتمكن من ذلك ، فلنرجع.

إن من يثور لأجل إقامة حكومة، سيستمر ما دام يرى إمكانية ذلك، فإن احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي، فوظيفته أن يرجع، فالذي يقول إن هدف الإمام عليه السلام من هذه الثورة هو إقامة الحكومة العلوية الحقة، فهذا غير صحيح، لأن مجموع هذا التحرك لا يدلّ على ذلك وسأبين ذلك لاحقاً.

والبعض على العكس من ذلك، قالوا: ما الحكومة؟ إن الحسين عليه السلام كان يعلم بعدم تمكِّنه من إقامة الحكومة.انه جاء لأجل أن يقتل ويستشهد، لقد شاع هذا الكلام على لألسن كثيراً فترة من الزمن، وكان البعض يصنع ذلك بتعابير جميلة، ثم رأيت أن بعض كبار العلماء قد قالوا ذلك أيضاً، فهذا لا يعتبر كلاماً جديداً وهو أن الإمام عليه السلام ثار لأجل أن يستشهد، لأنه رأى انه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء فقال يجب أن اعمل شيئاً بالشهادة.

هذا الرأي أيضاً لا يوجد في المصادر الشرعية الإسلامية ما يؤيده، إن الشهادة التي نعرفها في الشرع المقدّس والآيات والروايات معناها أن يتحرك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدف مقدّس واجب أو راجح، هذه هي الشهادة الإسلامية الصحيحة.أما أن يتحرك الإنسان لأجل أن يقتل فلا.إذن هذا الأمر وان كان فيه جانباً من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين عليه السلام.

إذن باختصار لا يمكننا القول:إن الحسين عليه السلام ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا أن نقول:إنه ثار لأجل أن يستشهد، وإنني أتصور أن القائلين بأن الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة، فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين عليه السلام هدف آخر، كان الوصول إليه يتطلب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى لنتيجتين:الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعداً لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدمات الحكم وكذا مقدمات الشهادة، فإذا تحقق أي منهما، كان صحيحاًَ، لكن لم يكن أي منها هدفاً، بل كانا نتيجتين.

إذن ما هو الهدف؟ أقول باختصار ثم أبدأ بتوضيحه قليلاً.

لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين عليه السلام ، ينبغي أن نقول هكذا:إنَ هدف ذلك العظيم كان أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤده أحد قبله، لا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أمير المؤمنين عليه السلام ولا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، واجب يحتل مكاناً مهماً في البناء العام للنظام الفكري والقيمي والعملي للإسلام، ورغم أن هذا الواجب مهم وأساسي، لكنه لماذا لم يقم بهذا الواجب حتى عهد الإمام الحسين عليه السلام ؟ كان ينبغي على الإمام الحسين عليه السلام القيام بهذا الواجب ليكون درساً على مرّ التاريخ ، مثلما أن تأسيس النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحكومة الإسلامية أصبح درساً على مرّ تاريخ الإسلام، ومثلما أصبح جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله درساً على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشرية إلى الأبد، فكان ينبغي أن يودي الإمام الحسين عليه السلام هذا الواجب ليصبح درساً عملياً للمسلمين على مر التاريخ.

ولماذا قام الإمام الحسين عليه السلام بهذا الواجب؟ لأن أرضية هذا العمل قد مهّدت في زمن الإمام الحسين عليه السلام ، فلو لم تمهّد هذه الأرضية في زمن الإمام الحسين عليه السلام كأن مهّدت ـ وعلى سبيل المثال ـ في زمن الإمام الهادي عليه السلام لقام الإمام علي الهادي عليه السلام بهذا الواجب، لصار هو ذبيح الإسلام العظيم، ولو اتفق ذلك في زمن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لقام به، أو اتفق في عصر الإمام الصادق عليه السلام لقام به الإمام الصادق عليه السلام ، لكن لم يتفق ذلك في زمن الأئمة حتى عصر الغيبة إلا في عصر الإمام الحسين عليه السلام .

إذن كان الهدف أداء هذا الواجب، فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين إما الوصول إلى الحكم والسلطة وكان الإمام الحسين عليه السلام مستعداً لذلك، ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ، أو يصل إلى الشهادة وكان الإمام الحسين عليه السلام مستعداً لها أيضاً.

فإن الله قد خلق الحسين والأئمة بحيث يتحملون مثل هذه الشهادة لمثل هذا الأمر، وقد تحمل الإمام الحسين عليه السلام ذلك، هذا خلاصة الأمر.

وان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكذا أي نبي ـ عندما بعث ، أتى بمجموعة من الأحكام، بعضها فردية لإصلاح الفرد، وبعضها اجتماعية لبناء المجتمعات البشرية وإدارة الحياة البشرية، هذه المجموعة من الأحكام يقال لها النظام الإسلامي.

فعندما نزل الإسلام على القلب المقدّس للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء بالصلاة والصوم والزكاة والانفاقات والحج والأحكام الأسرية والعلاقات الفردية، ثم جاء بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة والنظام الاقتصادي وعلاقات الحاكم بالرعية ووظائف الرعية تجاه الحاكم.

هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر، وبينها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ما من شيء يقرّبكم إلى الجنة ويبعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به”.

ولم يبين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كل ما يسعد الإنسان والمجتمع الإنساني فحسب، بل طبّقها وعمل بها، فقد أقام الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وطبّق الاقتصاد الإسلامي، وأقيم الجهاد واستحصلت الزكاة، فشيّد نظاماً إسلاميا وأصبح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته من بعده معمار وقائد هذا النظام حيث كان الطريق واضحاً وبيّناً، فوجب على الفرد وعلى المجتمع الإسلامي أن يسير في هذا الطريق وعلى هذا النهج، فإن كان كذلك بلغ الناس الكمال، أصبحوا صالحين كالملائكة، وذهب الظلم والشر والفساد والفرقة والفقر والجهل بين الناس، ووصل الناس إلى السعادة الكاملة ليصبحوا عباد الله الكُمَّل.

*الثورة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى نيسان,2001/1422-ص:67

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى