مقابلاتمقالات

في الإمامة

بقلم: منير عوض

 

الحلقة الخامسة

 

مفهوم الولاية:

لما كان لفظ الولاية والولي من الألفاظ التي ترتبط بلفظ الإمامة والإمام ويتبارد أحدهما إلى الذهن عند ذكر الآخر كان مناسبا أن نقف عنده ونبينه بما يتوافق مع هذا المقام كما وقفنا في الحلقة السابقة على لفظ الخلافة والخليفة لذات السبب.

الولاية لغة: بمعنى تولّي الأمر، من ولي بمعنى قرب ولصق وما كان مرادفا وردفا للغير من دون حاجب وفاصل ([1]).

الولاية  بكسر الواو معناها السلطان، وبفتح الواو وكسرها معناها النصرة. وقال سيبويه: الوَلاية بالفتح المصدر، والوِلاية بالكسر الاسم مثل الإمارة والنقابة. ومن معانيها أيضاً الوصاية، فيقال: أولى فلاناً على اليتيم أوصاه عليه([2]).

وولي الشيء، ووليَ عليه وِلايةً ووَلايةً أي ملك أمره وقام به فهو وليه([3]). والولي ضد العدو، والولي في أسماء الله تعالى هو الناصر، وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها، كما في قوله تعالى: (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا) ([4]). فولاية الله لعباده عبارة عن تصرفه في شؤونهم وتوليه أمورهم([5]). وكل من ولي أمر أحد فهو وليه، أي قائم بأمره([6]).

وعلى أساس هذه الآيات المباركة فالله تعالى هو خالق الإنسان وهو أولى به وصاحب الولاية عليه، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([7]) وعليه فكل معاني الولاية ترجع إلى الله تعالى وهو صاحب الحق فيها.

بعض الناس يقبل هذه الولاية فهم يقرّون بحاكمية الله تعالى وولايته عليهم فهو وليهم، بينما أهل الكفر لا مولى لهم ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾([8])

ولكن كيف يقول الله أن الذين لا يؤمنون بالله لا مولى لهم فيما يقول في مواضع أخرى في القرآن الكريم بأن للكافرين أولياء : الطاغوت، الشياطين …

يريد الله أن يقول بأن أولياء الكافرين هؤلاء لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا فوجودهم وعدمهم سواء فالكافرون على وجه الحقيقة لا مولى لهم وإن ظهر أن لهم ولي أو أولياء.  

وهناك آخرون يتنصّلون من هذه الولاية فيلجئون إلى ولاية الشيطان. فالمؤمنون هم أولياء الله تعالى والله تعالى هو وليهم، فهو يأخذ بهم إلى ما فيه سعادتهم والنعيم الأزلي، وينجيهم من الضلال والعمى، وأما من لا يقبل ولاية الله تعالى فهو في الضلالة والظلمات:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

فإما أن يكون الإنسان في ولاية الرحمن أو في ولاية الشيطان ومن خرج من ولاية الله دخل في ولاية الطاغوت

 

ويمكن مما سبق التوصل إلى التالي:

1ـ ( الإمام ، الخليفة ، الولي ): جميع هذه الكلمات وفق التوصيف القرآني ـ من حيث المصدق ـ تدل على معنى واحد؛ فهي أسماء لشخص اختاره الله من بين كافة عباده وشرفه بهذه المنزلة.

و جميعها من المفاهيم ذات الإضافة التي تحتاج إلى طرفين ليتحقق المفهوم المراد منها.

2ـ يسمى خليفة كونه منصب من قبل الله كخليفة له في الأرض ، وهذا لا يعني غياب المستخلف وإنما هو تشريف من الله لمن استخلفه وأوكل إليه تسير شؤون العباد وتدبير أمور معاشهم والحكم بينهم ورزقهم وتعليمهم و هدايتهم  كل هذه الأمور وغيرها كلف وشرف الله بها خليفته على خلقه.

3ـ أما لفظ الإمام فيطلق من باب كونه إماما للناس يأتمون به ويسيرون على نهجه، فهو خليفة لله من باب استخلاف الله له وهو إمام للناس من باب ائتمام الناس به.

 

إذا نظرنا لأعلى لله فهو خليفة له، وإذا نظرنا لأدنى للناس فهو إمام لهم.

4ـ الإمامة والخلافة جعل إلهي مما يدل على أن هاتين الكلمتين بمعنى واحد وفق الاصطلاح القرآني حيث أنهما تشتركان بنفس اللفظ من الفعل: ( جعل ) وبنفس الفاعل: من لفظ الجلالة   ( الله ).

ففي الإمامة يقول الله تعالى:

( إني جاعلك للناس إماما)([9])

 (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)([10])

وفي الخلافة يقول تعالى:

( إني جاعل في الأرض خليفة)([11])

(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض)([12])

فالإمامة هي الخلافة فالله أثبت لإبراهيم ولمن اصطفى من ذريته الإمامة وفي هذا إثبات لخلافتهم وخلافة كل إمام نصبه الله للناس ، كما أن الله ـ أيضا ـ أثبت لآدم وداود الخلافة وفي هذا إثبات لإمامة كليهما ولكل خليفة لله سواهم.

فاللفظان هذان صفتان لكل من يصطفيه الله من بين الخلق خليفة عنه وإماما للخلق.

5ـ ولأنه خليفة لله استخلفه الله عنه ، ولأنه استحق بهذا أن يكون للناس إماما إذن هو أولى بالناس من أنفسهم وهو وليهم و الأدرى بالأصلح والأنفع لهم.

6ـ والخليفة لله والإمام للناس المنصب من قبل الله حتما سيكون أولى بالناس من أنفسهم فالسمع له والطاعة واجبة أنه أدرى وأعلم بما ينفعهم وما يضرهم وأحرص عليهم من أنفسهم، والاعتقاد بالولاية يفضي إلى الاعتقاد بالإمامة فكل ولي للمؤمنين من قبل الله تعيينه حريص عليهم رحيم بهم يكون جديرا بالإمامة من الله.

فكل خليفة لله إمام للناس أولى بكل مؤمن ومؤمنة.

كل أمر من هذه الأمور الثلاثة مترتب عن السابق له مبني عليه:

فأمر الولاية مبني على أمر الإمامة وأمر الإمامة مبني على أمر الخلافة.

7ـ وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإمامة شأنها كشأن النبوة والرسالة درجات فإمامة إبراهيم عليه السلام ليست كإمامة آدم من حيث المنزلة  وإمامة محمد ليست كإمامة إبراهيم عليه السلام.

و أعلى درجات الإمامة حيث لا درجة أعلى منها هي لمحمد ولو كل الأئمة الذين اصطفاهم الله من رسل وأنبياء و أوصياء كانوا أحياء في عصره لما وسعهم إلا اتباعه والتسليم له كما تشير الأحاديث النبوية لهذا.

8ـ ربما يتبادر إلى الذهن سؤال من مثل :

لماذا لم ينص القرآن على إمامة محمد صلوات الله عليه وآله ؟

1ـ لأن إمامة محمد صلوات الله عليه وآله ثابتة لا شك ولا ريب فيها، وهي أمر بديهي وقطعي لا تحتاج إلى ذكر في القرآن الكريم. 

2ـ كما أن مقام محمد فوق الإمامة فهو فوق كل توصيف وتعيين .

فهو أسمى وأعلى من يقصر ويحصر في مقام وأن يحد بدرجة.

فقد تجاوز صلوات الله عليه وعلى آله كل المنازل والمقامات وارتفع إلى أعلى الدرجات فهو فوق مقام الإمامة ومقامه أعلى منها.

نبي رسول إمام فالرسول خارج الدائرة.

فكل إمام وكل خليفة هو إمام نائب عنه وخليفة مستخلف عنه بالنيابة فالإمام لكل الأئمة هو والخليفة أصالة هو فيما هم قائمون بأعماله ونواب عنه .

9ـ سؤال آخر جدير بالطرح هنا وهو :

هل يشترط في الإمام أن يكون إماما ظاهرا بالحكم، وفي الخليفة لله أن يكون خليفة حاكما؟

قطعا لا فالله هو من نصبه خليفة وإماما وعدم إتباع الناس له لا يسلبه مقامه هذا ولا يجرده من حقه الإلهي فالعيب والخلل والخطأ في الناس ومن الناس أنفسهم فهم من تخلوا عنه وتركوه وحيدا.

إن إتباع الناس للإمام لا يرفع من منزلته ولا يزيده شرفا، كما أن عدم إتباعهم له لا ينقص منه فهم بحاجة إليه فيما هو في غنى عنهم فإن اتبعوه فالنفع لهم والفائدة تعود عليهم وإن خالفوه فهم الخاسرون وحدهم وهم الأخسرون، فمقامه هذا من الله والله عينه فيه والله المتكفل بحفظه له والأمر يعود للناس في إطاعته أو مخالفته .

 

[1]  مفردات الراغب : 572.

[2] أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور- لسان العرب- دار صادر- بيروت- 1376 هـ- 1956م- مج 15- فصل الواو- حرف وي- ص407، مجد الدين الفيروز آباذي- القاموس المحيط- المطبعة المصرية- ط3- 1352هـ- 1933م- ج4- فصل الواو- ص402.

[3] بطرس البستاني- محيط المحيط- بيروت- لبنان- 1286هـ- 1870م- مج2- باب الواو- ص2287.

[4] سورة النساء/ 45

[5] أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين الرازي – التفسير الكبير – المطبعة البهية المصرية – مصر – ط1 – 1357 هـ – 1938م – ج10 – ص116،ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي – انوار التنزيل واسرار التأويل – المعروف بتفسير البيضاوي – دار الجيل – بيروت – 1329هـ – ج5 – ص 113، محسن علي البلتستاني – النهج السوي في معنى المولى والولي – مطبعة الآداب – النجف الاشرف – 1388هـ – 1968م – ص10.

[6] ابن منظور – مصدر سابق – ص410، بطرس البستاني – مصدر سابق – ص2288، د.نزيه حماد – نظرية الولاية في الشريعة الإسلامية – دار القلم – دمشق – الدار الشامية – بيروت – الطبعة الأولى – 1414هـ – 1994م – ص7.

[7] سورة الشورى، الآية: (9).

[8] سورة محمد، آية (11):

[9] سورة البقرة، الآية: (124).

[10] سورة السجدة، الآية: (24).

[11] سورة البقرةـ الآية: (30).

[12] سورة ص، الآية: (26).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى