مقالات

تحريف معاني آيات الإمامة في تفاسير أهل السنة

بقلم: أبو علي عوض

الحلقة الأولى:

 

تكمن أهمية مبحث الإمامة في كون الإمامة من أصول الدين التي لا يقوم الدين إلا بها وعليها.

فمن الخطأ ـ وأيما خطأ ـ الاتجاه لدراسة الفروع من أمور الصلاة والزكاة و…. دون إيلاء أصول الدين حقها من الاهتمام؛ وهل تصح الفروع إلا بصحة الأصول.

نحتاج إلى الوقوف طويلا عند هذا الأصل فنحن ومتى ما أدركنا نظام الله في استخلاف الأنبياء والرسل والأوصياء عنه يكون ديننا بهذا مكتملا .

ولعل أهمية هذا المبحث في كونه يكشف لنا أن دين إخواننا من السنة ناقص؛ لقولهم بأن الإمامة من الفروع حيث جعلوا الأصل الموازي للتوحيد والنبوة فرعا.

وسأضرب هنا مثالا للتوضيح:

هل يعمل جهاز( اللابتوب ) إن أدخلت إليه أربعة أرقام وهو مبرمج سابقا على أن لا ينفتح إلا بخمسة أرقام محددة؟

هل من الممكن أن يعمل مع نقصان رقم ؟

بالطبع لا. وقريب من هذا أمر الإسلام حيث لا يكون المسلم مسلما ويتصف بهذا الصفة وتكون أعماله على الوجه المطلوب والمرجو منه إلا باجتماع الشرائط الخمسة .

فمن جهة الشيعة( الاثني عشرية ) لا يجوز التقليد في أصول الدين وعليه يجب على كل مكلف التأمل والتفكر في هذا الأصل والإيمان والتيقن به والتعمق فيه.

ومن جهة أهل السنة وبسبب عدم اعتقادهم بهذا الأصل فإنهم وإلى اليوم لم يجدوا طريقة أخرى غير الطريقة الحقة في تنصيب الإمام من قبل الله يتفقون عليها حتى ولو كانت طريقة باطلة.

فكلا الفريقين بحاجة إلى هذا الأصل الشيعة لتمام دينهم والسنة لرفع الخلاف عنهم وليكون إسلامهم أيضا كالشيعة إسلاما أصيلا ومقبولا.

لذا نجد أن من تخلوا عن هذا الركن الأساسي ـ من أصحاب الفرق الأخرى ـ وقعت أقوالهم في الاضطراب وحصل في آرائهم خبط وخلط لا أول له و لا آخر وما هذا إلا لنكرانهم هذا الأصل الثابت وتنكرهم له.

من ينظر إلى هذه المنظومة الإلهية القائمة مذ خلق الله آدم والممثلين لها ممن ارتضاهم الله خلفاء له في الأرض، من يطّلع على هذه السلسلة المتواصلة الحلقات ابتداء بآدم عليه السلام من تلاه إلى إبراهيم والمصطفين من ذريته عليهم السلام أجمعين إلى محمد و علي وصي محمد والأوصياء من بعد وحتى آخرهم محمد بن الحسن صلى الله عليهم أجمعين؛ سيكون حتما أكمل إيمانا وأتمّ دينا من سواه.

لمعرفة هذه الحكومة الإلهية وهذا النظام الإلهي لابد من طول تفكر وكثير تأمل وتوقف مستمر عند مسألة الإمامة والاستخلاف في الأرض فهذا النظام وصل إلى حد من الدقة والتداخل يوهم الواقف عليه ـ دون إعمال للعقل ـ بأن لا وجود له أصلا. و ربما كان المتاح لنا ليس أكثر من معرفة الخطوط العريضة الرئيسية لهذه الخريطة الغيبية؛ مما يزيدنا يقينا من حكمة الخلق وأن الله لم يخلق العباد عبثا، وأنه قد أقام عليهم الحجة بعد الحجة في كل زمان ومكان، وأن حججه عليهم قائمة ما قامت السماوات والأرضين.

ليس ثم مبحث يضاهي هذا المبحث أهمية إلا المباحث الأربعة المتمثلة في أصول الدين والتي لا تكتمل أصلا إلا به .

مسألة الإمامة تعد من أهم المسائل المتعلقة بالدين الإسلامي وهي منشأ الاختلاف وسبب افتراق الأمة بل وحتى احترابها و اقتتالها مذ العهد الأول للإسلام.

فكم هي الدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت! ولو أن الأمر توقف عند هذا لكان هينا ولكن الضرر الأكبر والمصيبة العظمى كانت في تعطيل الكثير من التشريعات الإلهية وتزييف الكثير من الحقائق وتضليل الناس وغير ذلك من المفاسد و المساوئ المترتبة عن اغتصاب الإمامة وتمكين الظلمة منها وتشريعها لهم.

إن المحيط بهذا المبحث ـ ولو حتى إحاطة بسيطة ـ سيكون على بصيرة من ربه على نور على يقين على دراية، وسيدرك الكثير من المعارف والأسرار الضرورية للاستمرار في السير على طريق الحق.

وهل ضلت الأمة إلا بسبب ضلالها عن هذه الحقيقة؟!

وهل استطاع الحكام الطغاة أن يستعبدوا الناس إلا بعد أن استأصلوا من نفوس الناس وعقولهم هذه المفهوم الإلهي للإمامة ليستبدلوه بمفهوم زائف ابتدعوه هم؛ ليسندوا الحق في اختيار الإمام لغير الله وليستبدوا بخلق الله وليعيثوا في الأرض فسادا.

ليس هناك أمر أهم من أمر الحكم ففي صلاح الحكّام صلاح المحكومين ومتى ما فسد الحاكم فسد الناس؛ ومن هنا تتضح أكثر أهمية المبحث هذا ويتضح أكثر لنا أن أمر الحفاظ على الدين وحماية أحكامه وتشريعاته هي من المهام الموكلة إلى الإمام المعين من قبل الله.

إن أردنا  أن نتثبت أكثر ونزداد يقينا وتيقنا من أهمية هذا المبحث؛ فليس علينا إلا أن نذهب إلى كتب التاريخ والدين لنرى كم من المصنفات والمؤلفات التي كتبت في هذا الموضوع وليس اهتمام العلماء من فقهاء ومؤرخين عبر التاريخ الإسلامي بهذه المسألة ضرب من العبث أو الترف فهذا الاهتمام به يكشف لنا أهميته ويوضح تنبه الطغاة من الحكام المغتصبين للحكم مبكرا لأهمية هذه القضية وإدراكهم بأن وجودهم وبقاءهم على كرسي الحكم لم يكن ولن يكون إذا لم يستمروا في دعم المأجورين المرتزقة من علماء يتصدون لقضية الإمامة الإلهية ويدافعون عن البديل الزائف عنها والإمام المزيف لهم.

فلولا أهمية هذا المبحث لما اهتم به الحكام والسلاطين، ولما أنفقوا الكثير من الأموال في شراء ذمم العلماء وضمائرهم ليكتبوا وفق هواهم و وفق ما يحفظ لهم منافعهم ومصالحهم ويحقق لهم مآربهم وطموحاتهم، ولما أهدر علماء السلطة هؤلاء أوقاتهم وأوقفوا أعمارهم للتصدي لهذه المسألة مقابل ما يمنحهم الحكام من متاع الدنيا ( وما متاع الدنيا إلا غرور ).

لقد كانت تلك هي لعبة الشيطان وقد أتقنها ـ لطالما تحين هذه الفرصة وطال انتظاره لها ـ ليبدأ  ومذ اللحظة الأولى من وفاة النبي صلوات الله عليه وآله بشن حروبه على الإسلام والمسلمين من أعلى، من رأس الهرم ساعيا إلى تنفيذ مخططه الخبيث في إسناد أمر الخلافة إلى من ليس أهلا له ، وقد استجاب له كثير من الصحابة وقبلوا أن يكونوا جزءا من مؤامرته تلك.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى