مقالات

مؤهلات الإمام علي عليه السلام للخلاقة

اهتمَّ الرسول صلى الله عليه وآله اهتماما بالغاً بتكييف حالة المسلمين، وتقرير مصيرهم، واستمرار حياتهم في طريقها إلى التطور في المجالات الاجتماعية والسياسية.

ورسم لها الطريق على أساس من المنهج التجريبي الذي لا يخضع بأي حال لعوامل العاطفة أو المؤثرات الخارجية.

فَعَيَّن صلى الله عليه وآله لها الإمام علي عليه السلام لقيادتها الروحية، وذلك لِمَا يَتَمَتَّعُ به عليه السلام من القابليَّات الفَذَّة، والتي هي بإجماع المسلمين لم تتوفر في غيره عليه السلام.

ولعل من أهمّها ما يلي

أولها:الإِحاطَة بالقضاء

فقد كان عليه السلام المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في ذلك.

وقد اشتهرت مقالة عُمَر في الإمام علي عليه السلام:لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَر .

ولم ينازعه أحد من الصحابة في هذه الموهبة، فقد أجمعوا على أنه عليه السلام أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأبصرهم بأمور الدين وشؤون الشريعة، وأوفرهم دراية في الشؤون السياسية والإدارية.

وعهده عليه السلام لمالك الأشتر من أوثق الأدلة على هذا القول، فقد حفل هذا العهد بما لم يحفل به أي دستور سياسي في الإسلام وغيره.

فقد عنى بواجبات الدولة تجاه المواطنين، ومسؤولياتها بتوفير العدل السياسي والاجتماعي لهم.

كما حدّد عليه السلام صلاحيات الحُكَّام ومسؤولياتهم، ونصَّ على الشروط التي يجب أن تتوفر في الموظف في جهاز الحكم من الكفاءة، والدراية التامة بشؤون العمل الذي يعهد إليه، وأن يتحلّى بالخُلق والإيمان، والحريجة في الدين، وإلى غير ذلك من البنود المشرقة التي حفل بها هذا العهد، والتي لا غنى للأمة حكومة وشعباً عنها.

وكما أنه عليه السلام كان أعلم المسلمين بهذه الأمور فقد كان من أعلمهم بسائر العلوم الأخرى، كعلم الكلام والفلسفة، وعلم الحساب وغيرها.

ومع هذه الثروات العلمية الهائلة التي يَتَمَتَّع بها كيف لا ينتخبه الرسول صلى الله عليه وآله، أو يرشّحه لمنصب الخلافة التي هي المحور الذي تدور عليه سيادة الأمة وأَمْنها.

فإن الطاقات العلمية الضخمة التي يملكها الإمام تقتضى بحكم المنطق الإسلامي أن يكون هو المرشح للقيادة العامة دون غيره.

فإن الله تعالى يقول:﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ 1.

ثانيها:الشجاعة

إن الإمام علي عليه السلام كان من أشجع الناس وأثبتِهِم قلباً، وقد استوعبت شجاعته النادرة جميع لغات الأرض، وهو القائل عليه السلام:”لَو تَظَافَرَتْ العَرَبُ عَلى قِتَالِي لَمَا وَلَّيتُ عَنْهَا .

وقد قام هذا الدين بسيفه عليه السلام، وبُنِيَ على جهاده وجهوده، وهو صاحب المواقف المشهورة يوم بَدر وحُنَين والأحزاب.

فقد حصد عليه السلام رؤوس المشركين، وَأبَادَ ضروسهم، وأشاع فيهم القتل، فلم تنفتح ثغرة على الإسلام إلا تَصَدَّى إلى إسكاتها.

فَقَدَّمه رسول الله صلى الله عليه وآله أميراً في جميع المواقف والمشاهد، وأسند إليه قيادة جيوشه العامة.

فإنه عليه السلام ما وَلجَ حرباً إلا فتح الله على يَدِه، فهو الذي قَهَر اليهود، وفتح حصون خَيْبَر، وَكَسَر شوكتهم، وأخمد نارهم.

والشجاعة من العناصر الاساسية التي تتوقف عليها القيادة العامة، فان الأمة اذا منيت بالازمات والنكسات، وكان زعيمها ضعيف الإرادة، خائر القوى جبان القلب، فانها تصاب حتما بالكوارث والخطوب، وتلاحقها الضربات والنكبات.

ومع توفر هذه الصفة بأسمى معانيها في الإمام علي عليه السلام كيف لا يرشّحه النبي صلى الله عليه وآله للخلافة الإسلامية !.

فإنه عليه السلام بحكم شجاعته الفَذَّة التي تصحبها جميع الصفات الفاضلة، والمثل الكريمة، كان مُتَعَيَّناً لقيادة الأمة وإدارة شؤونها، حتى لو لم يكن هناك نَصٌّ من النبي صلى الله عليه وآله عليه.

ثالثها:نُكرَان الذات

وأهم صفة لا بُدَّ من توفرها عند من يتصدى زعامة الأمة هي نكران الذات، وإيثار مصلحة الأمة على كل شيء، وعدم الاستئثار بالفيء وغيره من أموال المسلمين.

وكانت هذه الظاهرة من أبرز ما عُرِف به الإمام عليه السلام أيام حكومته، فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم حاكماً تَنَكَّر لجميع مصالحه الخاصة كالإمام عليه السلام، فلم يَدَّخِر لنفسه ولا لأهل بيته عليهم السلام شيئاً من أموال الدولة، وتَحرَّجَ فيها تَحَرُّجاً شديداً.

وقد أجهد نفسه عليه السلام على أن يسير بين المسلمين بسيرة قُوَامُها الحقُّ المَحِض والعدل الخالص.

رابعها:العدالة

وهي من أبرز الصفات الماثلة في شخصية الإمام عليه السلام، فقد أترعت نفسه الشريفة بتقوى الله، والتجنب عن معاصيه، فلم يؤثر أي شيء على طاعة الله، وقد تَحرَّج أشدَّ التَحَرُّج عن كل ما لا يُقرُّه الدين، وتَأَبَاهُ شريعة الله،

وهو القائل:”وَاللهِ لَو أُعطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبع بِما تَحت أفلاكِهَا عَلَى أنْ أَعصِي اللهَ فِي جَلْبِ شَعِيرَة أَسلُبُها مِن فَمِ جَرَادَةٍ مَا فَعَلتُ “.
وكان من مظاهر عدالته النادرة أنه امتنع من إجابة عبد الرحمن بن عوف حينما أَلَحَّ عليه أن يُقلِّده الخلافة شريطة الالتزام بسياسة الشيخين أبي بكر وعُمَر فأبى عليه السلام إلا أن يسير على وفق سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله فحسب.

ولو كان عليه السلام من طلاب الدنيا، وعشّاق السلطان لأجابه إلى ذلك، ثم يسير على وفق ما يراه، ولكنّه لا يلتزم بشيء لا يُقِرُّه، فلم يسلك أي طريق فيه التواء أو انحراف عن مُثُل الإسلام وهَدْيِهِ.

فقد توفرت العدالة بأرحب مفاهيمها في شخصية الإمام عليه السلام، وهي من العناصر الرئيسية التي يجب أن يَتَحَلَّى بها من يَتَقَلَّد زمام الحكم، وَيَلي أمور المسلمين.

هذه بعض خصائص الإمام علي عليه السلام، فكيف لا يُرَشِّحُه النبي صلى الله عليه وآله، ولا ينتخبه لمنصب الخلافة !

1-الزمر: 9.

 

المصدر : شبكة المعارف الإسلامية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى