سيرة وتاريخ

مختصر عن الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا عليه السلام

الامامة وظيفة إلهية اقتضت حكمة الله تعالى أن يكمل بها رسالات الأنبياء على ذات المسيرة التي بلّغ الله بها أنبياءَه. وكما أن الرسالة السماوية لم يكن للناس الخيره في اختيارها أو اختيار النبي المؤهل للقيام بتبليغها. وإنّما ذلك شأن من شؤون الله تعالى فيما يرى فيه المصلحة لعباده.

ونظرة الناس القاصره لا تكون مساويه لنظرة الله في الاختيار وإخراج الناس من الضلالة والجهل إلى نور الهداية. فبالإضافةِ إلى قدرة الله ورأفته بعباده أن الأوامر الإلهية ناظره إلى حياة المكلفين وما يأخذ بأيديهم إلى نور الهداية. فالرسول محمد (ص) لم يكلفه الله بالرسالة بناء على اختيار قريشَ وموافقتهم علىرسالته بل بالعكس تفننوا في عدائهم وايذائهم للرسول للوقوف بوجهه وهجرهم له في شَعب أبي طالب يفصح عن روح العداء والبغض له ولرسالته، وحياة الرسول المليئه بالجهاد والمعاناة فيحتاج بعده إلى مَنْ يخلفه برسالته بنفس الروح والجهاد الإيماني لكي تَستمر مسيرتهُ على نفس الأبعاد والمعطيات. ولذا تراه (ص) بلّغ أمر السماء بمن يخلفه بروح إيمانيّه وجهاديّه بعيده عن الانحراف وحب الأنا ـ التي يصفها علماء النفس بأنها من أخطر الأمراض التي تعصف بعقيدة الإنسان ـ.

كما أنّ الرسول الأكرم (ص) لم يبلغ بالإمامة انطلاقاً من حبّهِ للإمام علي عليه السلام أو تقديره لجهاده وتضحياته وإنما انطلق في تبليغه من أمر إلهي ( يا أيها النبيّ بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ).

إذن أمر الإمامة هو أمر إلهي فيه تأكيد على النبي وإلزام بدليل ( وإن لم تبلغ فما بلغت رسالتك ) ولذا نشاهده (ص) قد أعطى هذا الأمر ما يستحق من الجهد وهنّـأ المسلمون الإمام علياً بذلك، ثم أخذ الأئمة (ع) يوصي السابق باللاحق مع مواريث الإمامة وقد وردت آيات عديدة بهذا المعنى منها:

( أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْر منكم) [1].
( وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ) [2].

كما أن للرسول الأكرم نصوصاً عديدة تضمنت تبليغه لرسالته والنص على الأئمة من بعده فقد قال (ص): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليَّ الحوض فأعطاني ذلك. فإنهم لن يخرجوكم من هدىً ولن يدخلوكم في ضلاله.
وآية التطهير التي يشترك في روايتها وسبر مضامينها علماء الفريقين حتى بلغت حد التواتر وهناك دليل عملي بأنها تخص آل البيت، وهو نزولها في بيت زوجة الرسول (ص) أم سلمه (رض) ولما أرادت الدخول معهم منعها الرسول (ص) ـ مع جلالة قدرها ـ وخاطبها قائلاً: إنّكِ إلى خير. وقوله هذا (ص) يُخرج زوجاته من هذا الاختصاص وأن الأمر خاص بالنبي والإمام علي وفاطمة وأبنائهما عليهم السلام وبدليل قول الرسول لأم سلمه هؤلاء أهلي وثقلي فبدأت مسيرتهم التكلّيفيه إتماماً للرساله وتبليغها من بيت الوحي وأبنائه ولا يدعيها غيرهُم إلا كاذب ومتجاوز على الرسول ورسالته[3].

وقد أكّدت الآيات القرآنية وأقوال الرسول (ص) أن الأئمة هم من ولد عليّ ٍ وفاطمة وكل منهم يوصي الذي يأتي بعده ويعطيه مواريث الإمامة ودليل الإمامة هو قول الرسول (ص) بشأن الحسنين(ع): هذان ولداي إمامان إن قاما أو قعدا.

نــســبــه الــشــريــف:

هو الإمام الثامن من أئمة الشيعة الإثنى عشرية (عليهم السلام ) حجة الحق والخليفة على عامة الخلق ، الناهج في مناهج القضاء علي الثالث من العليين الأربعة أبي الحسن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . فنسبه (ع) من نسب والده الإمام العظيم (ع) منتهياً بأبي الحسن علي بن أبي طالب (ع) وبالنبي الأكرم محمد( ص) .

أما أمه فهي أم ولد ، وهذا اللقب كان يطلق على الجارية التي تحمل وتلد من سيدها ومالكها ،وكان يمنع بيعها بعد الولاده وتصبح حرة، لا تباع بعد وفاة ما لكها .

ولآمه (ع) أسماء وألقاب وكنى عديدة منها : نجمة ، وسمانة ، وتكتم ، وصفر ، وأروى ، وسكن النوبية ، والطاهرة ، وخيرزان المريسية، وأم البنين .

وكانت جارية جليلة جداً ، اشترتها حميدة المصفاة ، أم الإمام موسى بن جعفر (ع) وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة ، حتى إنها لم تجلس بين يديها منذ ملكتها اجلالاً لها ، وكانت حميدة تقول لأبنها موسى (ع) إن تكتم جارية ما رأيت قط جارية أفضل منها ، ولست أشك أن الله عز وجل سيطهر نسلها إن كان لها نسل ، وقد وهبتها لك فاستوصِ خيراً بها .

فلما تزوجها الإمام موسى بن جعفر (ع) وولدت له الرضا (ع) سماها الطاهرة ، وفيها وفي ابنها يقول الشاعر :
ألا إنّ خيرَ الناس نفساً ووالداً … و رهطاً واجداداً عليّ المعظمُ
اننا بـــــــهِ للعلم والحلم ثامناً … إماماً يـــؤدي حجة الله “تكتمُ”

ولادتـــــــــــه:
ولد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في المدينة المنورة يوم الجمعة ، وقيل يوم الخميس الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام من سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة النبوية الشريفة .

كــنــيــتــه وألــقــابــه:
أما كنيته ، فهي ككنية جدة أمير المؤمنين (ع) ( أبو الحسن ) ، ولهذا يعرف الإمام الرضا عليه السلام بأبي الحسن الثاني .

وأما القابه فكثيرة ، أولها وأشهرها : الرضا ، وإنما لقب بهذا اللقب لأنه كان رضا الله في سمائه ، ورضا الرسول (ص) في أرضه ، ورضا الأئمة من بعده ، بل رضيَ به المخالفون من اعدائه وضده ، كما رضي به الموافقون من أوليائه وجنده ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (ع) بالنسبة إلى غير أوليائه لأنه (ع) رضيه المأمون لولاية عهده في ظاهر الأمر ، وليس الأمر ما ذكره بعض المورخين من ان الرضا لقب أطلقه المأمون على عليه (ع) ، بل الصحيح أن هذا اللقب منصوص عليه من أجداده (ع) من الرسول (ص) .
ومن كناه أيضاً : الرضي ، والصابر ، والصادق ، والوفي ، والفاضل ، والضامن ، وقرة أعين المؤمنين ، وغيظ الملحدين – أو مكيدة الملحدين – ، وسراج الله ونور الهدى ، وكفو الملك ، وكافي الخلق ، وربُّ السرير ، ورب التدبير ، والصديق والمرتضى ، والراضي بالقدر والقضاء ، وينعت بغريب الغرباء ، ومعين الضعفاء ، ومعين الضعفاء والفقراء ، والمغيث ، ومغيث الشيعة والزوار في يوم الجزاء ، والإمام الرؤوف ، والسلطان علي بن موسى الرضا .

ســنــوات عــمــره وحــيــاتــه بــشــكــل عــام:
عاش الإمام الرضا (ع) أربعاً وخمسين سنة وأشهراً على المشهور ، وعلى ما هو مشهوراً أيضاً فإنه (ع) ولد في السنة التي استشهد فيها جده الإمام الصادق (ع) وعاش (ع) مع أبيه الإمام موسى بن جعفر (ع) ما يقرب من أربعة وثلاثين سنة ، وكانت مدة إمامته وخلافته بعد أبيه ما يقرب من عشرين سنة .

مــلــوك عــصــره:
عاصر (ع) بقية حكم هارون العباسي عشر سنين وخمسة وعشرين يوماً ، ومن بعده ابنه محمد بن هارون المعروف بالأمين وهو ابن زبيدة ، ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوماً ، خُلع بعدها وأجلس مكانه عمه ابراهيم أربعة عشر يوماً ، ثم خرج محمد بن زبيدة من السجن بعدها ، وبويع ثانيةً ، فملك سنه وستة أشهر وثلاث وعشرين يوماً ، ثم تغلب عليه وقتله أخوه ابن الجارية عبدالله المأمون الذي ملك عشرين سنة وثلاث وعشرين يوماً ، والذي أنتهت حياة الإمام الرضا (ع) وإمامته في عهد المأمون ، بعد مضي خمس سنوات من حكمه .

الــنــص عــلــى إمــامــتــه وخــلافــتــه:
نص الإمام موسى الكاظم (ع) على إمامة ابنه الإمام الرضا بمرويات منها :
روي عن احمد بن مهران عن محمد بن علي بن محمد بن الفضل قال : حدثني المخزومي قال بعث الينا أبو الحسن موسى (عليه السلام ) فجمعنا ثم قال : أتدرون لم دعوتكم ؟
فقلنا : لا .
قال : اشهدوا ان ابني هذا – وأشار إلى ولده الرضا عليه السلام – وصيي والقيم بامري وخليفتي من بعدي ، من كان له عندي دينٌ فليأخذه من ابني هذا …. إلى آخره كما في الإرشاد .وروي عن داود الرقي قال : قلت لأبي ابراهيم (ع) جعلت فداك : اني قد كبر سني فخد بيدي وأنقذني من النار . من صاحبنا بعدك قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن (ع) فقال :
هذا صاحبكم من بعدي .. إلى غير ذلك من النصوص المروية كما في الإرشاد .

زوجــاتــة و أولاده (ع):
تزوج الإمام سلام الله عليه زوجات عديدة ، نعرف منهن ام حبيب بنت المأمون ، وسبيكة أم الإمام الجواد وأنه لم يولد له (ع) سوى الإمام محمد الجواد (ع) ولم يخلف سواه من الأولاد ، وأمه أم ولد وكنيتها أم البنين واسمها تكتم وسبيكة كما مر . وقيل سكن ، وقيل أروى ، وقيل نجمة ، وهو (ع) وأخوه القاسم (ع) واخته المعصومة (ع) في قم من ام واحدة .
وقيل عن بعض العامة انه ولد للإمام الرضا (ع) خمسة ذكور وأنثى واحده هم : محمد الجواد ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة ، وهو خلاف المعروف عند البعض.

زهــده عــلــيــه الــســلام:
ومن زهده (ع) أن جلوسه في الصيف على حصير ، وفي الشتاء على مسح ، ولبسه الغليظ من الثياب ، فإذا برز للناس تزين لهم بأزين اللباس ، وكان كل كلامه (ع) وجوابه وتمثاله انتزاعات من القرآن واقتباس من آياته ، وكان (ع) يختمه في كل ثلاثة أيام مرة ويقول : لو أردت أن أختمه في أقل من ثلاث أيام لختمته ، لكنني ما مررت بأيه قط ، الا تفكرت فيها وفي أي شيئ نزلت ، وفي أي وقت ، فلذلك صرت أختمه في كل ثلاث أيام مرة .

عبادته (ع):
ومن عبادته (ع) ما رواه عبدالسلام بن صالح الهروي قال : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها أبو الحسن الرضا (ع) بسرخس ، فاستأذنت عليه السجان فقال : لا سبيل لك عليه : فقلت ولِم ؟ فقال :لأنه ربما صلى يومه وليلته ألف ركعة ، وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند أصفرار الشمس ، فهو في هذه الأوقات يناجي ربه .

كرم أخلاقه عليه السلام:
ومن ذلك ما حكاه عمه ابراهيم بن العباس قال : ما رأيت ابا الحسن الرضا (ع) جفا أحداً بكلامه قط ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه قط حتى يفرغ منه ، ولا ردا أحداً عن حاجه قط ، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ، ولا رأيته يشتم أحد من مواليه ومماليكه قط ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط ، بل كان ضحكه (ع) التبسم ، وكان إذا نصب ما ئدته أجلس معه عليها ماليكه ومواليه حتى البواب والسايس ، وكان قليل النوم باليل كثير السهر يحيي لياليه بالعباده من أولها إلى الصبح .

وكان كثير الصيام ولا يفوته صيام ثلاثة في الشهر ، ويقول (ع) ذلك صوم الدهر ، وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السر واكثر ذلك في اليالي المظلمة ، فمن رأى مثله فلا تصدقوه .وناهيك بها من خصال شريفه ، وخلال طريفه ، وصفات منيفة فيه (ع) وأباؤه الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام ، لا بد أن يكونوا أحسن الناس خَلقاً وخُلقاً ، واظهرهم فرعاً وعرقاً.

ولا ينافيه ما ورد فيه (ع) أنه أسمر اللون مع ان الأسمر هو الذي بياضه مشوب بالحمرة فيسمى عند العرب أسمر

وأن الإمام (ع) لا يظهر للناس من كل شيئ إلا ما تحتمله عقولهم ولا تنحسر عنه أنصارهم ولا تنفر منه بصائرهم .

وروي ان النبي (ص) كان يسمع أصحابه من صوته في قراءته القرآن ما تحتمله عقولهم ، ولو أسمعهم صوته لماتوا من سماعه .

ولا شك أن نورهم واحد ، وطينتهم واحدة من ذلك النور العظيم ، قال تعالى (( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )) ولهذا كان الأئمة (ع) يظهرون لخواص شيعتهم الكرام على حسب الحالات التي تحتملها عقولهم في كل مقام ، فهم مظاهر الحقيقة الأحدية ، والحجة على جميع البرية ، فلا بد من ظهورهم لكل واحد بما يناسب القابلية ، وليس هذا بغريب ، ولا منهم بعجيب .

ولاية الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد:
كان المأمون !! احد علماء عصرة المتفقهين ، وكان مطلعاً على الفلسفة راوياً للأخبار واقفاً على علوم الكلام والفقه وسواها ، ولذا كان يعرف جيداً أن الخلافة والإمامة والأمر على المسلمين هي حق لآل علي أبناء فاطمة الزهراء عليهما السلام . وكان يقيم في بلاد خراسان قبل أن ينقل خلافته إلى بغداد ، وكان معظم اهل خراسان من الشيعة ، فكان يتقرب إليهم ويتظاهر بالتشيع وحمل جماعة من آل أبي طالب (ع) من المدينة المنورة إلى مرو ، وحمل الإمام الرضا (ع) إلى طوس ، وظهرت للإمام (ع) في طريقه وبعد وصوله إلى تلك البلاد معجزات كثيرة وآيات وكرامات باهرة وألطاف زائدة على كافة الخلق ، حتى رضى عنه العدو والصديق والمؤالف و اجتمع إليه الناس واختلفت إليه الشيعة وتعاكفت عليه قلوب الخلق من جميع الطبقات . حتى خاف المأمون من ذلك على زوال ملكه وسلطنته .

ففكر المأمون (عليه اللعنة ) بحيلة تجعل الناس ينفرون عن أبي الحسن (ع) فعرض على الإمام (ع) الخلافة ، وأظهر على أنه عازم على خلع نفسه عنها وتفويض الأمر إلى الإمام الرضا (ع) فأنكر الإمام (ع) عليه ، وجرت مناظرة بين الإمام (ع) والمأمون ، مؤداها أن الإمام (ع) قال له بما معناه : إذا كان الله تعالى قد البسك ثوب الخلافة فلا يحق لك ان تخلعه بدون أذنه وتعطيها غيرك ، وإذا لم يلبسك الله ثوب الخلافة بل أنت البست نفسك إياها ، فكيف تعطي غيرك ما ليس لك .

ثم عرض المأمون على الإمام ولاية العهد ، وقد أراد المأمون بذلك تنقيص شان الإمام وتصغيره قدره في نفس الناس ، بأن يظهر لهم بان الإمام الرضا (ع) ليس له هم إلا طلب الدنيا والرياسة ، وإن ما يظهر منه من الأخلاق الكريمة النبوية ومحامد الصفات العلوية ، ليس إلا رياء عند الناس ، فإذا وجد شيئاً من الدنيا تكالبت عليه شهواته وسعت إليه نفسه ، ولكن هيهات للمأمون من ذلك ، مع ولي الله وخليفته الشرعي .

عموماً ، شدد المأمون على الإمام بقبوله لولاية العهد ، وذلك لتهدئة الأوضاع التي قامت على المأمون واستدراج الشيعة إليه ، وإظهار حبه لأهل البيت (ع) خلافاً لأبائه – حتى هدد الإمام (ع) بالقتل سراً، وذلك بعد ان جرت بينه وبين الإمام (ع) تلك المناظرة .

خـُلق الامام (عليه السلام)
عن اليسع بن حمزة قال: كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام) اُحدّثه وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام، إذ دخل عليه رجل. فقال له: السلام عليك يا ابن رسول الله رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك (عليهم السلام) جئت من الحجّ وقد افتقدّت نفقتي وما معي ما أبلغ به بلدي، فان رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله عليّ نعمة، فاذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك، فلست موضع صدقة، فقال له: اجلس رحمك الله، وأقبل على الناس يحدّثهم حتّى تفرّقوا، وبقي هو وسليمان الجعفريّ وخيثمة وأنا، فقال: أتأذنون لي في الدّخول؟ فقام فدخل الحجرة، ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: أين الخراسانيّ؟ فقال: ها أنا ذا.

فقال(عليه الصلام): خذ هذه المأتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تصدّق بها عنّي. فأخذ الخراساني المال وخرج.

فقال سليمان: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ( المستتر بالحسنة، تعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسّيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له).
الامام الرضا (عليه السلام) مع دعبل الخزاعي

دخل دعبل الخزاعيّ (رحمه الله) على الامام الرضا (عليه السلام) بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله إنّي قد قلت فيك قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال (عليه السلام): هاتها، فأنشده:

مدارس آيات خلت عن تلاوة ***** ومنزل وحي مقـفـر العرصات

[ فلمّا بلغ إلى قوله:]

أرى فيئهم في غيرهم متـقسّماً ***** وأيـديـهم من فـيـئهـم صـفـرات

بكى الامام الرضا (عليه السلام) وقال له: صدقت يا خزاعيّ. فلمّا بلغ إلى قوله:

إذا وتروا مدّ وا إلى واتريهم ***** أكـفـاً عن الأوتار منقـبضات

جعل الامام (عليه السلام) يقـلـّب كفـّيه ويقول: أجل والله منقبضات. فلمّا بلغ إلى قوله:

لقد خفت في الدّنيـا وأيّـام سعـيها ***** وإنّـي لأرجـو الأمـن بعـد وفـاتي

قال الرّضا (عليه السلام): آمنك الله يوم الفزع الأكبر. فلمّا انتهى إلى قوله:

وقـبـر بـبـغـداد لـنـفـس زكـيّــة ***** تـضـمّـنها الـرّحمان فـي الغـرفـات

قال له الرّضا (عليه السلام): أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين، بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):

وقـبـر بطـوس يـــا لها مـن مصــــيبـة ***** تـوقـّـد بالأحـشاء فـي الحـرقـات

إلى الحـشر حـتـّى يبـعث الله قائـماً ***** يـفـرّج عـنّـا الـهـــــمّ والـكــربـات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقال عليه السلام: قبري! ولا تنقضي الأيّام واللـّيالي حتّى يصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.

ثمّ نهض الرّضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه، ودخل الدار فأرسل له بيد الخادم صرة فيها مائة دينار.

فقال دعبل: والله ما لهذا جئت، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليّ، وردّ الصرّة، وسأل ثوباً من ثياب الرّضا (عليه السلام) ليتبرّك به، ويتشرّف به، فأنفذ إليه الرّضا (عليه السلام) جبّة خزّ مع الصرّة.

فأخذ دعبل الصرّة والجبّة، وانصرف.

استشهاده عليه السلام:
من أسباب اعطاء المأمون ولاية العهد للإمام الرضا (ع) هي لتدبير خطة لتصفية الإمام جسدياً . دون ان يساور احدأ الشك بدوره (لعنه الله ) فيها ودون أن يظن أحد أنه هو السبب في مقتل الامام (ع) ذلك لأن المأمون يعرف مكانة الإمام الرضا (ع) والبيت العلوي في نفوس الناس . وأراد في الوقت نفسه أن يتم الأمر بعيداً عن مقر حكمه (( طوس )) لكثرة ما بها من شيعة الإمام واتباعه ، فاشخص الإمام (ع) مع رئيس قافلة ، وأمر رئيسها بعدم المرور على الكوفة وقم لكثرة ما بها من الشيعة ، وقرر المأمون على اغتيال الإمام (ع) أثناء إنتقاله من طوس إلى بغداد ، فلما وصل إلى قرية “سنباد” وهي قريبة من رستاق (( نوقان )) على مسيرة يوم من طوس وفيها قبر أبيه هارون توقف لتنفيد خطته .

واوعز لغلام له أسمه عبدالله بن بشير ان يسم الإمام بعنب وحبات رمان ، ثم يقدمها للإمام (ع) ليأكلها واوصاه أن يجعل السم تحت أظفاره ثم يحوله إلى كفه ، ثم يفرك بكفه حبات الرمان ويناولها الإمام (ع) بمرأ من حضار المجلس ، لكي لا يتهمه احد بانه هو قاتل الإمام (ع) كما أوصاه أيضاً بأن يغمس سلكاً بالسم ثم يدخله في حبات العنب من الطرف إلى الطرف بابرة ويقدم من ذلك العنب إلى الإمام أيضاً امام أمام أنظار الناس .

فلما اعدَّ عبدالله بن بشر ذلك وحدد المأمون اليوم لاغتيال الإمام (ع) بعث للإمام (ع) وحضر للمجلس ، وقدم له العنب والرمان المسمومين ، فامتنع الإمام عن الأكل واستعفى المأمونَ من ذلك ، ولكن المأمون أصر أصراراً شديداً وقال للإمام (ع) لا بد لك من الله ، فلعلك تتهمنا بشيئ . فتناول الإمام (ع) من العنقود ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال إلى أين يا بن العم فقال (ع) : إلى حيث وجهتني . وخرج (ع) مغطى الرأس ، حتى دخل داره وامر بسد أبوابها فأغلقت ، ولم يكن في الدار غير خادمة ابي الصلت الهروي (رض) فلم يلبث إلا يومين استشهد بعدهما (ع) في بلاد الغربة في تلك القرية وحيداً غريباَ مسموماً ، وكان استشهاده اخر شهر صفر في رواية من سنة ثلاث ومئتين للهجرة النبوية الشريفة .

وعلمت الشيعة بذلك فاجتمعوا لتشييع الإمام (ع)
ثم ان الإمام (ع) غسل وكفن وصلى عليه من يعلم الله – وهو الإمام الجواد (ع) في جوف الليل ثم أمر المأمون بدفن الإمام (ع) بجوار قبر أبيه ، بحيث يكون قبر أبيه امام قبر الإمام (ع) فلم تؤثر المعاول ولم تحفر شيئاً ، فتعجب المأمون في ذلك واستدعى احد مقربي الإمام (ع) وكان يدعى هرثمة الذي كان الإمام (ع) يسر له بكثير من المغيبات ، فاقترح هرثمه ان يجعل قبر الإمام أمام قبر هارون ففعلوا ذلك وإلى ذلك يشير دعبل الخزاعي

قبران في طوس خير الناس كلّهم … و قبر شرهم هذا من العبرِ

ما ينفعُ الرجسُ من قرب الزكي وما … علي الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امرئٍ بما كسبت … له يداه فخذ ما شئت او فذر

زيارة الامام الرضا عليه السلام:
السَّلامُ عَلَيْكَ ياوَلِيَّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياحُجَّةَ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يانُورَ اللهِ فِي ظُلُماتِ الاَرْضِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياعَمُودَ الدِّينِ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ إِسْماعِيلَ ذَبِيحِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُوسى كَلِيمِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ عِيسى رُوحِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَلِيِّ الله وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ الحَسَنِ وَالحُسّيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ زَيْنِ العابِدِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ باقِرِ عِلْمِ الأوّلِينَ وَالآخِرِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ البارِّ السَّلامُ عَلَيْكَ ياوارِثَ مُوسى بْن جَعْفَرٍ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الصِّدِيقُ الشَّهِيدُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الوَصِيُّ البارُّ التَّقِيُّ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَأَمَرْتَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ وَعَبَدْتَ الله حَتّى أَتاكَ اليَقِينُ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياأَبا الحَسَنِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1] ـ سورة النساء، الآية: 59.
[2] ـ سورة الأحزاب، الآية: 6.
[3] ـ ج1 ص287 / الأصول من الكافي للكليني الرازي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى