مقالات

مدينة كوكبان …المدينة الارجوانية و حاضنة الملوك

اذا اردت ان تسنشق هواء التاريخ وتلامس روحك حضارة الاجداد فما عليك الا ان تحزم حقائبك وتبدأ سفرك الى مدينة الملوك المدينة الارجوانية مدينة شبام كوكبان التي تقع على حصن أو قمة جبل يسمى جبل كوكبان، يرتفع 2800 متر عن منسوب البحر، وهي مسورة من شمالها، ومحصنة طبيعياً من الجهات الأخرى ، مديرية شبام كوكبان تابعة لمحافظة المحويت على حسب التقسيم الجغرافي للجمهورية اليمنية. و تقع مدينة شبام كوكبان إلى الشمال الغربي من صنعاء و تبعد عنها بحوالي 45 كيلو متر ، ويحدها من الشمال مديرية ثلاء ومن الجنوب بني مطر والحيمة الداخلية، ومن الشرق مديريتا همدان وبني مطر، ومن الغرب مديرية الطويلة. . يبلغ تعداد سكانها 2061 نسمة حسب الإحصاء الذي أجري عام 2004.

لمحة تاريخية

ما قبل الإسلام

تعتبر شبام كوكبان واحدةٌ من المدن الضاربة بجذورها في التاريخ حيث تعود إلى ماقبل القرن السابع قبل الميلاد وأول ظهور لها كان في نقش النصر الموسوم (RES.3945) الذي دونه (كرب إل وتر بن ذمار بن علي) مكرب سبأ في القرن السابع قبل الميلاد حيث أشار إلى أنها كانت واحدةً من مدن مملكة (نشن) – مدينة السوداء في الجوف – وبعد أن هزم هذا المكرب ملك مملكة (نشن) ضم كل ممتلكاته إلى مملكته وبعدها بدأت هجرة السبئيين إلى قيعان الهضبة الوسطى لاستيطانها وفي أطرافها أقيمت مدن عديدة وشبام واحدة من المدن التي استوطنوها، واستمرت هذه البقعة من الأرض آهلة بالحضارة التي شكلت من شبام مركزاً مهماً من مراكز الدولة الحاكمة في سبأ وهذا كله يمكن استيحاؤه من جملة من النقوش القديمة ومن بعض الآثار السبئية كالمقابر الصخرية، وكذا فلا شك أن لكوكبان امتداد حضاري كما هو الحال مع شبام فهما كالمدينة الواحدة وقد ورد ذكر كوكبان في جملةٍ من النقوش اليمنية القديمة منها النقش رقم (CHI.106) والنقش رقم (IR.17) الذي يعود إلى ماقبل سنة 525م.

العهد الإسلامي

ازدهرت مدينة شبام كوكبان في عهد الدولة اليعفرية حيث اتخذوها عاصمة لدولتهم خلال المدة من 847-997، وسمت بـ «شبام يعفر» نسبة إلى آل يعفر، تتميز بحصونها وسوقها ومساجدها والحمام القديم. وتعد شبام مكان هجرة علمية، فقد شهدت هجرة عدد من العلماء، وذكر ذلك المرحوم القاضي اسماعيل بن علي الأكوع في كتابه «هجر أماكن العلم ومعاقله في اليمن».

وقد ذُكرت شبام كوكبان في كتاب ياقوت الحموي «معجم البلدان»، حيث قال :

«أن أحمد بن محمد بن اسحاق الهمداني قال عن شبام: هو جبل عظيم فيه شجر وعيون وتشرب صنعاء منه، وبينها وبينه يوم وليلة، وهو جبل صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد وفيه غيران وكهوف عظيمة جدا، ويسكنه ولد يعفر، ولهم فيه حصون عجيبة هائلة، وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة وكروم ونخيل، والطريق إلى تلك الضياع على دار الملك، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، فمن أراد النزول إلى السهل في حاجة دخل إلى الملك فأعلمه ذلك فيأمر بفتح الباب، وحول الضياع والكروم جبال شاهقة لامسلك فيها ولا يعلم أحد ما وراءها. ومياه هذا الجبل تصب إلى سدٍّ هناك فإذا امتلأ السد بالماء فتح فيجري إلى صنعاء ومخاليفها».

كما تعد شبام من المدن السياحية التي تشهد زوارا من مختلف الدول العربية والأجنبية لما تحتويه من تراث عمراني وتراث حضاري، إضافة إلى جمال طبيعتها حيث يوجد فيها عدد من البساتين والحدائق الخضراء إضافة إلى جمال طابعها المعماري الذي يمثل التراث اليمني في البناء على الصخر وتحدي عوامل الطبيعة.

أما أهم المعالم التاريخية والأثرية في المدينة فهي المجمع التعبدي في جبل اللو (جبل ذخار)، حيث تشير كثير من النقوش التي عثر عليها في جدران المباني الحديثة إلى أن جبل اللو الذي يطلق عليه اليوم ذخار كان يضم في قمته مجمعاً تعبدياً دينياً، يشمل معبدين كبيرين لـ (عثتر والمقه) الذين كانا بمثابة الهين يتوجه السكان إليهما بالطقوس الدينية المختلفة، وتوجد طريق تصل بين المعبدين عند سفح الجبل لا تزال طريقا للمشاة حتى يومنا هذا وتقع جنوب غرب المدينة والتي تصل اليوم إلى بوابة مدينة كوكبان في أعلى قمة الجبل.

ويلاحظ أن عدد من السكان بدأ بنقل أحجار المعبد لاستخدامها في المباني التي تم أنشاؤها في الفترة اللاحقة، وهذا ما يتضح للزائر لهذه المدينة من خلال تباين أحجار المباني ما بين أحجار أثرية وأحجار حديثة الطراز. كما أن بعضهم قد بنوا مداخل المنازل الحديثة بعتبات علوية من نقوش هذين المعبدين وعلى جدران المباني اليوم الكثير من النقوش المكتوبة بخط المسند استخدم كحلية معمارية تزين بها المباني الحديثة. أما الطريق القديمة التي تربط بين مدينة شبام والمعبدين فلازالت موجودة وتسمى حالياً عقبة كوكبان وهي طريق منحوتة بالصخورلاتزال قائمة حتى الآن . 

ومن الآثار مقابر شبام الصخرية، حيث ينتشر عدد من المقابر الصخرية على منحدرات جبل كوكبان، وتشرف فتحات هذه المقابر على مدينة شبام كوكبان، وهي عبارة عن غرف مختلفة الأحجام منحوتة في الصخر وتعكس هذه المقابر مدى إيمان اليمني القديم بفكرة البعث والخلود، حيث كان يوضع إلى جوار المتوفى الكثير من أدواته اليومية التي سيحتاجها بعد عودته إلى العالم الآخر، لكن هذه المقابر تعرضت للاستعمال اليومي لسكان المدينة حيث وضع فيها علف الماشية أو استعملت للسكن. 

والشواهد الأثرية والتاريخية لمدينة شبام كوكبان التي شهدتها خلال الفترات الإسلامية بمراحلها المتطورة في مجال الفن المعماري لازالت قائمة البنيان متمثلة في العمارة الدينية وتتمثل في المساجد والأضرحة.

وعمائر مدينة تتمثل في السوق القديم ومكوناته ودار الحجر «السمسرة»، ودار الحكومة «الموظفين»، والحمام القديم، وعمائر حربية تتمثل في سور المدينة وبواباته وأبراجه المحكمة، والجامع الكبير الذي ويقع وسط المدينة، ويعود بناؤه للقرن الثالث الهجري /التاسع الميلادي، ويعود عهده إلى الدولة اليعفرية، وترجع أهميته التاريخية إلى كونه من أقدم المساجد وبناؤه يشبه بناء الجامع الكبير في صنعاء، ويتميز بأعمدة الرخام القديمة، ونقوش المسند الحجرية، كما أن به أربعة أروقة، أكبرها رواق هو رواق القبلة، كما يتميزسقفه بالزخارف الخشبية المتنوعة.

ويمكن تفصيل المكونات الأثرية والتاريخية التي لازالت قائمة في مدينة شبام كوكبان باعتبارها مقصداً سياحياً هاماً في حركة البرامج السياحية المنظمة، بشكل مجموعات سياحية أو بالنسبة للسياحة الفردية. ويعد سوق المدينة من أجمل المعالم السياحية، حيث تطل عليه بناية من ثلاثة طوابق تعتبر مرجعا سياحيا، وتعرض الموروث الشعبي القديم لسكان هذه المدينة. ولعل أكثر ما يميز شبام كوكبان مجموعة من الصبية الذي يمشون مع الزائر لمدينتهم بقصد التعريف بملامح مدينتهم، وقد تجد أن بعضهم يتقن ثلاث لغات، ويستطيع أن يعرض ما لديه من معلومات سياحية للزائر باللغة الفرنسية أو الانجليزية أو الألمانية. والغريب في الأمر أنهم قد أخذوا هذه اللغات من أفواه الزائرين لمدينتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى