مقالات

مظاهر التنسيق في عظمة الخلق.

قال تعالى : {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك : 3، 4]

تقول الآية بعد الإشارة إلى خلق السماوات : {مَا تَرى‏ فى خَلْقِ الرَّحمنِ مِنْ تَفاوُتٍ}.

إنَّ هذا العالم الواسع بكلّ ما يتضمّنه من عظمة فهو متناسق ومنسجم ومترابط ومتّحد ومنظّم ، وإنّ وجود الاختلاف في اللون والشكل والوزن وسائر الكيفيات الظاهرية والباطنية أو الكمّية أمر طبيعي جدّاً ، ولكن الشي‏ء الذي لا وجود له هو عدم التناسق واللانظم والاختلال.

ولذا تقول الآية في ذيلها: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى‏ مِنْ فُطُورٍ} والمراد من‏ {فَارْجِعِ‏ البَصَر} هو النظر الدقيق والعميق ، والمخاطب في هذه الآية وإن كان هو النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ولكن من الواضح أنّ المراد هم البشر جميعاً ، وتضيف الآية : {ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتين يَنْقَلِبْ الَيْكَ البَصرُ خَاسِئاً وهُوَ حَسِيرٌ} «1».

بهذا الاسلوب يقوم القرآن الكريم وبتعابير مختلفة بدعوة البشر إلى النظر في عالم الوجود ولا يكتفي بالدعوة بل يرغبهم ويحرّكهم ويحرّضهم على هذا العمل ، كي يعلموا أنّهم لا يجدون خللًا أو نقصاً فيه ، وعندما لا يرون ذلك فسوف يتعرّفون على حقيقة توحيد المُبدى‏ء والوحدانية ويردّدون جملة (لا إله إلّا اللَّه) قلباً ولساناً.

هناك نقطة جديرة بالإهتمام وهي أنّ (نفي الاختلاف) من بين الموجودات في العالم والذي ورد في الآية أعلاه يعني حسب اعتقاد البعض: نفي العيب والنقص ، وقد فسّره البعض بمعنى نفي عدم الإنسجام ، وفسّره آخرون بنفي الإضطراب والتزعزع ، وبعض بنفي الإعوجاج ، وبعض بنفي التناقض ، في حين أنّ الآية لها مفهوم واسع يشمل كلّ هذه المعاني (هذه المفردة مشتقّة من‏ (فوت) لأنّ المتفاوتين يفقد كلّ منهما الصفات المختصّة بالآخر).

______________________
(1) «ارجع البصر» كناية عن النظر المتكرّر والمقرون بالدقّة والإهتمام ، و (خاسي‏ء) من (خسئاً) ويعني الانقباض والإنغلاق المقرون بالذلّة ويمكن أن يكون هنا كناية عن الحرمان والفشل ، و (حسير) من (حسر) ويعني الضعف وافتقاد القدرة وتعني في الأصل: الاختفاء ، وبما أنّ الشي‏ء إذا ضعف فإنّه يتجرّد عن قدرته وطاقته وقد استعمل هذا اللفظ بمعنى الضعف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى