مقالات

مقام المُعَلِّمِ في الإسلام‏

إن التعلّمِ في نظر الإسلام واجب عيني ، وقد يكون في بعض العلوم واجباً كفائياً ، أي أنّ بعض العلوم يجب على الجميع تعلّمها ، وأمّا ذلك القسم الذي يتميز بميزة تخصّصية وتعلّمة ليس ميسوراً للجميع ، فهو واجب كفائي.
وكذلك الكلام في تعليم العلوم ، فقسم من العلوم لابدّ أنْ يتم تعليمه للجميع من قبل الذين يحملون تلك العلوم ، في حين أنّ تعليم البعض الآخر ، واجب كفائي.
فعلى كل حال ، فإنّ تَعلُّم وتعليم كلّ العلوم التي يرتبط بها قوام المجتمع البشري مادّياً ومعنويّاً لازم وضروري ، سواءً كان واجباً عينيّاً أو كفائيّاً ، ولهذا فإنّ أي مسلم لا يحق له أن ينفصل عن التّطورات العلميّة الحديثة ، بل عليه ومن أجل تقوية أركان الحكومة الإسلاميّة ، أنّ يبذل كل ما بوسعه لتعلّم وتعليم تلك العلوم ، ولا شك في أنّ المسلمين لو قصّروا في هذا المجال وصاروا سبباً في تأخر الدّول الإسلاميّة عن المجتمع البشري ، فإنّهم سيكونون مسئولين أمام اللَّه !
يعتبر القرآن المجيد أنّ المعلم الأوّل هو اللَّه عزّوجلّ ، وأنّ التّلميذ الأوّل هو آدم عليه السلام ، وأوّلُ عِلمٍ تعلمه آدم هو ، علم الأسماء «ويحتمل قوياً أنّ المراد من ذلك هو الإطلاع على أسرار الخلقة وموجودات الكون».
وآدم لم يكن الوحيد الّذي تعلَّم من اللَّه عزوجل ، بل عَلَّمَ اللَّه يوسف الصّديقَ أيضاً عِلْمَ تفسير الأحلام : {وَعَلَّمتَنِى مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ} (يوسف/ 101).
وعلَّمَ سليمان لغة الطيور وقال : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ} (النّمل/ 16).
وعلَّمَ دواد عليه السلام صنعة الدّروع : {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ}(الأنبياء/ 80).
وعلّم الخضر علْماً واطلاعاً كثيراً : {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَّدُنّا عِلْماً}(الكهف/ 65).
وعلَّمَ الملائكة علماً جمّاً : {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمتَنَا}(البقرة/ 32).
وعلَّمَ البشر النّطق والبيان : {عَلَّمَهُ البَيَانَ}. (الرحمن/ 4)
وفوق كلّ ذلك فإنّه علَّمَ نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله علوماً ومعارف لا يمكن تحصيلها عن طرق طبيعية {وَعَلَّمَكَ مَالَم تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء/ 113).
كما أنّ المَلَك العظيم سفير الوحي جبرئيل قد علَّمَ النّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله علوماً كثيرة {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى‏} (1). (النجم/ 5)
والأنبياء عليهم السلام بدورهم يُعتبرون في زمرة أكبر معلمي العالم حيث إنّهم علَّموا البشريّة علوماً ومعارف كثيرة في مجالات الدّين والدّنيا ، يقول القرآن الكريم في نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله أعظم الأنبياء : {ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ}. (الجمعة/ 2)
ونفس هذا المنهج سلكه كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام مع أمّته وعلَّمهم علم الدّين والدّنيا.
والعلماء وهم ورثة الأنبياء ، جلسوا مقعد التعليم بعد الأنبياء وعلّموا النّاس العلم والمعرفة ، ولذا فإنّ مقامهم في نظر القرآن شامخ وعظيم حتّى قال تعالى فيهم : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتِ} (المجادلة/ 11).
وأمّا مقامُ المعلِّم في الرّوايات الإسلاميّة فإنّه شريف وعظيم حتّى أنّ اللَّه وملائكته وكل الموجودات- حتّى النملة في جحرها والحيتان في البحار- تصلّي عليهم كما ورد في الحديث المروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حيث قال :
«إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِها وَحتّى‏ الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ يُصَلُّونَ عَلى‏ مُعَلِّمِ النَّاس الْخَيْرَ» (2).
وهذا المضمون ورد في أحاديث عديدة اخرى أيضاً.
وفي حديث آخر عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله أيضاً :
«ألا أُخْبِرُكُم بأجودِ الأجْوَدِ ؟ اللَّه الأجْوَدُ الأجْوَدُ ! وأنا أجْوَدُ وُلدِ آدم ! وأجْوَدكُمَ مِنْ بعدي رَجُلٌ عَلَّمَ عِلْماً فَنَشَرَ عِلْمَهُ ، يُبعَثُ يومَ القيامة أُمّةً وَحْدَهُ !» (3).
والتّعبير بالأُمّة ، يبين لنا بوضوح سعة وجود المعلمين في موازاة سعة انتشار تعليماتهم بين المجتمع البشري ، وكلمّا كان عدد تلامذتهم أكثر كانت سعة شخصيتهم المعنوية الاجتماعيّة أوسع ، حتّى تصل أحياناً إلى سعة أمَّة كاملة.
وقد بلغت أهمّية نشر العلم والمعرفة والثّقافة في ‏الإسلام إلى درجة أنّه ورد في حديث معروف أنّ مجلس العلم روضة من رياض الجنّة (4).
والملفت للنظر أنّ أي عمل في الإسلام يكون مقدمة لنشر العلم أو يتناسب معه ، يعد عبادة ، فقد ورد في حديث عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله : «مُجالَسةُ العُلماءِ عِبَادَةٌ» (5).
وفي حديث آخر عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال : «النّظرُ إلى وجهِ العالمِ حُبّاً لهُ عِبادةٌ» (6).
وفي حديث آخر عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قال لأبي ذر : «الجلُوسُ ساعةً عِندَ مُذاكَرةِ العِلْمِ‏ خيرٌ لكَ مِن عبادة سَنة ، صِيامُ نهارها وقيامُ ليلها ، والنّظرُ إلى وجه العالم خيرٌ لكَ من عتق ألف رقبةٍ» (7).
والأحاديث الواردة في هذا المضمار كثيرة ومتنوعة ، يطول المقام بذكرها ونختصر الحديث هنا ونختم هذا البحث بحديث عن لقمان الحكيم ، الذي قُرِنَ كلامُه بكلام اللَّه تعالى في القرآن الكريم ، يقول لقمان لولده : «يا بُنيَّ جالسِ العلماءَ …. فإنّ اللَّهَ عزّوجلّ يُحيي القُلُوبَ بنورِ الحِكْمَة كما يُحيي الأرضَ بوابل السّماءِ» (8).
وممّا ذكر ، يتضح جيداً أنّ مسألة التّعليم والتّربية ونشر العلم والثّقافة ، تتميز في المنهج الإسلامي عموماً وفي برنامج الحكومة الإسلاميّة بشكل خاص ، (ومن وظيفة الحكومة الإسلاميّة الإهتمام الفائق بأمر التّربية والتّعليم).
________________________

(1) أكثر المفسرين ، فسروا «شديد القوى‏» بأنّه جبرئيل ، ولكن البعض يرى أنّ المقصود (بشديد القوى) هو الذات الإلهيّة المقدّسة.
(2) كنز العمال ، ح 38736.
(3) ميزان الحكمة ، ج 6 ، ص 474.
(4) هذا الحديث وإنْ لم نعثر على نصّه في المصادر الإسلاميّة ، إلّاأنّه ورد في بعض الرّوايات عن النّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال : «بادروا إلى رياض الجنّة ، قالوا : يا رسول اللَّه وما رياض الجنّة ؟ قال : حَلَقُ الذكر» ، وبعد أن ذكر المرحوم الفيض الكاشاني هذا الحديث في المجلد الأوّل من الوافي ، قال : والمراد من حلقة الذّكر هنا ، وكما ورد في أحاديث اخر في هذا الباب ، هو مجلس العلم (الوافي ، ج 1 ، ص 177).
ونقل الترمذي في صحيحه هذا الحديث بتفاوت بسيط «إذا مررتُم برياض الجنّة فارتعوا. قالوا : وما رياض الجنّة ؟ قال : حَلَقُ الذكر» صحيح الترمذي ، ج 5 ، ص 532 ، باب 83 ، ح 3510).
(5) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 204.
(6) المصدر السابق ، ص 205.
(7) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 203.
(8) المصدر السابق ، ج 1 ، ص 204.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى