مقالات

هل أنّ القوانين الثابتة تتماشى‏ مع احتياجات الإنسان المتغيرة؟

نعلم أنّ مقتضيات الزمان والمكان مختلفة من وقت لآخر، أو بتعبير آخر أنّ الإنسان دائماً في حالة تغيير، في حين أنّ شريعة خاتم الأنبياء لها قوانين ثابتة، فهل‏ باستطاعة هذه (القوانين الثابتة) تلبية احتياجات (الإنسان المتغيرة) على‏ طول الزمن …؟

يمكن الاجابة عن هذا السؤال أيضاً بالالتفات إلى‏ النقطة التالية :

إذا كان لكل القوانين الإسلامية صفة (الجزئية) وتعين لكل موضوع حكماً محدداً وجزئياً فإنّ هذا السؤال يكون في محله، أمّا إذا عرفنا أنّ في التعاليم الإسلامية توجد سلسلة من (الاصول العامة) الواسعة جدّاً والتي بإمكانها مسايرة الاحتياجات المتغيرة وتلبيتها فلا يبقى أي مجال لمثل هذا الإشكال.

مثلًا : بمرور الزمان تظهر سلسلة من المعاهدات والعقود والاتفاقيات الجديدة والعلاقات الحقوقية بين الناس لم تكن موجودة في عصر نزول القرآن أبداً، كما هو الحال في ما يسمى اليوم ب (التأمين) ففي ذلك الزمان لا يوجد بتاتاً شي‏ء يسمى‏ (التأمين) وفروعه المتعددة (1) ، أو أنواع الشركات في عصرنا وزماننا هذا والتي تظهر للوجود حسب مقتضيات الوقت الحاضر، ولكن مع هذا فإنّ لدينا في الإسلام قانوناً عاماً جاء في بداية سورة المائدة عنوانه (وجوب الوفاء بالعهد والعقد) يقول : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعَقُودِ}. وكل تلك المعاهدات والعقود يمكن وضعها تحت غطاء ذلك القانون.

وطبعاً جاءت قيود وشروط بصورة عامة أيضاً على‏ هذا الأصل الكلي في الإسلام يجب مراعاتها.

وبناءً على‏ هذا فإنّ (القانون العام) ثابت وإن كانت مصاديقه في حالة تغيير، وكل يوم يمكن أن يظهر مصداق جديد.

والمثال الآخر : إنّ لدينا في الإسلام قانوناً بديهياً باسم (قانون لا ضرر) الذي يمكن بواسطته الحد من كل حكم يشكل ضرراً على‏ المجتمع الإسلامي، وعن طريق هذا القانون تسد الكثير من احتياجاته.

وبغض النظر عن هذا فإنّ مسألة (لزوم حفظ نظام المجتمع) و (وجوب تقديم الواجب)

ومسألة (تقديم الأهم على‏ المهم) يمكنها في مجالات واسعة جدّاً أن تكون حلالة للمشاكل.

بالإضافة إلى‏ كل ما ورد فإنّ الصلاحيات الممنوحة للحكومة الإسلامية عن طريق (ولاية الفقيه) تعطيها إمكانيات واسعة لحل المشكلات في إطار الاصول الكلية للإسلام.

وطبعاً أنّ بيان كل واحد من هذه الامور بالخصوص عند الالتفات إلى‏ فتح باب الاجتهاد (الاجتهاد معناه استنباط الأحكام الإلهيّة من المصادر الإسلامية) يحتاج إلى‏ تحقيق كثير يبعدنا القيام به عن هدفنا، ولكن مع هذا فإنّ ما أوردناه هنا إشارة بإمكانها أن تشكل اجابة عن الاشكال آنف الذكر.

______________________
(1) طبعا توجد في الإسلام موضوعات شبيهة بالتأمين وفي حدود خاصة مثل مسألة (ضمان الجريرة) ولكن كما قلنا إنّها شبيهة بهذه القضية فقط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى