أخلاق ودعاء

نافلة الليل في أسحار شهر رمضان المبارك

تُعتبر صلاة الليل أهمّ النوافل، فهي تمسّكٌ بأخلاق النبيين، وهي المانعة من نزول العذاب، وهي النور والأنيس في القبر، وهي التي تنفي السيئات، وتدرّ الأرزاق، غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوع وثناء، تذلّل وبكاء، وتوسّل ورجاء، واعتصام والتجاء، وتواضع لكبرياء الله، وخضوع لعظمته، وانطراح بين يديه، وانكسار وافتقار إليه، تذلّلٌ وعبودية بين يديه، إنّها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنّها خير عدّة وسلاح، وأفضل جُنَّة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تنشئ في النفوس، وتذكي في الضمائر قوةً روحية، وإيمانًا راسخًا، ويقينًا عميقًا، ونورًا يُبدّد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم، والمقاصد والغايات، فما أعظم الأجر، وأوفر الحظّ لمن واظب على أدائها.

الشرف الوضاح:
لتبيان ماهية هذا الشرف ننقل عن الإِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قوله: “ما مِن عمل حسن يعملهُ العبد إِلاَّ ولهُ ثواب في القرآن إِلاَّ صلاة الليل، فإِنَّ الله لم يُبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[1].[2]

وفي معتبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم  فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنّك ميت، وأحبب ما شئت، فإنّك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنّك تجزى به.. واعلم أنّ شرف الرجل قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس”[3].

وفي صحيح عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: “ثلاث من فخر المؤمن وزينه في الدنيا والآخرة: الصلاة في آخر الليل، ويأسه ممّا في أيدي الناس، وولايته الإمام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم”[4].

تمسُّك بأخلاق النبيّين:
وبالرغم مِن أنّنا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لا يترك صلاة الليل أبداً، ولكن نظراً لأهمّية هذه الصلاة فإنّ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أوصاهُ بها في جملة مِن وصاياه لهُ، رواها حفيده الصادق عليه السلام ، فقال: كان في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أن قال: “يا علي، أُوصيك في نفسك بخصال احفظها عنّي، ثم قال: اللهم أعنه.. إلى أن قال.. وعليك بصلاة الليل.. وعليك بصلاة الليل.. وعليك بصلاة الليل..”[5].

وروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: “خيركم مَن أطابَ الكلام، وأطعم الطعام وصلّى بالليل والناس نيام”[6].

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “قيام الليل مصحّة للبدن، ومرضاة للرّب عزّ وجلّ، وتعرّض للرحمة، وتمسّك بأخلاق النّبيّين“[7]، وفي سيرته العطرة صلوات الله عليه لم يترك صلاة الليل قطّ حتى في ليلة الهرير[8].[9]

أبا حــــــســـــــــــنٍ والليل مرخٍ ســـــــــــــــــــدوله      وأنت عان لوجـــــــــــــه الله تُناجــيـــــــــــــــهِ
براك الظنا من خوفِ باريك في غدٍ      وقد أمن المغرور من خوف باريهِ
على شفتيك الذكر يطفح سلسلاً       فتنهل علاً من ســــموِّ معانيهِ

غفران الذنوب:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[10] قال: “صلاة المؤمن باللّيل تَذهَب بما عمل من ذنب بالنّهار”[11].

روى اسحاق بن عمار أنّ الإمام الصادق عليه السلام وقف على رجلٍ يُصلّي فقال له: (يا عبدَ اللهِ أيَّ شيءٍ تُصلّي؟) فقال: “صلاة الليلِ فاتتني أقضيها بالنهارِ”. فقال عليه السلام (لصاحبه) حُطَّ رَحلك حتَّى نتغدَّى مع الذي يقضي صلاةَ الليلِ. فقال: جُعلت فداكَ تروي فيه شيئاً، فقال عليه السلام: حدّثني أبي، عن آبائه، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ اللهَ يُباهي بالعبدِ يقضي صلاةَ الليلِ بالنهارِ، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترضْ عليه، أُشهِدُكم أنّي قدْ غفرْتُ له”[12].

وروي عن الصادق عليه السلام عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: “إذا قامَ العبدُ من لذيذِ مضجعِه، والنعاسُ في عينه، ليُرضي ربَّه تعالى بصلاةِ ليلِه. باهى اللهُ تعالى به الملائكةَ، وقالَ أَما ترَون عبدي هذا قد قام من لذيذِ مضجعِه لصلاةٍ لم أفترضْها عليه،اشهَدوا أنّي قد غفرتُ له”[13].

للمتهجـّدين بالأسحار:
صلاة الليل لها أثر كبير في ترقّي العبد وعلوّ درجاته، فإنّ انفرد مؤدّيها في جوف الليل بربّه عزّ وعلا – يشكو إليه بثّه وحزنه ويُناجيه ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأ من الله تعالى إلاّ إليه – فإنّ عوائد الله ستترادف على هذا العبد.

روى الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه، عن جدّه قال: سُـئل علي بن الحسين عليهم السلام: ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟.. قال عليه السلام : “لأنّهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره”[14].

روى عبد الله بن سنان، أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[15]؟ قال: “هو السهر في الصلاة”[16].

وروى ابن عمار عنه عليه السلام قال: “صلاة الليل تُحسّن الوجه، وتُحسّن الخلق، وتطيب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدين، وتذهب بالهمّ، وتجلو البصر”[17].

ولتبيان كثرة هذه الآثار الحميدة نقول روى يعقوب بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “كذب من زعم أنه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار”[18].

قال الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ البيوت التي يُصلّى فيها بالليل بتلاوةِ القرآنِ تُضيءُ لأهلِ السماءِ كما تُضيءُ نجومُ السماء لأهلِ الأرض”[19].

قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة السجدة، الآيتان 16 – 17.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 87، ص 140.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 472، باب ثواب صلاة الليل.
[4] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 234.
[5] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 91.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 87، ص 142 – 148.
[7] م. ن.
[8] حسن بن محمد الديلمي، إرشاد القلوب، ج 2، ص 217، فصل: في عبادته وزهده سلام الله عليه.
[9] الأبيات للشيخ العميد الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله.
[10] سورة هود، الآية 114.
[11] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 266.
[12] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 278 – 279.
[13] الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان أعلى الله مقامه، المقنعة، ص 120، 9: باب كيفية الصلاة و صفتها.
[14] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ‏8، ص 157، 39 – باب تأكد استحباب المواظبة على صلاة الليل.
[15] سورة الفتح، الآية 29.
[16] من لا يحضره الفقيه، ج‏1، ص 471، باب ثواب صلاة الليل.
[17] م. ن.
[18] البرقي، المحاسن، ج‏1، ص 53، باب 61، ثواب صلاة الليل.
[19] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 5، ص 294.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى