سيرة وتاريخ

زينب -عليها السلام – وتحديات المواجهة.

إن الحديث عن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب – سلام الله عليهم – ذو شجون ، ومهما تكلمنا عن جنابها وعن مواقفها وتضحياتها، فإننا لن نفيها حقها؛ لأن القلم ليسجد في محراب البيان عن تعداد أوصافها العظيمة ومواقفها الفخيمة ، ولكن هنا سوف نقتصر على بعض مواقفها التي تدل على سمو روحها وعظمة قيادتها وقوة تحديها ..
وإذا كان الإمام الحسين – عليه السلام – قد ضحى بنفسه وبأولاده وبخواص أصحابه من أجل الحفاظ على الإسلام الذي كاد بنو أمية أن يطمسوا معالمه ويحرفوا مبادئه، فإن عقيلة بني هاشم ” زينب الكبرى ” قد أكملت هذه التضحية الحسينية والرسالة المحمدية، ولقد صدق من قال: إن ثورة الحسين حسينية الوجود زينبية البقاء ..
ومن الحقيقة بمكان أنه لولا السيدة زينب – عليها السلام – لما وصلت إلينا ثورة الحسين بكل تفاصيلها، ولما عرفنا أيضاً حجم المأساة التي عاناها آل البيت – عليهم السلام – في سبيل الحفاظ على هدى الله تعالى..
وحتى لا نطيل عليكم ، سأنتقل بكم الآن إلى كربلاء لنرى بعضاً من مواقف التحدي لهذه البطلة الكربلائية زينب سلام الله عليها :
بعد أن قُتل أولادها وإخوتها وأولاد إخوتها وأبناء عمومتها وبقية أقربائها الذين رافقوا الإمام الحسين، وأيضا بعد مقتل إمامها الحسين وأنصاره في هذه المعركة – معركة الطف(1) – غير المتكافئة في العدد والعدة ، فالإمام الحسين مع آل بيته وأنصاره يصل عددهم إلى نيف وسبعين، بينما جيش ابن زياد بقيادة ابن سعد يصل عددهم إلى الآلاف، ناهيك عن العتاد العسكري الذي يمتلكونه من خيل ورماح وسهام ودروع وغيرها من الأدوات القتالية التي كانوا يستخدمونها آنذاك..
ومع كل هذه القوة المادية التي يمتلكها العدو فإن الإمام الحسين أبلى هو ومن معه بلاءً حسناً، ولم ينالوا الشهادة إلا وقد جندلوا أولئك المجرمين أيّما تنكيل ..
ولما رأت السيدة زينب استشهاد الإمام الحسين وكل من معه من الرجال خرجت من خيمتها باحثةً عن جسد الحسين، غير آبهة أو خائفة من جيش ابن زياد وقائده ابن سعد، واقتربت من جسد الحسين فوجدت الجسد قد فصل منه الرأس، وجيش ابن زياد ينظرون ماذا ستفعل وماهي الصدمة التي ستحل بها من هول المنظر؟! لكنهم صدموا بموقفها البطولي العظيم، حيث وضعت يدها تحت جسد الحسين، ثم رفعته وقالت: ” اللهمّ تقبل منا هذا القربان “(2)..
إيمان عظيم لا يبلغه أي إيمان، وصبر ورباطة جأش ليس لهما مثيل!!..
لقد مثّلتْ عبارتها هذه هزيمةً معنوية ساحقة لابن سعد ولجيشه جعلتهم يتسمرون في أماكنهم ..
وبعد الجريمة التي ارتكبها الشمر بن ذي الجوشن في قيامه بقطع رأس الحسين حتى فصله عن جسده، ذهب إلى خيام آل بيت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأراد أن يقتل زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -سلام الله عليهم – وهو الوحيد الذي بقي حياً بسبب مرضه – وكان صغيراً آنذاك – لكن زينب تصدت له ومنعته قائلة له :” لا تقتله حتى تقتلني قبله “(3).
لكن العجب من بعض الكُتّاب عندما قالوا: “إن جيش ابن زياد امتنع عن قتل علي بن الحسين وذلك لأنه كان مريضاً فأشفقوا عليه فتركوه رحمةً به ” !!..
وي وي !! كيف أشفقوا عليه وتركوه رحمةً به وهم قد ذبحوا حتى الرضيع؟!!
فأمثال هؤلاء قد نزعت الرحمة من قلوبهم، بل إن امتناعهم عن قتله كان تدخلاً إلهياً ومعجزةً ربانية، إضافة إلى موقف زينب عليها السلام التي دافعت عنه دفاعاً مستميتاً، وهذا يُعدُّ موقفاً من مواقف التحدي لها سلام الله عليها..
……..الهامش………
(1) انظر كتب التأريخ حوادث (61هجرية)
(2) “مقتل الإمام الحسين ” ل عبدالرزاق المقرّم ص307 و” حياة الإمام الحسين عليه السلام “[301/2] ل باقر شريف القرشي
(3) “حياة الإمام الحسين عليه السلام”
[302/3]

عدنان الجنيد
▪️الحلقة الأولى

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى