سيرة وتاريخ

من سيرة سليل الدوحة المحمدية الإمام الرضا

سليل الدوحة المحمدية ثامن ائمة ال البيت عليهم السلام حجة الحق الراضي بالقدر والقضاء، غريب الغرباء أبي الحسن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. تتوضأ الامم والشعوب من فيوضاته لتصل الطريق الاسمى لنهج الحق ورضا الله تبترك وتعالى.

الولادة المباركة:
ولد(عليه السلام) في الحادي عشر من ذي الحجة سنة 148هـ في المدينة المنورة، وقد ورد ان ولادته بحد ذاتها كانت كرامة من الله تعالى بما يليق بعلو شأنه وعظيم منزلته، فقد روي عن ام الامام الرضا (عليه السلام): لما حملت بابني علي، لم اشعر بثقل الحمل وكنت اسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني، فيفزعني ويهولني فإذا انتبهت لم اسمع شيئا فلما وضعته وقع الأرض واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه للسماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل عليَّ أبوه موسى بن جعفر(عليه السلام) فقال لي: (هنيئا لك يا نجمه كرامة ربك) فناولته إياه في خرقة بيضاء فاذن في الآذن الأيمن وأقام في الأيسر ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم رده إليّ فقال: (خذيه فإنه بقية الله تعالى في ارضه).عيون اخبار الرضا 2/30

سنوات عمره وحياته:
عاش الإمام الرضا (عليه السلام) أربعاً وخمسين سنة وأشهراً على المشهور، وعلى ما هو مشهور أيضاً فإنه (عليه السلام) ولد في السنة التي استشهد فيها جده الإمام الصادق (عليه السلام) وعاش (عليه السلام) مع أبيه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ما يقرب من أربع وثلاثين سنة، وكانت مدة إمامته وخلافته بعد أبيه ما يقرب من عشرين سنة .
عاصر (عليه السلام) بقية حكم هارون العباسي عشر سنين وخمسة وعشرين يوما، ومن بعده ابنه محمد بن هارون المعروف بالأمين وهو ابن زبيدة، ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوماً ، خُلع بعدها وأجلس مكانه عمه ابراهيم أربعة عشر يوماً ، ثم خرج محمد بن زبيدة من السجن بعدها وبويع ثانيةً، فملك سنة وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، ثم تغلب عليه وقتله أخوه ابن الجارية عبدالله المأمون الذي ملك عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوماً، والذي أنتهت حياة الإمام الرضا (عليه السلام) وإمامته في عهد المأمون بعد مضي خمس سنوات من حكمه.

النص بامامته:
كان الرضا (عليه السلام) حجة الله وخليفته في أرضه بعد أبيه الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بنصوص من أبائه (عليهم السلام) . وقد صرح الإمام موسى الكاظم بإمامة ابنه الرضا ومراراً تكراراً، دون بقية اولاده، وأشهد على ذلك اصحابه في مواقع عديدة، ومن ذلك ما روي أن أباه الكاظم قال للمفضل بن عمر انه صاحب الأمر من بعده ومن أطاعه فقد رشد ومن عصاه كفر .
مصائبه وصبره عليه السلام
كآبائه واجداده ابتلي عليه السلام بمصائب كثيرة تجرعها بصبر وثبات من قوم تواقة انفسهم للنعيم الزائل، مر في حياته بمرحلة حرجة جدا لم تمر بغيره من ائمة اهل البيت(عليهم السلام) جميعا، لان المأمون العباسي كاسلافه امتاز حكمه بالعداء لآل الرسول عليهم السلام وبالظلم والجور المستور وامتاز كذلك بالمكر والحيلة، اذ لم يكن يظهر العداء لآل البيت(عليهم السلام) علانية امام الملأ بسبب الظروف السياسية التي مرّ بها سلطانه.
فمن الخطوات المهمة التي سار بها المأمون لتدعيم اركان حكمه.. اجباره الامام(عليه السلام) على تولي ولاية العهد بعده، لمعرفته بالمكانة العظيمة التي يحوزها الرضا(عليه السلام) في قلوب اتباعه، بل في قلوب المسلمين بعامة.
ولما كان(عليه السلام) يأبى ذلك، فقد ألح المأمون عليه مرة بعد اخرى، حتى بلغ به الامر ان هدده بالقتل إن رفض ذلك، فوافق الامام(عليه السلام) مكرها، وقد روي عنه في ذلك قوله: ( اللهم انك نهيتني عن الالقاء بيدي إلى التهلكة، وقد أكرهت واضطررت، كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم اقبل ولاية عهده، وقد أكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال عليهما السلام، قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه، اللهم لا عهد الا عهدك، ولا ولاية لي إلا من قبلك، فوفقني لإقامة دينك واحياء سنة نبيك محمد(صلى الله عليه واله) فإنك أنت المولى والنصير، ونعم المولى أنت ونعم النصير) فقبل الامام بولاية العهد وهو باكٍ حزين. ولكن، استطاع الامام الرضا(عليه السلام) ان يحوّل هذا الواقع المؤلم الى وسيلة تفضح بغي المأمون ومكره، فقد اشترط في قبوله بالامر أن لا يولي أحدا ولا يعزل أحدا ولا يغير رسما ولا سنة، ومن الواضح ان قبول منصب دون عمل انما هو تصريح واضح بكراهته له، وانه مجبر على تقلده، لان من يسعى الى تولي سلطان ما لا بد ان يخوض اعماله، لا ان ينال اسمه فحسب.
كما ان الامام الرضا(عليه السلام) استطاع ان يحتك بأكبر قدر بالناس، فتعرفوا عليه عن كثب، وبخاصة في انتقاله الى بلاد بعيدة عن حاضرة الاسلام الاولى –المدينة المنورة- ومما يدل على ذلك ما ورد أنه لما توجه(عليه السلام) من خراسان منصرفا إلى الحجاز في قدمته الاولى، حضره جماعة العلماء والفضلاء من أهل خراسان وغيرهم، وكان قد ركب في العمارية، فاجتمعوا حوله وقالوا: يا ابن رسول الله، أتفارقنا ولا تفيدنا من علمك شيئا؟ ألا تحدثنا بحديث ننتفع به في ديننا؟ فاطلع(عليه السلام) رأسه من العمارية حتى أشرف عليهم، وقال: (حدثني أبي عن أبيه عن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: أن الله عز وجل يقول: الايمان حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي، ومن قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة) ثم ضرب راحلته وسار قليلا والناس خلفه، ثم التفت إليهم ثم قال: (بشرطها وشروطها، وأنا من شروطها).عوالي اللئالي 94.

من فضائله ومناقبه:
كان من زهده (عليه السلام) أن جلوسه في الصيف على حصير ، وفي الشتاء على مسح ولبسه الغليظ من الثياب، فإذا برز للناس تزين لهم بأزين اللباس، وكان كل كلامه (عليه السلام) وجوابه وتمثاله انتزاعات من القرآن واقتباس من آياته، وكان (عليه السلام) يختمه في كل ثلاثة أيام مرة ويقول: لو أردت أن أختمه في أقل من ثلاثة أيام لختمته لكنني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت ، فلذلك صرت أختمه في كل ثلاثة أيام مرة .
ومن عبادته(عليه السلام) ما رواه عبد السلام ابن صالح الهروي قال: جئت إلى باب الدار التي حبس فيها أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) بسرخس فاستأذنت عليه السجان فقال: لا سبيل لك عليه فقلت : ولم ؟ فقال : لأنه ربما صلى يومه وليلته ألف ركعة وإنما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس ، فهو في هذه الأوقات يناجي ربه .
ومن كرم أخلاقه ( عليه السلام ) ما حكاه عمه إبراهيم بن العباس قال : ما رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) جفا أحدا بكلامه قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه قط حتى يفرغ منه، ولا رد أحدا عن حاجة قط، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ولا رأيته يشتم أحدا من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه (عليه السلام) التبسم، وكان إذا نصب مائدته أجلس معه عليها مماليكه ومواليه حتى البواب والسايس، وكان قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي لياليه بالعبادة من أولها إلى الصبح ، وكان ( عليه السلام ) كثير الصيام ولا يفوته صيام ثلاثة في الشهر ، ويقول ( عليه السلام ) : ذلك صوم الدهر ، وكان ( عليه السلام ) كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك في الليالي المظلمة فمن رأى مثله فلا تصدقوه وناهيك بها من خصال شريفة وخلال طريفة وصفات منيفة، فيه ( ع ) وآباؤه الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام لابد أن يكونوا أحسن الناس خلقا وخلقا، وأظهرهم فرعا وعرقا. ولا ينافيه ما ورد فيه ( عليه السلام ) أنه أسمر اللون مع أن الأسمر هو الذي بياضه مشوب بالحمرة فيسمى عند العرب أسمر، وأن الإمام ( عليه السلام ) لا يظهر للناس من كل شيء إلا ما تحتمله عقولهم ولا تنحسر عنه أبصارهم ولا تنفر منه بصائرهم، فلهذا قالت أم الفضل ابنة المأمون زوجة ابنه محمد الجواد ( ع ) لامها حين دخل ( عليه السلام ) عليها فغشي عليها إن هذا الرجل يريني كل يوم صورة من جماله أتحير عند رؤيتها، والآن لما دخل رأيت في وجهه نورا أخذ بمجامع قلبي وبصري. وروي أيضا : أن النبي ( ص ) كان يسمع أصحابه من صوته في قراءته القرآن ما تحتمله عقولهم ولو أسمعهم صوته لماتوا عند سماعه . ولا شك أن نورهم واحد وطينتهم واحدة من ذلك النور العظيم ، ( ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) ، ولهذا كان الأئمة عليهم الصلاة والسلام يظهرون لخواص شيعتهم الكرام على حسب الحالات التي تحتملها عقولهم في كل مقام، فهم مظاهر الحقيقة الأحدية والحجة على جميع البرية ، فلا بد من ظهورهم لكل واحد بما يناسب القابلية ، وليس هذا بغريب ولا منهم بعجيب.وفيات الائمة/ 317

شهادته(عليه السلام)
لما انقلب مكر المأمون عليه بحكمة الامام الرضا(عليه السلام) وتأييد الله تعالى له، وجد ان لا مفر الا ان يكتم تلك الانفاس الطاهرة ليأمن على دنياه وسلطانه، فاحتال لذلك باتباعه سنة آبائه الضالين، فدس السم للامام(عليه السلام) في طعامه.
روي عن محمد بن الجهم انه قال: كان الرضا يعجبه العنب، فاخذ منه شيء فجعل في موضع اقماعه الابر اياما، ثم نزعت منه، وجيء به اليه فاكل منه وهو في علته فقتله.
وورد في خبر: ان المأمون أمر عبد الله بن بشير أن يطول أظفاره، وأخرج إليه شيئا كالتمر وقال: اعجن هذا بيدك جميعا، ثم أمر للرضا(عليه السلام) عليه السلام بالرمان، وأمر لابن بشير أن يعصره بيده، ففعل، وسقاه المأمون للرضا بيده.
وروي عن ابي الصلت الهروي انه قال: دخلت على الرضا وقد خرج من عند المأمون، فقال: (يا أبا الصلت قد فعلوها) وجعل يوحد الله ويمجده.
ارتحل الامام الرضا(عليه السلام) الى جوار ربه في السابع عشر من شهر صفر عام 203هـ مظلوما مهضوما، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى