مقالات

أهمية الولاية في الإسلام

بمناسبة يوم الولاية ، يوم العرس العلوي ، يوم أن ألبس النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وصيّٓه الإمام علي – عليه السلام – خلعة الولاية العظمى والقطبية الكُبرى (حُلّة الجمال المُعلّمة بنقوش الجلال) ، وذلك بعد أن رفع يد باب مدينة علمه وهما على أقتاب الجمال قائلا : ” من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه ..”
بهذه المناسبة أحببنا أن ننشر هذا البحث الموسوم ب” أهمية الولاية في الإسلام “
ركزنا فيه على أهمية ومفهوم الموالاة لأولياء الله ، ومعاداة أعداء الله ، وعن حال الأمة حين تركت ولاية الله ورسوله والمؤمنين وأهم النتائج السلبية التي أصابت الأمة بسبب تخليها عن ولاية الله ورسوله والذين آمنوا ….
فدونك هذا البحث ، وستجد فيه الحق المبين.


ملتقى التصوف الإسلامي .

🔷أهمية الولاية في الإسلام
🔸عدنان الجنيد
〰〰〰〰〰
إن الأمة العربية والإسلامية لمّا تركت من أمرها الله بتوليهم ممن قال الله فيهم (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة :55- 56] ولمّا أرتضت أن يحكمها الفاسدون والظالمون وابتعدت عن هدى القرآن وعن تعاليمه أصبح حالها كما ترون في ذيل القافلة..بل وأصيبت بالذلة والهوان وصارت عالة في معايشها على سواها من بني الإنسان وأصبحت لعبة بين أيدي الصهاينة والأمريكان
إن معظم أنظمة وحكام هذه الأمة موالون لليهود والنصارى الذين نهانا الله تعالى عن موالاتهم وحذرنا من ذلك فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51] فلا نهوض لهذه الأمة ولا رقي لها إلا بالعودة إلى هدى الله والعمل بتعاليم كتابه..
إن الله أراد لهذه الأمة أن تكون مرتبطة بنبيها وبأعلام الهدى من بعده الارتباط القائم على أساس الولاء الصادق والطاعة قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ…)[الأحزاب:6] وقال :(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ…)[النساء:64]
أمة تقتدي بنبيها تتعرف عليه وعلى صفاته وتستفيد من هديه وحياته ومن منهجه قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21] إن موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله هو طريق الخلاص وسبيل لكسب معونة الله ونصره ..
لا يمكن لهذه الأمة أن يكون الله معها وأن يعينها ويخلصها مما هي فيه إلا إذا تبنت هذا الطريق وعادت إلى مسؤوليتها والقيام بها كما يقول الله جل شأنه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] إن الفلاح والنصر والظفر قائم على هذه الأسس من الارتباط بمنهج الله والولاء لله والولاء لنبيه ولآل بيته القائم على الإتباع له ولمنهجه “القرآن الكريم” والقائم على استشعار هذه المسؤولية من منطلق قول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ…)[الصف:14]
فعلى هذه الأسس تتحرك الأمة وتتولى من أمرها الله بتوليه وتنهض استجابة وطاعة لله, وقياماً بالمسؤولية أمام الله, فيما هو خير لنا ولسائر الناس
▪مفهوم الموالاة والمعاداة :
يدل مصطلح الموالاة على المحبة والتصديق والاتباع والقبول بمن يتم توليه أو اتخاذه ولياً، وتطلق أيضاً على المعية في الموقف والمعية في الرأي والتوجه فهي حالة تبدأ نفسية شعورية ثم تتحول إلى مواقف ملموسة ومحسوسة سواءً كانت هذه الموالاة للحق أو للباطل والموالاة تكون لله ورسوله وللمؤمنين….
وأما مفهوم المعاداة فهي عكس الموالاة وهي البراءة والرفض والتخلي عن اتباع كل من تتوجه إليه المعاداة في مجاراته وعدم موافقته في كل ما يدعو إليه…
إن ولاية الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- واجبة ، فيجب علينا – كمسلمين – أن نتولاه وأن نعرف أنه أولى بنا من أنفسنا(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) [الأحزاب:6]
فهو – صلى الله عليه وآله وسلم -أولى بنا من أنفسنا
يجب علينا أن نبذل نفوسنا إيماناً به – صلى الله عليه وآله وسلم – وحباً فيه ، ونقدمه على نفوسنا حتى نكون كما أمرنا الله وشرع لنا بقوله :(..وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ..)[التوبة : 120]
يعني الواجب علينا أن يكون حبنا له أعظم من حبنا لأنفسنا ، ورغبتنا في اتّباع أمره واجتناب نهيه ونصرة دينه والمستضعفين من أمته هي المقدَمة على اتّباع رغباتنا وأهوائنا وشهواتنا لأن علامة المحبة هي الموالاة والإتباع قال تعالى 🙁 قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[آل عمران : 31]، وقال : (إنما وليكم الله ورسوله) [ المائدة:55] هذه هي الولاية وهذا هو الولاء..
إن من يذهبون إلى أعداء سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ويوالونهم من الزعماء العرب والأنظمة والحكومات العربية, لا يمكن أبداً أن نقول عنهم أنهم يوالون سيدنا محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – ..
لا يمكن لك أن تكون متوليّّاًً له – صلى الله عليه وآله وسلم – ومؤمناً بولايته عليك, ثم في نفس الوقت أنت توالي أعداءه وتناصرهم وتقف معهم..
لا يمكن ذلك فالرسول له ولاية عليك وهو أولى بك من نفسك وله عليك حق الطاعة والمحبة والتعظيم والإتباع والاقتداء..فافهم ذلك فهذا شيء مهم
▪الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم :
من الأمور التي أكد عليها القرآن الكريم وعدَّها عنصراً هاماً من الدين لا يقبل الله العمل إلا به موضوع الموالاة والمعاداة في الله سبحانه قال الله سبحانه وتعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة:55]وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)[ الممتحنة:13] وقد جاء القرآن محذراً ومنبهاً هذه الأمة في قضية الموالاة والمعاداة مؤكداً على أهميتها بحيث أنها قد تعطل كل أعماله الصالحة إذا كانت في غير مجراها الصحيح فإن كان المسلم ممن تولى أحد هذه الخطوط الثلاثة : “الكافرين ـ اليهود ـ النصارى” فلا تقبل أعماله بل ويصبح منهم وحكمه يصير كحكمهم
قال تعالى : (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)[المائدة:51] من خلال هذه الآية نرى أن الله عزوجل قد عدَّ من تولى اليهود والنصارى بأنه منهم مهما كانت أعماله الأخرى صالحة من صلاة أو زكاة أو غيرها بل إن أعماله تفقد قيمتها عند الله سبحانه لأن صاحبها قد أخل بمبدأ الموالاة والمعاداة وأصبح هواه مع اليهود والنصارى وعمله يخدمهم وتوجهه مماثل لتوجههم….
▪نموذج من المواقف الموالية لأعداء الله :
موقف الدول العربية والإسلامية والإنسانية من الحرب الظالمة على بلادنا اليمن فلمدة ما يقارب خمسة أعوام والعدوان السعوأمريكي يضرب شعبنا ليل نهار ومواقف أنظمة هذه الدول ما بين داعم ومؤيد وساكت، ولم نجد أية دولة عربية أو إسلامية أو إنسانية استنكرت العدوان على بلادنا بإستثناء القليل من أصوات أحرار العالم، أليس تأييدهم وسكوتهم عن العدوان يعد موالاة لليهود والنصارى؟ وإذا كانت الشعوب متبعة لأنظمتها بهذه الموالاة فهم مثلهم …
ويشمل بذلك من رضي بهذا العدوان ومن رضي – أيضاً -عمن يقوم بهذا التولي لليهود والنصارى من أفراد وجماعات ومن ولاة وعامة فإن مجرد الرضا يجعل صاحبه شريكاً في هذا الوصف وللامام علي – عليه السلام – كلام في هذا الموضوع وهو قوله:” إنما يجمع الناس الرضا والسخط وانما عقر ناقة ثمود واحد فعمهم الله بالعقوبة”
فبسبب أن واحداً عقر الناقة وهم راضون بعمله ومصوبون له فهم شركاؤه في الفعل والعقوبة..
وأيضاً يقول الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل داخل في باطل إثمان إثم العمل به وإثم الرضا به»
إن هؤلاء الموالين لليهود والنصارى سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أنظمة مهما قدموا خدمات لليهود والنصارى ومهما كانت موالاتهم مطلقه لأعداء الله، فإنهم لن ينالوا رضا اعداء الله لماذا ؟
لأن الله تعالى يقول في كتابه الكريم:(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة:120] فالمخاطب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- والمراد به أمته… إن هؤلاء- اليهود والنصارى- لا يقبلون منكم بأن تكونوا تابعين لهم في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها .
بل لا يكتفون منكم إلا بالذوبان الكامل والتحول التام إلى دينهم وملتهم
إن الله عز وجل ضرب لنا مثلاً في سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث توجه خطابه إلى قومه الذين عبدوا غير الله واشركوا به بأنه براءُ منهم ومما يعبدون وإن العداوة والبغضاء هي العلاقة التي يتم مواجهتهم بها حتى يؤمنوا بالله وحده واشارت الآيات بأننا كأمة لا بد أن يكون لنا بالنبي إبراهيم وقومه أسوة حيث قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..)[الممتحنة:4].
وقال تعالى: (ا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..)[المجادلة:22]
ومن مفهوم المخالفة لهذه الآية نفهم أن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر هم الذين يوادون من حاد الله ورسوله….
وفي موضع آخر تجد أن الله عز وجل قرن النصر والغلبة لأهل الحق على أعدائهم بضرورة تولي الله ورسوله والذين آمنوا كشرط أساس في اقامة دولة الحق التي تقف ضد دولة الباطل ومن غير هذا الشرط لا يتحقق للأمة أي نصر بل ويصبح أمرها بيد أعدائها وتصبح – أيضاً – فريسة سهلة للشرق والغرب لأنها تخلت عن ولاية الله ورسوله والمؤمنين وفي ذلك يقول الله تعالى: (.. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)[المائدة:56].
وسيأتي بيان ذلك أكثر في النموذج الأعلى لولاية الله ورسوله والمؤمنين.
▪الموالاة والمعاداة في كتب الحديث النبوي :
إن كتب الأحاديث مشحونة بالأحاديث التي تدعو وتأمر وتحث على ضرورة موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله ورسوله فمنها – على سبيل المثال – مايلي:
سأل النبي – صلى الله عليه وآله – أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ ” أتدري أيُّ عُرى الإيمان أوثق؟
قال: الله ورسوله أعلم. قال: “الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عزوجل “رواه الطبراني.
وهناك حديث هام يدل على أهمية الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله, وأن جميع عبادات وطاعات وأعمال العبد يتوقف قبولها عليها أخرج الإمام الناصر للحق السيد الحسن بن علي الأطروش ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه “البساط” بسنده عن أبي عبدالله الصادق عن آبائه أن علياً ـ عليه السلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: لو أن عبداً قام ليه وصام نهاره وأنفق ماله في سبيل الله علقاً علقاً وعبَدَ الله بين الركن والمقام ثم يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوماً لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله “
قال الحسن بن علي الأطروش: معنى يظهر. “أي يعتقد ذلك ويظهره في من يمكن إظهاره فيه “
إن هذا الحديث يذكر أن شخصاً يصوم النهار ويقوم الليل ويتعبد وينفق أمواله في سبيل الله وتعبد في أفضل وأقدس مكان عند الله مابين الركن والمقام ثم بعد ذلك يُقتل مظلوماً ..فعمله هذا كله ما يرفع إلى الله منه مثقال ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله.
إن الموالاة والمعاداة ليست مجرد فكرة عابرة رويت أو سمعت من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بل كان الاهتمام بها كبيرا جداًً لأنها تمثل وحدة الصف الاسلامي ضد الخطوط الأخرى التي يتزعهما اليهود والنصارى والكافرون فإضافة إلى ما نزلت من الآيات بهذا الخصوص وهي كيثرة كانت توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة ومتعددة في الموالاة والمعاداة سواءً في وقت الحرب أو في وقت السلم لأن ثبات المجتمع الإسلامي على مبدأ الموالاة لله ورسوله والمؤمنين ومعاداة أعداء الله من اليهود والنصارى والكافرين يعد ذلك عنصر قوة يتميز به هذا المجتمع حيث يبقى متماسكاً قوياً مترابطاً صلباً ضد كل مؤامرة تسعى إلى إضعافه أو اجتثاثه ومن خلال ما سبق يتحتم علينا معرفة النموذج الأعلى الذي أبرزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأمة كمبدأ خالد لولاية الله ورسوله والمؤمنين ـ وهو ما سيأتي ذكره
▪النموذج الأعلى لولاية الله ورسوله والمؤمنين :
ويتضح لنا هذا النموذج بعد عودة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة في يوم الثامن عشر من ذي الحجه ومعه عشرات الالاف من جموع المسلمين حيث وقف في وادي (خٌم) -منطقة بين مكة والمدينة وهي أقرب ما تكون إلى مكة – بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[ المائدة : 76]
بعد نزول هذه الآية وفي وقت الظهيرة في وقت حرارة الشمس وحرارة الرمضاء أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمراً لمن تقدم أن يعودوا وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع وبعد ذلك رُصَّت له أقتاب الإبل ليصعد عالياً فوقها لتراه الأمة وتشاهده وهي تعرفه بشخصه لترى علياً ويد رسول الله رافعة ليده وهي تعرف شخص علي ومن فوق تلك الأقتاب يعلن موضوعاً هاماً وقضية هامة وهي قضية ولاية أمر هذه الأمة من بعده صلوات الله عليه وعلى آله.
عندما صعد وبعد أن رفع يد علي – عليه و السلام – خطب خطبة عظيمة إلى أن وصل إلى قوله : “أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه اللهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله “
إذا رأينا تلسلسل هذا الحديث لوجدناه ينسجم انسجاماً كاملاً مع الترتيبات التي أعلن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عنها في أثرها فقد أعطى هذا الأمر الهام موضعه من الأهمية وجمع له الأمة في شدة الرمضاء وبعد حجة الوداع التي حضرها المسلمون من بلدان متعددة ليكون ذلك أبلغ في الحجة وأوضح في وقوع المحجة.
وهذا الحديث – حديث ولاية الإمام علي ـ عليه السلام ـ مروي في جميع كتب الحديث من مختلف طوائف الأمة – سنة وشيعة -فقد جاء بروايات متواترة وأسانيد متظافرة وليس هناك أدنى شك من ثبوته وروايته عن جموع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا مجال للتشكيك به بحال من الأحوال…
إن من المفاهيم التي جاء بها حديث الولاية:
من واقع الحال والظروف المحيطة التي رافقت إعلان الولاية يتبين لنا مدى خطورة ولاية الأمر ومدى تأثيرها بمستقبل الأمة..
ومما يزيد الأمر أهمية أكثر هذا التسلسل العجيب الذي ذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فبدأ بقوله:«إن الله مولاي» أي وأنا المبلغ عنه سبحانه ثم قال:«وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم » ويتابع الأمر على هذا الأسلوب ليبين أنها ولاية ممتدة من عند الله إلى عند رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولاية مندرجة لا ينفصل بعضها عن بعض ثم يقول:«فمن كنت مولاه» أليس كل مؤمن فينا يعتقد ويؤمن أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو مولاه أي مسلم أي أمة أي طائفة سنة أوشيعية لا يخرج عن هذا المبدأ ولا يدين بغير ذلك.. الجميع مقر بأنه مولى المؤمنين ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ ثم ختمها بقوله:«فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه»
ومما ينبغي أن نعرفه أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ـ يوم أشار إلى ” علي ” فإنه في نفس الوقت يشير إلى ولاية أمر الأمة المتجسدة قيمها ومبادئها وأهدافها ومقاصدها في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام – وهو بذلك النموذج الأعلى والأرقى والأجدر الذي على الأمة إذا أرادت عزها ومجدها أن يكون ولاة أمرها في مثل قيم ومبادئ وإيمان وعلم هذا الإمام ـ كرم الله وجهه ـ وإلا تاهت في غيِّها وغابت عن رشدها.
▪حال الأمة الإسلامية حين تركت ولاية الله ورسوله والمؤمنين :
إن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى أن تفهم ولاية الأمر التي هي جزء من ولاية الله ورسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهذا الفهم لابد أن يكون نابعاً من كتاب الله سبحانه الذي يقول: (.. لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[البقرة :124] وإذا استمرت الأمة في تجاهلها لهذه القضية الهامة فسوف يُسلط عليها عدوها سواء الأمريكي أو غيره لكي يضع لها معياره في ولاية أمر الأمة بل وسيفرض ذلك عليها كما هو الحاصل الآن..

فكم قد رأينا من المسلمين ممن لم يكلفوا أنفسهم عناءً في نقل ونشر المفاهيم الصحيحة لولاية الأمر في أوساط الأمة بل إنهم رووا أخباراً تخالف ما جاء به القرآن ظانين أنها من قول رسول الله ـ صلى الله عليه وآه وسلم – منها حديث: ” من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية ” [صحيح مسلم [1478:3، الباب 13، كتاب الإمارة، ج 1849] . وحديث: “…. كيف اصنع يا رسول الله أن أدركت ذلك ؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فا سمع وأطع ” [صحيح مسلم [1476:3, الباب 13, كتاب الإمارة، ج 1847].
وحديث: ” الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا أو فاجرا…” [سنن أبي داود[17:2] باب الغزو مع أئمة الجور، كتاب الجهاد].
وهذه الأحاديث وغيرها تجدها مبثوثه في الكتب الحديثية والأدهى من ذلك قولهم بالإجماع على عدم الخروج على السلطان الجائر فقد نقل ابن حجر في الفتح عن ابن بطال أنه قال: ” وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، فإن طاعته خير من الخروج عليه ….” قلت: وهذه مجازفة وتعصب مقيت ويكفي في ردهم على إجماعهم هذا هو خروج الإمام الحسين- عليه السلام – على الطاغية يزيد بن معاوية وقتاله لجيش بني أمية وشهادته هو وأهل بيته وأصحابه وانصاره – عليه وعليهم السلام – في واقعة كربلاء …. فخروج الإمام الحسين على الظالم يزيد حجة على المسلمين، روى الطبري في تأريخه [300/7] وابن الأثير في الكامل [48/4] أن الحسين خطب في أصحابه، وأصحاب الحر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : “أيها الناس إن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله…”
إن خروج الإمام الحسين – عليه السلام – مع ذكره للحديث والذي سمعه من رسول الله – صلوات الله عليه وآله وسلم – يجعل تلك الأحاديث الآنفة بأنها مكذوبة، كيف لا والإمام الحسين من أهل البيت الذين قال الله فيهم :(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب : 33] وهو الذي قال فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ” حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً…” رواه الترمذي.
إضافة إلى أن تلك الأحاديث تتعارض مع كتاب الله تعالى قال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)[هود : 113] وإذا كان الركون إلى الظالم حراماً فكيف يكون للظالم ولاية وإمامة على المسلمين؟ وقال تعالى:(يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)[ النساء : 60] والطاغوت هو الظالم المتجبر وسمي بالطاغوت لإفراطه في الطغيان والكفر به بمعنى الرفض والإنكار والتبِّري منه وقال تعالى:( أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم ..)[النحل : 36] والاجتناب أن يعزل المسلم موقعه وحسابه عن موقع الطاغوت وصفّه ونظامه ونفوذه ويعلن انفصاله عن الطاغوت وبراءته عنه.
وقال تعالى:(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ)[الزمر : 17] وعبادة الطاغوت: طاعته والانقياد له.
وقال تعالى:(وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[الشعراء : 151 – 152] وقال:(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)[الإنسان : 24] والآيات من هذا النوع كثيرة تأمرنا بالتصدي للظالمين وعدم طاعتهم والخضوع لهم
إن الظلمة من حكام بني أمية لمّا لم يجدوا أنفسهم مؤهلين لأن يكونوا ولاة على شعوبهم وليسوا داخلين في صفة الذين آمنوا الذين قال الله فيهم : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )[المائدة : 55] قاموا عبر علمائهم الخانعين لهم بوضع أحاديث تنص على طاعة الظالمين والفاسدين – وقد ذكرنا جملة منها سابقا ..
وذلك من أجل أن يشرعنوا للشعوب مولاة الظالمين ووجوب طاعتهم..
ثم جاء من بعدهم من رووا هذه الأخبار على أنها أحاديث قالها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وأصبحت من المسلمات يفتي بها العالم ويجاهر ، ويتكلم بها الخطيب في المنابر وبهذه الثقافة المغلوطة أصبح المسلمون خاضعين لحكامهم ومطعين لهم لايحركون ساكنا وماعليهم إلا الصبر فهم مثابون على جور ولاتهم.
والعجيب أن هذه الثقافة (ثقافة الخنوع للظالمين) تدرس في مناهجنا الدراسية والجامعية ..
ولهذا نجد الحكام الفاسدين عبر التأريخ إلى يومنا هذا يكرسون جهودهم على نشر مثل هذه الثقافات ويبذلون الأموال الطائله على ترسيخها في عقول الناس ..
يريدون بذلك ان يقدموا ولاية الأمر للأمة بالشكل الذي يكون بإمكان أي طامع أو أي انتهازي أو أي مجرم وظالم أن ينالها ويجب عليهم اتباعه في كل الأحوال وهذا مخالف لكتاب الله عز وجل الذي يقول فيه الله تعالى لإبراهيم ـ عليه السلام ـ : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[البقرة : 124] إن جهل الأمة في ماضيها بولاية الأمر وأهميته هو الذي جعلها ضحية لسلاطين الجور وإن الجهل الذي امتدَّ من ذلك الزمن إلى الحاضر نفسه سيجعلها – بل جعلها – ضحية لهذه الثقافات المغلوطة والذي تبنى تأصيلها ونشرها هي الأنظمة الفاسدة العميلة ومن ورائها ولاة أمرها اليهود الصهاينة من الأمريكيين والإسرائيليين الذين هم السبب الأكبر في إنشاء هذه الأنظمة التي تُعد من أخلص أدواته في العالم وعبرهم حققوا مايريدون …

والعجيب أن علماء البلاط من هذه الأمة عمدوا إلى الاستدلال بآية قرآنية وقاموا بتحريف معناها وبتغير مفهومها لتكون حجة لهم على طاعة الظالمين والفاسدين وإليك الآية : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء:59] وهذه الآية هي عليهم لا لهم، فكلمة منكم تعني منكم أيها المؤمنون وليس من غيرك
ثم أين هم أولئك الحكام الذين يصح أن يقال عنهم(منكم) ؟!…
لم يعودوا منا لأنهم والوا اليهود والنصارى فأصبحوا منهم بحكم الله القائل : (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [المائدة : 51] لقد أصبحوا أكثر انسجاماً مع أمريكا ومع سياسيتها فمعظمهم على هذا النحو….لم يصدق على الكثير منهم معنى (منكم)
▪أهم النتائج السلبية التي أصابت الأمة بسبب تخليها عن ولاية الله ورسوله والذين آمنوا:
نلخصها فيما يلي:

  • أصبحنا أمة ذليلة مرتهنة لأننا ابتغينا العزة من عدو الله وعدونا وتخلينا عن ولاية الله ورسوله والذين آمنو رغم أن الله عزوجل يقول منبهاً على ذلك بقوله:(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) [آل عمران23]
    ثم اخبرنا عن المنافقين بقوله (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا)[النساء 138.139]
  • أصبح قرار الأمة بيد اليهود والنصارى في كافة المجالات حتى أصبحت هذه الأمة التي وصفها الله بأنها خير أمة أُخرجت للناس لا تستطيع أن تأمر بمعروف أو تنهى عن منكر بل إن كل ما يحصل في بلدان الإسلام يأتي وفق رغبة الأمريكي والإسرائيلي وليس للأمة ولا لزعمائها رأي أو قرار
  • أصبحنا أمة مفرقة ممزقة وهذا هو الذي أراده عدونا منا ونحن مددنا إليه أيدينا وجعلناه وصياً على بلداننا فحرص كل الحرص على أن نكون ممزقين إلى دول وأمم وأحزاب وجماعات متناحرة كل حزب بما لديهم فرحون بل إن إعلام عدونا أشعل فتيل الفتنه الطائفية التي فرقت الامة ومزقتها فوجد له آذاناً صاغية للأسف الشديد
  • عبث اليهود بمقدساتنا واحتلوا أراضينا وقتلوا أطفالنا ونساءنا ونحن لا نزال نطبِّع معهم أو مع الأمريكان الذين يدعمونهم..
    وفتحنا لهم السفارات وتعاملنا معهم اقتصادياً وتركنا الشعب الفلسطيني المظلوم يعاني من جرائمهم وعدوانهم عشرات السنين
  • سيطر العدو على ثرواتنا ومقدراتنا بشركاته ووصاياته على بلداننا الإسلامية رغم أن الدول الإسلامية من أغنى دول العالم بالنفط والثروات المعدنية إلا أنها تعاني من الفقر والتخلف وجزء من مقدراتها يذهب إلى خزائن الغرب والأمريكان ويمنع منها فقراء المسلمين
  • استطاع أعداؤنا أن يشوهوا ديننا الإسلامي وألحقوا به تهمة الإرهاب عبر عناصر استخباراتية زرعها الأمريكان والصهاينة في أوساطنا ووضعوا لهم منهجاً مشوهاً يدعوا إلى القتل والسحل والذبح فقتل المسلمين واستثنى عملياً الأمريكان والإسرائيليين
  • أصبحت بلاد المسلمين اليوم وقبل اليوم فريسة للعدوان اليهودي بمختلف أشكاله وألوانه فمن رفض وصاية اليهود والأمريكان يتم احتلالها وتدميرها بحجج واهية ودعاوى كاذبة كما فعل الأمريكان بأفغانستان والعراق وكما فعلوا بأجزاء من اليمن وسوريا وغيرها من بلدان المسلمين وحجج اعتداؤهم على هذه البلدان متناقضة تناقضاً صريحاً مما يدل على أنه مشروع إركاع وإعادة الوصاية والولاء.
    هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى