مقالات

ننشر دراسة “فقه التغيير بين سيد قطب و السيد محمد باقر الصدر:دراسة مقارنة” للدكتور أحمد راسم النفيس

إنهما مفكران انتهت حياتهما بطريقة متشابهة فالأول جرى إعدامه على يد النظام الناصري والثاني جرى قتله على يد النظام الصدامي وكلاهما ترك أثرا بالغ الأهمية في مسار التاريخ المعاصر مهما اختلفنا حول هذا الأثر أو اختلفت المدرسة الفكرية التي انطلقا منها فالأول أي سيد قطب هو ابن مدرسة الإخوان المسلمين والثاني هو ابن مدرسة أهل البيت ومن هنا تكمن أهمية المقارنة لا بين المدرستين وإنما بين المقاربتين لواقع الأمة الإسلامية:

يرتكز المفهوم القطبي للتغيير على عدة ركائز يترتب بعضها على بعض:

الركيزة الأولى: ( حتمية إعادة وجود الأمة الإسلامية ) فالأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم كلها من المنهج الإسلامي وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا و لا بد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى. معالم في الطريق ص 8.

الركيزة الثانية: (العالم يعيش اليوم في جاهلية معاصرة)إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. ص10

الركيزة الثالثة: أنه لا بد من بعث  إسلامي و أنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعا وهي تزاول نوعا من العزلة من جانب ونوعا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة. و(لا بد لهذه الطليعة من معالم في الطريق معالم تعرف منها طبيعة دورها وحقيقة وظيفتها وصلب غايتها و نقطة البدء في الرحلة الطويلة. ص 12 إذن فالأمة كانت موجودة و لم تعد!! متى انقطع وجودها يجيبنا سيد قطب (يوم أن توقف العمل بأحكام الشريعة الإسلامية) متي حدث هذا؟؟ لم يعطنا سيد قطب جوابا شافيا.

الركيزة الرابعة: المثل الأعلى للأمة الإسلامية (الصحابة جيل قرآني فريد)ينطلق سيد قطب في تصوره للأمة التي كانت والأمة التي ينبغي أن تكون من رؤيته للصدر الأول للإسلام وأن رجالات تلك المرحلة كانوا يشكلون جيلا قرآنيا فريدا لا بد من السير على خطاه فيقول: لقد خرجت هذه الدعوة جيلا من الناس جيل الصحابة جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه ثم لم تعد تخرج هذا الطراز مرة أخرى.  ص 14.

ما هو سبب هذا التفرد السبب أن النبع الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن…  القرآن وحده إذن هو النبع الذي يستقون منه و يتكيفون و يتخرجون عليه.ص 15 فكان لهم في التاريخ ذلك الشأن الفريد ثم ما الذي حدث؟ اختلطت الينابيع بفلسفة الإغريق وأساطير الفرس وتصوراتهم وإسرائيليات اليهود ولاهوت النصارى وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا. ص. 17

ثم يخلص سيد قطب إلى القول (نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم فلا بد إذن من أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال النبع المضمون أنه لم يختلط ولم تشبه شائبة نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل للحق).

الركيزة الخامسة:إعادة اعتناق لا إله إلا الله من جديد.

ثم ينتقل سيد قطب إلى تقرير نقطة البدء (كذلك ينبغي أن يكون مفهوما لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولا إلى اعتناق العقيدة حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين وتشهد لهم شهادات الميلاد أنهم مسلمون يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو أولا إقرار عقيدة لا لإله إلا الله بمدلوله الحقيقي وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحق لأنفسهم. ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام فإذا دخل في هذا الدين بمفهومه هذا الأصيل عصبة من الناس فهذه العصبة هي التي يطلق عليهم اسم المجتمع المسلم المجتمع الذي يصلح لمزاولة النظام الإسلامي في حياته الاجتماعية لأنه قرر بينه و بين نفسه أن تقوم حياته كلها على هذا الأساس و ألا يحكم في حياته كلها إلا الله. ص 40.

الركيزة السادسة : ضرورة تبلور هذا المشروع العقائدي في إطار تنظيمي و حركي.

يقول سيد قطب: إن العقيدة الإسلامية يجب أن تتمثل في نفوس حية وفي تنظيم واقعي وفي حركة تتفاعل مع الجاهلية من حولها كما تتفاعل مع الجاهلية الراسبة في نفوس أصحابها بوصفهم كانوا من أهل الجاهلية قبل أن تدخل العقيدة إلى نفوسهم وتنتزعها من الوسط الجاهلي. ص 45, 46.

الركيزة السابعة: تطبيق الشريعة الإسلامية أمر سهل وميسور.

ثم يفصل لنا رؤيته عن طبيعة الحاكمية وطريقة الوصول إليها فيقول (ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم هم رجال الدين ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة). ص68.

(ودين الله ليس غامضا ومنهجه في الحياة ليس مائعا فهو محدد بشطر الشهادة الثاني: محمد رسول الله فيما بلغه رسول الله ص من النصوص والأصول فإن كان هناك نص فالنص هو الحكم ولا اجتهاد مع النص وإن لم يكن هناك نص فهنا يجيء دور الاجتهاد وفق الأصول المقررة في منهج الله وهذه الأصول المقررة مقررة كذلك ومعروفة وليست غامضة و لا مائعة) ص 105.

إن الإلحاح علي قضية الحاكمية الإلهية وأنها وحدها التي تجعل من ادعاء الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله ذات مفهوم حقيقي وكل ما عدا ذلك فهو جاهلية معاصرة يستغرق القسم الأكبر من كتاب سيد قطب (معالم في الطريق) أما الجانب العملي من هذه القضية وهو كيف نحكم بما أنزل الله فهي مسألة لا تحتاج أكثر من ثلاثة أسطر من فكر رجل كان ولا زال من أهم المفكرين في التاريخ الإسلامي المعاصر.

أما رؤيته لتطبيق الشريعة الإسلامية فسهلة للغاية فقواعد الإسلام مقررة ولا إجتهاد مع النص والإسلام هو الحل ثم عرف الماء بعد الجهد بالماء.

إنه تصور يتسم بالتبسيط المخل كما أنه يغفل حركة الأمة ومسارها التاريخي منذ بعثة محمد بن عبد الله ص وإلى يومنا هذا ويختصر أوجاع الأمة وآلامها في كلمة واحدة هي غياب الشريعة الإسلامية من الساحة ويقترح حلا سحريا مكونا من كلمة واحدة أيضا هو (تطبيق الشريعة الإسلامية).

من هنا تأتي أهمية قراءة السيد الصدر فكرا وأسلوبا وفلسفة لا تستخدم تلك المصطلحات التي استخدمها سيد قطب حتى أنه يخيل للقارئ أنه يتعامل مع مادة مختلفة فماذا قال في كتابه (المدرسة القرآنية)؟؟

الركيزة الأولى لنظرية التغيير عند الشهيد الصدر:

أن حركة التاريخ حركة غائية سببية. تتميز حركة التاريخ عن كل  الحركات الأخرى أنها حركة غائية لا سببية فقط إنها ليست مشدودة إلى سببها إلى ماضيها بل هي مشدودة إلى الغاية لأنها حركة هادفة لها علة غائية متطلعة إلى المستقبل وهو المحرك لأي نشاط من النشاطات التاريخية ص 139.

الركيزة الثانية: أهمية المحتوى الداخلي للإنسان.

يرى السيد الصدر أن المحتوى الداخلي للإنسان هو الأساس لحركة التاريخ والبناء الاجتماعي العلوي بكل ما يضم من علاقات ومن أنظمة ومن أفكار وتفاصيل هذا البناء العلوي يرتبط بهذه القاعدة ويكون تغيره وتطوره تابعا لتغير هذه القاعدة وتطورها فإذا تغير الأساس تغير البناء العلوي وإذا بقي الأساس ثابتا بقي البناء العلوي ثابتا. فالعلاقة بين المحتوى الداخلي للإنسان و البناء الفوقي والتاريخي للمجتمع هي علاقة سببية [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم]. فالآية تتحدث عن تغييرين أحدهما تغيير القوم (إن الله لا يغير ما بقوم) يعني تغيير أوضاع القوم شؤون القوم  الأبنية العلوية للقوم ظواهر القوم  و هي لا تتغير حتى يتغير ما بأنفسهم فالمحتوى النفسي والداخلي للأمة كأمة لا لهذا الفرد أو ذاك هو الذي يعتبر أساسا وقاعدة للتغييرات في البناء العلوي للحركة التاريخية كلها.

والإسلام والقرآن الكريم يؤكدان أن البناء الداخلي للإنسان يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع البناء الخارجي المجتمعي.

ولهذا سمى الإسلام عملية بناء المحتوى الداخلي بالجهاد الأكبر وسمى عملية البناء الخارجي بالجهاد الأصغر وربط بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر فإذا فصل الجهاد الأصغر عن الجهاد الأكبر فقد مضمونه وفقد قدرته على التغيير الحقيقي على الساحة التاريخية والاجتماعية. ص 140-142.

الركيزة الثالثة: المثل الأعلى.

إن الغايات التي تحرك التاريخ يحددها المثل الأعلى وهي تنبثق عن وجهة نظر رئيسية إلى مثل أعلى للإنسان في حياته وهذا المثل الأعلى هو الذي يحدد الغايات التفصيلية وينبثق عنه هذا الهدف الجزئي. فالغايات بنفسها محركات للتاريخ وهي بدورها نتاج لقاعدة أعمق منها في المحتوى الداخلي للإنسان وهو المثل الأعلى الذي تتمحور فيه كل تلك الغايات وتعود إليه كل تلك الأهداف. ص 145-147.

هذه الركائز الثلاثة تتباين بوضوح تام مع ما يطرحه (سيد قطب) في معالمه للطريق:

أولا- أن الحركة الغائية للتاريخ هي حركة تقدمية مطردة تختلف بصورة جذرية عن ذلك  التصور القائل بالعودة إلى ما كانت عليه الأمة في عصر ذلك الجيل القرآني الفريد (جيل الصحابة) فمسيرة الأمة مسيرة تكاملية متواصلة والعودة إلى الوراء أو إلى نماذج تاريخية ذاهبة هو أمر مستحيل فنحن في انتظار عودة جديدة للدين لا ترتبط حرفيا بذلك النموذج الذاهب بل هي عودة جديدة بقيادة جديدة وأساليب جديدة وإن بقي المضمون واحدا أي أننا نتحدث عن تقدمية الأشكال وثبات المضمون.

ثانيا: إن علة انهيار (الدولة الإسلامية) تكمن في العطب الذي أصاب البناء الداخلي لهذه الأمة وليست في الغزو الثقافي الخارجي ولا في اختلاط الثقافات الفارسية و الإغريقية إلى آخر هذا الكلام الذي يفتقر إلى دليل فعملية تمزيق الأمة الإسلامية بدأت على أيد أناس من ذلك (الجيل القرآني الفريد) يوم الجمل ويوم صفين لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ويزحزحوا مبادئهم وأخلاقياتهم لتصبح ذات أفانين وألوان مثلما فعل هؤلاء وكلهم وفقا لنظرية سيد قطب من ذلك الجيل القرآني الفريد الذي تربى من ذلك النبع الصافي و كانوا يتلقون الأمر القرآني تلقي الجندي لأمر القتال اليومي!!!!.

إنه بناء داخلي قد انهار على يد أصحابه ولا بد من مواجهة الحقائق كما هي لا كما نتمنى أن نراها ومن هذه النقطة – البناء الداخلي- لا بد أن يبدأ الانطلاق.

ثالثا: قضية المثل الأعلى ترتبط ارتباطا متسلسلا بالركائز السابقة: غائية الحركة و المحتوى الداخلي فالأمة الإسلامية التي نعتقد نحن أنها لم تختف من الوجود قد تبنت مثلا عليا من النوع الأول في تصنيف السيد الصدر (الذي يستمد تصوره من الواقع نفسه ويكون منتزعا من واقع ما تعيشه الجماعة البشرية من ظروف وملابسات) ص 148

وهذا ما حدث بالفعل بعد استيلاء بني أمية على مقاليد السلطة حيث نجحوا في خلق قيم ومعايير بل وعقائد دينية تخدم أهدافهم في إدامة الهيمنة على رقاب المسلمين ومن هنا تسلل إلى كتب الحديث تلك الروايات المعطوبة التي تجعل طاعة الطواغيت مقدمة على طاعة الله ورسوله من الناحية الواقعية مهما فعلوا أو ارتكبوا من جرائم و آثام والتي جعلت من الشريعة الإسلامية الواضحة أصلا مسألة مليئة بالألغاز والتي طمست معالم مدرسة أهل البيت ومع ذلك ظل هؤلاء الخلفاء مقصودون بالسمع والطاعة باعتبار ذلك واجبا شرعيا ورمزا لوحدة الأمة سقط بسقوط الخلافة العثمانية!!.

إنه النموذج الأول الذي طرحه السيد الصدر المثل الأعلى المنخفض الذي استمر بحكم الألفة و العادة والسبب الثاني لاستمرار قيادة هذا النوع المتدني هو التسلط الفرعوني على مر التاريخ الذي يحاول دائما أن يحول هذا الواقع المحدد إلى مطلق ويحاصر الجماعة البشرية في إطار هذه الحدود. ص 153.

ويستعرض السيد الصدر النوع الثاني من المثل العليا أو من الآلهة إنها مثل عليا مشتقة من طموح الأمة من تطلعها للمستقبل إنها قبضة يقبضها الإنسان من المطلق ويحولها إلى مثل أعلى.

أي أن الإنسان يصنع مثله الأعلى وينتزع هذا المثل الأعلى من تصور ذهني محدود للمستقبل ثم يحوله إلى مطلق بقدر إمكاناته المستقبلية لكنه سرعان ما يصل إلى الحدود القصوى لهذا المثل الأعلى وحينئذ يتحول هذا المثل ليصبح قيدا للمسيرة وعائقا عن التطور والحركة الإنسانية لأنه أصبح واقعا قائما كما يصبح عقبة أمام استمرار زحف الإنسان نحو كماله الحقيقي. ص.164-166.

وهذا ما نعتقده بالنسبة لحالة تلك الجماعات والأحزاب الإسلامية التي قبضت قبضة من المطلق أو الحقيقة قبضت بالفعل قبضة من نور الله بدعوتها إلى الحاكمية الإلهية ولكنها افتقدت الصلة بالمثل الأعلى الحقيقي الممنوح من نور الله ونفحته إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وأهل بيته ومن ثم فقد عجزت حتى عن تحديد معنى واضح للحاكمية الإلهية فضلا عن كيلها التهم جزافا للظالم والمظلوم القاتل والضحية بل أنها أدانت الضحية أي الأمة الإسلامية ونفت وجودها وتسامحت مع القتلة ولم تتجه إلى إدانتهم إلا بعد دخولهم في دائرة النفوذ الغربي.

أما النوع الثالث من المثل العليا فهو المثل الأعلى الحقيقي وهو الله سبحانه و تعالى.

وإتساقا مع منهجه السابح في بحار الانفعال ينتقل سيد قطب من تقريراته عن الجاهلية المعاصرة وضرورة إعادة اعتناق الإسلام من جديد ليحدد لنا ما ينبغي عمله إنه الجهاد و الكفاح المسلح. فالجهاد في سبيل الله (هو الشأن الدائم لا الحالة العارضة الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين وتحرير الإنسان من العبودية للعباد رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن الإنسان في الأرض ذلك السلطان الغاصب إنها حالة دائمة لا يقف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله). ص.76.

ثم يعتبر أن مبادأة القوى الجاهلية بالقتال واجب شرعي (والمد الإسلامي ليس في حاجة إلى مبررات أدبية عدا مبررات تقرير ألوهية الله في الأرض وتحقيق منهجه في حياة الناس ومطاردة الشياطين ومناهج الشياطين وتحطيم سلطان البشر الذي يتعبد الناس و الناس عبيد الله وحده لا يجوز أن يحكمهم أحد من عباده بسلطان من عند نفسه إنها مبررات التحرير العام للإنسان في الأرض بإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك و هذه وحدها تكفي). ص.83.

بمن و إلى من ؟؟ بمن يكون الجهاد  في سبيل الله و في مواجهة من؟؟ ما هي القضية التي عجزت الوسائل الأخرى عن حلها فلم يعد هناك بد من إعلان الجهاد و رفع السلاح؟؟.

وهل يكفي أن تعلن جماعة ما أنها أعادت اعتناق الإسلام من جديد بشقه الأهم وهو الحاكمية لتعطي لنفسها ولاية عامة على الأمة تحكم في أموالها و دمائها بما ترى أنه هو الحق.

لقد أعلنت حروب كثيرة بموجب هذا التبرير ثم عاد هؤلاء المجاهدون ليعلنوا المبادرات السلمية التاريخية لحقن دماء (المسلمين) و الحفاظ على مصالح (الأمة الإسلامية) التي أعلنوا وفاتها قبل إعلان الجهاد!!.

إننا نتفق مع سيد قطب في أن الإسلام لا يستبعد القوة والجهاد في مواجهة أعدائه و لكننا ننظر إلى التغيير نظرة أشمل و أعم من هذه النظرة الانفعالية الضيقة فالقتال في سبيل الله على علو قيمته ليس دواء لكل داء والقضية أكبر من هذا بكثير ولو أن الرجل حاول أن يتعرف إلى الأسباب التي أوصلت هؤلاء الفراعنة إلى سدة الحكم ومكنتهم من الهيمنة على رقاب المسلمين بدلا من إلقاء اللوم على أسباب وهمية مثل الفلسفات الرومانية إلى آخر هذه الاتهامات لاختلفت النتائج التي توصل إليها عن تلك الموجودة في كتبه والتي تلقفتها أجيال من الشباب المتحمس والثائر بحرفيتها وأقامت تنظيمات وأشعلت معارك أحرقتها بلهيبها دون أن تمس الطاغوت بأي أذى.

هل كان عمرو بن العاص صاحب خدعة  التحكيم متأثرا بالفلسفة الرومانية أو الفارسية؟ الجواب معروف و هي أن الرجل كان واحدا ممن أسماهم سيد قطب (بالجيل القرآني الفريد).

ما هي علاقة تلك الفلسفات بالنعرة العنصرية ضاربة الجذور في العقل العربي وما هو رأيه في الصراعات والحروب التي دارت بين اليمانية والنزارية والتي عجلت بسقوط الدولة الأموية.

إذن فانحدار الأمة إلى هذه الهاوية التي نحن فيها الآن هي إنتاج ذاتي متعدد المراحل أسهمت فيه طبقات الأمة  المختلفة وكانت تعبيرا عن وعي اجتماعي وثقافي وسياسي عام لم يطق البقاء في وضع مرتفع كذلك الوضع الذي عاشه مع رسول الله ص وهو بعبارة السيد الصدر (المحتوى الداخلي للأمة) – إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم_ و هي حالة أفرزت نماذج مختلة وفاسدة من المثل العليا إما من النوع الأول من الطواغيت أو من النوع الثاني (قبضة محدودة من النور المطلق تحاول أن تحاكي الحق والحقيقة وتتشبه بها وتصادر عليها وهي حالة الكثير من تلك (الحركات الإسلامية المعاصرة).

ويبقى المخرج الوحيد للأمة من هذه الظلمات المتراكبة ألا وهو مواصلة السير نحو الله عز و جل [يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه] يقول السيد الصدر: هذه الآية الكريمة تضع الله سبحانه و تعالى هدفا أعلى للإنسانية ككل والكدح يعني السير المستمر بالمعاناة والجهد والمجاهدة لأن هذا السير هو سير ارتقائي هو تصاعد وتكامل هو سير تسلق فالإنسانية حينما تكدح نحو الله فإنها تتسلق إلى قمم كمالها وتكاملها وتطورها إلى الأفضل باستمرار.

وهذا السير الذي يحتوي على المعاناة باستمرار يفترض طريقا هو سبيل الله .. صراط الله هذا التقدم بقدر فاعليته وبقدر زخمه هو اقتراب نحو الله سبحانه و تعالى.

أي أن الله ترك لنا مجال الإبداع إلى اللانهاية مجال التطور التكاملي إلى اللانهاية فالمسيرة الإنسانية حينما توفق بين وعيها على المسيرة وبين الواقع الكوني لهذه المسيرة سوف يحدث تغييرا كميا وكيفيا نحو الأمام.

أما التغيير الكمي- فحينما يكون الطريق إلى المثل الأعلى الحق غير متناه يبقى مجال التطور و الإبداع و النمو قائما أبدا ودائما ومفتوحا للإنسان من دون توقف وعندما تتبنى البشرية هذا المثل الأعلى سوف تمسح من الطريق كل الآلهة المزورة كل الأصنام وكل الأقزام المتصنمة على طريق الإنسان و التي تقف عقبة بين الإنسان و بين وصوله إلى الله سبحانه.

وأما التغيير الكيفي الذي يحدثه المثل الأعلى على هذه المسيرة فهو إعطاء الحل الموضوعي الوحيد للجدل والتناقض الإنساني ومن ثم ينشأ لديه شعور معمق بالمسئولية تجاه هذا المثل الأعلى لأن المسئولية الحقيقية لا تقوم إلا بين جهتين مسؤول و مسؤول لديه.

إن المثل الأعلى يحدث تغييرا كيفيا على المسيرة لأنه يعطي الشعور بالمسؤولية وهذا الشعور هو شرط أساسي في إمكان إنجاح هذه المسيرة وتقديم الحل الموضوعي للجدل الإنساني بين تركيبته الداخلية من تراب ونفحة من روح الله سبحانه.

إذن فنحن أمام مدرستين مدرسة ترى أن العلة التي ضربت الأمة الإسلامية بعد كمالها وتمامها إنما ينبع من تبنيها لمفاهيم خاطئة لشهادة لا إله إلا الله وتنحية الشريعة الإسلامية جانبا ومن ثم فقد انقطع وجود الأمة الإسلامية و أصبحنا نعيش في جاهلية معاصرة ولا خروج من هذا الظلام إلا بظهور طليعة تعيد اعتناق الإسلام من جديد وتجعل من إعلان الشهادتين معلقا بتأكيد مفهوم الحاكمية واعتباره ركنا أساسيا من أركان الدين. وأن هذه الطليعة عليها أن تواجه البشرية كما واجهتها الطليعة الأولى من المسلمين حول رسول الله ص استعلاء على الجاهلية المعاصرة ومواجهة لها بالقوة والجهاد الهجومي لإزالة كل العوائق.

وبالنسبة للأمور الفقهية و مسائل الاجتهاد فكلها مسائل سهلة وميسرة ويمكن الاستعانة بأي كتاب فقهي في مكتبة المجاهدين لتحقيق الغرض خاصة أنه لا اجتهاد مع النص!!.

إنها وصفة سهلة ومبسطة!!!

وأما في مدرسة السيد الصدر فالأمة الإسلامية تمضي في مسيرة تكاملية تقدمية تتحرك نحو مثل أعلى هو الله عز وجل أي أنها قراءة تقدمية لحركة التاريخ وليست قراءة رجعية لا تهدف من وراء تحركها إلا لإعادة إنتاج مرحلة يراها البعض قمة الكمالات الإنسانية مرحلة الجيل القرآني الفريد أو الخلافة الراشدة وشتان بين القراءتين.

دكتور أحمد راسم النفيس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى