مقالات

الدرة العظيمة فاطمة المعصومة

تقديم نوراني

النور هو أول ما خلق الله تعالى، ولكن أي نور هو؟

جابر بن عبد الله الأنصاري سأل رسول الله (ص) هذا السؤال، قال: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: (نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير)، وعنه أيضاً قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أول ما خلق الله نوري، ابتدعه من نوره، واشتقه من جلال عظمته) (بحار الأنوار: ج 15 ص24)

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان، وخلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمداً وعلياً، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شيء كون قبلهما، فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرَين في عبد الله وأبي طالب (عليهما السلام)

وعن جابر بن يزيد قال: قال لي أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله، قلتُ: وما الأشباح؟ قال: ظلُّ النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيداً بروح واحد وهي روح القدس، فبه كان يعبد الله وعترته، ولذلك خلقهم حلماء، علماء، بررة، أصفياء)

هذه الأنوار التي ضربها الله مثلاً لنوره الأنور في سورة النور المباركة في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) (النور: 37)

فالله سبحانه نور الوجود، ومَثَلُ نوره في هذه الدنيا كمكان مخصص للنور، وفيه مصباح متوقِّد ولكن لزيادة توقُّده وجماله وبهائه وُضِع عليه زجاجة فصار كأنه كوكبٌ دُريٌّ يخطف الأبصار جماله، ويغشى العقول بهاؤه، فتبارك الله أحسن الخالقين، الذي جعله من شجرة النبوَّة، وزيَّنه وحلَّاه بحلية الولاية، التي قصر عن معرفتها الخلق من الشرق والغرب، لا سيما مَنْ يدَّعون أنهم أهل ديانة وكتاب، (اليهود والنصارى)، لأنهم حرَّفوا الكلم عن موضعه الذي يُشير ويُبشِّر بهم.

فهم في بيوت الله التي أذن لها أن تُرفع بين الخلق على كل بناء مادي أو معنوي لأنهم مثال الخالق في الخلق، وميزانه فيهم، ومعياره لإنسانيتهم، فهم الذين خلقهم على عِلم على العالمين واصطفاهم لسرِّه، واختارهم لرسالته وأمره.

وهم رجال الله خاصَّة، أولهم أول خلق الله وخاتم رُسله (ص)، وآخرهم خاتم أولياء الله، مهدي هذه الأمة وهادي الأمم إلى صراطها المستقيم، ومحقق حلم الأنبياء، ومؤول رسالاتهم على أرض الواقع في هذه الحياة بدولة الحق والعدل والقسط التي وَعَدَ الله بها في كتابه الحكيم.

ومن تلك الدوحة النورانية النبوية الولائية كان الإمام الهمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) سليل الأوصياء، وذريَّة خاتم الأنبياء (ص) الذي كان وريث والده واسطة عقد الإمامة صادق آل محمد (ص) الذي ملأ الدنيا بعلمه، وأضاء العالم بنوره، وبَهر الجميع بعقله، وغمرهم بفضله، فخضعوا له كأستاذ لا يُنكر، وإمام لا يُقهر.

السيدة فاطمة المعصومة (ع)

ومن تلك الدَّوحة النبوية، والشَّجرة العلوية، والسُّلالة الموسوية، ولدت بنتٌ كانت آية من آيات الفضل والعظمة، فكانت أشبه النساء بأمها فاطمة الزهراء (ع)، البَضعة النبوية الطاهرة التي ليس لها شبيه، ولا نظير، ولا مثيل في نساء العالمين.

فالسيدة فاطمة الموسوية ولدت في بيت الرسالة كبُرعماً من نور، ودرجت بين إخوتها كآية في سورة، وكلمة في مصحف، فرعتها يدُ الإمامة بأبوَّة وحنان منقطع النَّظير لعلمه بها وبفضلها، وبعده امتدت إليها يدُ الأخوَّة بحب عظيم، وعطف عميم، من أخيها الأكبر علي بن موسى الرضا (ع)، الذي تعلَّقت به كأخٍ، وسيدٍ، ومعلمٍ، وإمام، كتعلُّق عمَّتها السيدة زينب الكبرى (ع) بأخيها السبط سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، بحيث أنها كانت لا تستطيع العيش بدون أن تراه وتنعمُ بلقياه والاستضاءة بنور وجهه الشريف.

هذه الدُّرة الهاشمية العظيمة، والبضعة الموسوية الطاهرة، التي حباها الله تعالى شرف الأصل ونور المنبت، وهبها عقلاً راجحاً، وفكراً صافياً نقياً فصارت من العالمات العاملات وهي في ريعان الشباب، وما يُنقلُ عن فضلها وعلمها قد يكون خارجاً عن المعروف والمألوف في جنسها من بنات أمنا حواء وربما لهذا وُصفت بالمعصومة (ع) ولا معصومة إلا أمها الزهراء (ع).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى